محليات

بين الإهمال والخطأ الطبي من يتحمل المسؤوليّة؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"حيزٌ ضئيل هو الذي يفصل بين الخطأ والإهمال الطبيّ. حيزٌ قد يجعل من الإجراءات المُخطط لها لمساعدة المريض إلى سببٍ في معاناته. الأخطاء الطبيّة، ظاهرة شائعة لحدٍّ ما في الوسط الاستشفائي بتنوعاته ومستوياته حول العالم. في وقتٍ تُعالج هذه الظاهرة وفقًا لطبيعتها الجنائيّة في غالبية القوانين الدوليّة، كرّس لبنان ما يُشبه النمط المُكرّر في التنصل من هذه المسؤوليّة القانونيّة، بغياب الرقابة والمساءلة القضائيّة في المرتبة الأولى واستسهال تبرير الحوادث هذه وإلقاء اللّوم على ضحاياها بدل المتورطين فيها.

ففي الأسابيع القليلة الماضيّة، تمكنت قضيّة كل من هبة أبي رويس (35 سنة، لاجئة فلسطينيّة)، وليدا راشد (35 سنة، لبنانيّة)، من تلقف اهتمام الشارع اللّبنانيّ، بوصفهما نموذجًا للخلل في بعض الجسم الاستشفائيّ في لبنان، وضحيتان للإهمال والخطأ الطبيّ وما يُسمى ب"العنف الطبيّ" الموجه ضدّ النساء في المستشفيات الخاصة، وغياب الرقابة عن هذه المشافي.

في مقطعٍ مصور، نُشر في فيسبوك، شرح شقيق الضحيّة ليدا راشد، حيثيات وفاة شقيقته البالغة من العمر 35 سنة ومتأهلة ولديها ابنة واحدة بعمر الثماني سنوات. مشيرًا لكون شقيقته قد دخلت مستشفى الأرز – الزلقا، لتوليد طفلها الميت (من دون معرفة أسباب الوفاة) في رحمها بشهره التاسع. وبالرغم من مثل هذه الولادة لطفلٍ ميت تقتضي عادةً إجراء عملية جراحة قيصريّة (Cesarean section) إلا أن الطبيب المسؤول عن متابعة حملها، البروفيسور

(ب.ن)، أبى أن يُجري هذه العمليّة، وفضّل حقن المريضة بإبر طلق صناعيّ (Labor induction)، لفترة زمنيّة طويلة (من العاشرة صباحًا حتّى 11 ليلًا)، الأمر الذي أدى لحدوث مضاعفات في جسدها  وخصوصًا بعد تأخر في حضور الطبيب المعاين إلى المشفى ومساعدة راشد، والكشف عليها.

ولدى الدخول إلى غرفة العمليات، وفقًا لشقيق الضحيّة، طلب الطبيب من ذويها إحضار وحدات دم وبلازما، وقال لهم أن وضعها مستقر وهم في طور إنهاء العمليّة، ليتبين لاحقًا أن المريضة توفيت نتيجة المضاعفات وعدم تحملها لمشقّة الولادة الطبيعيّة، قبل أن يخرج الطبيب طالبًا وحدات الدم. وأكدّ شقيق الضحيّة، أن الطبيب متورط في قتل شقيقته، ودعا جميع النساء الحوامل بتجنّب التعامل معه. وأكدّ راشد أنّه تلقى وعائلته تهديدات من قبل الطبيب المذكور

بُعيد نشر المقطع المصور هذا، بتهمة التشهير. وتقدم ذوو الضحيّة بشكوى لدى النيابة العامة، للتحقيق في الحادث والكشف عن المتورطين والحصول على العدالة لابنتهم، وهم بانتظار نتائج التحقيق، فيما لم تُسجل أي مساءلة جديّة للطبيب المعاين وطاقم العمل في غرفة العمليات، حتّى اللحظة.

بعد وفاة راشد بأيامٍ قليلة، ظهرت قضيّة الشابة من أصولٍ فلسطينيّة هبة أبي رويس، الّتي خضعت لعمليّةٍ جراحيّة نسائيّة (غير خطيرة) أيضًا، في مستشفى الططري في مدينة بعلبك. وقال ذوو الضحيّة، أنها ولدى عودتها إلى منزلها في مخيم الجليل، شعرت بألمٍ ممضٍ وطرديّ في منطقة البطن، وقد تواصلت مع الطبيب المعاين والذي أجرى لها العمليّة، ووفق العائلة، فإن الطبيب شخص هذه الآلام بكونها تداعيات طبيعيّة للعمليّة وقد تكون ناجمة عن جرعة تخدير (بنج) زائدة. لكن أوجاع أبي رويس المستمرة وبعد نحو الشهر ونيف، دفعتها لزيارة طبيب آخر، والذي قام بطلب إجراءات طبيّة عاجلة، فور معرفته بتواجد جسم غريب في جسدها. 

 وبالفعل خضعت الشابة لعمليّة جراحيّة في مستشفى الناصري الهلال في برّ إلياس، ليتبين قطعة قماش طبية يزيد حجمها عن 30 سنتيمتر (من الشاش الطبيّ) كانت موجودة داخل جسمها، ما تسبب بالتهاباتٍ حادّة، وتسمُّم في

جسدها، وفتقٍ في أمعائها أدت إلى مضاعفاتٍ مميتة. وقبل أيام قليلة، تقدم ذووها بدعوى قضائيّة أمام النيابة العامة في بعلبك، ضدّ الطبيب المعاين والمشفى، لكشف ملابسات الحادث الطبيّ، ومساءلة المعنيين. وجرى دفن الضحيّة منذ أيام، وسط حالة من السخط والغضب الشعبيّ في مخيم الجليل.

من جهتها أصدرت إدارة المستشفى، بشخص صاحبها الدكتور أحمد الططري، بيانًا، تطرقت فيه إلى القضيّة من وجهة نظرها، وأكدّت أن خبر وفاة أبي رويس جاء مفاجئًا ولم تأتِ المريضة للكشف في المستشفى بعد العمليّة بتاتًا،

وترك الأمر للمراجع القضائيّة المختصّة، وبانتظار تقرير الطبيب الشرعيّ، وأكدّ أنّ المستشفى تحت سقف القضاء وبانتظار التحقيقات، وما تكشفه من مسؤوليات حول هذه الحادثة. ويؤكد عددٌ من المراقبين أنّه وفي هذه الحالة تحديدًا إذا ما تبين حصول خطأ طبيّ، فإن المسؤوليّة لا تقع على الطبيب وحده، بل على طاقم العمل الذي كان في غرفة العمليات مع الطبيب.

بالمفهوم العام، يُنظر إلى الإهمال الطبيّ بوصف الخطأ الناتج عن إهمال الطبيب القصديّ، أو عدم امتلك الخبرة الكافيّة، أما  الخطأ الطبيّ هو الذي ينتج بدون قصدٍ من الطبيب، أثناء إجراء العمليات الجراحيّة أو عند تنفيذه العمل الطبيّ، بإخلاله بواجبات الحيطة والحذر واليقظة الّتي يفرضها القانون والمهنة عليه؛ وذلك متى ما ترتبت على فعله نتائج جسيمة. وقد تتراوح الأخطاء الطبيّة من المعدات المتبقية داخل مريض الجراحة ، إلى إعطاء جرعة الدواء الخاطئة، إلى العدوى من المعدات الملوثة، وصولًا للتشخيص الخاطئ.

من جهته أشار نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، في حديثه إلى "المدن"، أن معدلات الخطأ الطبيّ في لبنان وخصوصًا في المستشفيات الخاصة لا تزال ضمن المعدلات الطبيعيّة والعالميّة، وهي فرضيّة لا يُمكن تلافيها بصورةٍ مُطلقة. وميّز النقيب، بين الخطأ الطبيّ البسيط والخطأ الذي يؤدي إلى نتائج جسيمة. واعتبر أن المرجع الوحيد للفصل في مثل هذه القضايا، هي القضاء اللّبنانيّ الذي يرتكز على تقارير اللجان الطبيّة في المستشفيات،

ولا يتأثر بالآراء المنشورة في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ، وأكدّ أن دور اللجان الطبيّة هي مراقبة الأعمال الطبيّة ومساءلة المقصرين. وتطرق إلى أن الأحكام الصادرة عن القضاء مؤخرًا تحمل مسؤوليّة الأخطاء للمشافي أيضًا، ما اعتبره هارون في بعض الأحيان غير منطقيّ وخصوصًا أنّه وفي حالات الخطأ الطبيّ للأطباء ذوي المهن الحرّة، فإنهم وحدهم يتحملون المسؤوليّة ولا تقع على المستشفيات. وختم، بضرورة العودة إلى القضاء في كل الأحوال.

المدن - بتول يزبك

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا