لبنان في ظلال جهنّم: حكاية رفيق الحريري
يروي السياسي باسم السبع في كتابه “لبنان في ظلال جهنّم” مرحلة مهمّة من تاريخ لبنان عايشها وكان على تماسّ مع وقائعها. واكب تطوّراتها إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، منذ تسعينيّات القرن الماضي حتى صدور الحكم النهائي في جريمة اغتيال الحريري ورفاقه.
كتاب السبع في طبعته الثانية يقع في خمسمئة وثلاث صفحات وأصدرته “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”. وقائعه تصلح لقياس الحياة السياسية وتعقيداتها منذ ما قبل انعقاد اتّفاق الطائف حتّى يومنا هذا. فلبنان تنبعث فيه السياسة جرّاء وصايات وتدخّلات واحتلالات، أكثر من نهوضها على وقائع وطنية.
دائماً الوطنيّ في لبنان فيه شيء لخارج ما. جماعاته الأهلية سيرتها الاستقواء على بعضها بخارج ما. ليس مهمّاً عند اللبنانيين من هو هذا الخارج، لأنّه لو كان يقع موقع الأهمّية ما كان شكّل لبنان مسرحاً للسياسات الخارجية، ولا كان صندوقة بريد للرسائل الحارّة والباردة. لهذا نعم، فإنّ لبنان في ظلال جهنّم منذ ما قبل التأسيس عام 1920… فمنذ عام 1840 تدور رحى حروب مختلفة المسمّيات، لكنّها كلّها كانت بين أبنائه ومن أجل خارج ما.
يستهلّ الوزير السابق باسم السبع كتابه برواية مراحل من حياته الخاصّة والعامّة مركّزاً على العلاقة التي جمعته مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري (1944- 2005). وهو لم يدّعٍ أنّه يكتب في “خانة المذكّرات السياسية”، إلّا أنّه اختار مراحل من “حياته الخاصّة والعامّة” في سياق الإضاءة على “سيرة رجل شكّل علامة فارقة في التاريخ الحديث للجمهورية اللبنانية”. الكتاب هو رواية عن رفيق الحريري.
لم يكن اسم الحريري قبل مطلع التسعينيات مطروحاً باعتباره سياسيّاً لبنانياً… سمع اللبنانيون باسم الحريري لأوّل مرّة عندما أهدى طائرة لرئيس الوزراء سليم الحص عام 1976، ثمّ دوره في مؤتمر جنيف 1983 برعاية سعودية ـ سوريّة، ومؤتمر لوزان 1984، وقبله إلغاء اتّفاق 17 أيار 1983 والاتّفاق الثلاثي بين نبيه برّي ووليد جنبلاط وإيلي حبيقة، وصولاً إلى مؤتمر الطائف 1989.
استمرّت علاقة رفيق الحريري مع السلطة السوريّة قرابة ثلاثة عقود ونيّف. بدأها في مستهلّ الثمانينيات موفداً للملك السعودي فهد بن عبدالعزيز. تقاطعت في التأسيس لتلك العلاقة أدوار ومصالح وحسابات سياسية وشخصية لمسؤولين في النظام السوري، كلّفهم الرئيس حافظ الأسد بالتدخّل في المسألة اللبنانية، والتعامل مع مكوّناتها الطائفية والحزبية.
تولّى جانب العلاقة المباشرة مع الحريري كلٌّ من نائب الرئيس عبد الحليم خدّام ورئيس أركان الجيش العماد حكمت الشهابي واللواء غازي كنعان واللواء رستم غزالة. وانضمّ لهذه القائمة بشّار الأسد في السنوات الأخيرة لوالده.
أحلامٌ قاتلة
يتحدّث السبع عن أحلام الحريري التي أودت بحياته. فقد كشف الأخير له خلال رحلة في طائرته إلى باريس عن خريطة للمنطقة “عليها أرقام ماليّة كُتبت بقلم رصاص إلى جانب عواصم الدول” ليقوم السلام على قاعدة اقتصادية متينة. ردّ السبع: “هل بإمكانك شراء السلام؟ من سيقنع حافظ الأسد بالانسحاب من لبنان؟”. أجاب الحريري: “أنا مستعدّ أن أضع من مالي الخاصّ ما بين 600 مليون دولار إلى مليار، تخصّص لسورية لتشجيعها على الانسحاب”.
تسلّم بشّار الأسد ملفّ لبنان قبل وفاة والده. كان أوّل تدخّل كبير لبشّار في الشأن اللبناني هو انتخاب إميل لحّود رئيساً عام 1998. وينسب السبع علاقة إميل لحّود بباسل الأسد ثمّ بشّار الأسد إلى ترتيب المدير العامّ للأمن العامّ السابق اللواء الركن جميل السيّد الذي خاض معارك لحّود قبل الوصول للرئاسة.
انتُخب لحّود رئيساً بعد تعديل دستوري، وكانت فترة رئاسته، بحسب السبع، “عهد اغتيال الحريري سياسياً قبل اغتياله جسدياً”، إذ كشف الحريري عن تلقّيه نصيحة بأنّه أمام ثلاثة خيارات: إمّا مغادرة لبنان، أو السجن، أو الموت.
يقول السبع في كتابه إنّ الأسد الأب نصح الحريري بالانفتاح على بشّار والتحدّث إليه مباشرة في الملفّ اللبناني والعلاقات الثنائية. وافق الحريري من دون تردّد… وفهم أنّ تجديد تأشيرة دخول قصر المهاجرين يستدعي تقديم الطلب لدى بشّار، على ما جاء في ذاكرة الكاتب.
حصل الاجتماع بين بشار والحريري، وعلّق الأخير بعدما عاد إلى الأراضي اللبنانية: “أنا صرت خايف على سوريا… بعد حافظ الأسد ح يحكم سوريا ولد… اللَّه يكون بعون سوريا”.
التّشنّج … والمشنوق
طلب بشار عام 2004 اللقاء مع الحريري وفاجأ الأوّل الثاني بحضور ضبّاط خدموا في لبنان، وهم غازي كنعان ورستم غزالة ومحمد مخلوف. وبحسب السبع، بدأ الاجتماع بتذكير بشار للحريري بأنّه رجل أعمال وحسب، وأنّه لا شيء من دون سورية والأسد، وأنّه يكرّس كلّ علاقاته للنيل من سورية، وأنّ ذلك سيرتدّ عليه، وأنّه يمانع التمديد للحّود، وطلب منه أن يتخلّى عن أسهمه في جريدة النهار التي تهاجم سورية، وتعديل سياسة تلفزيون المستقبل، والاستغناء عن خدمات مستشاره داود الصايغ، الذي كان صلة الحريري مع البطريرك نصرالله صفير، ومثل هذا الأمر حصل سابقاً حين طُلب من الحريري الاستغناء عن خدمات الوزير السابق نهاد المشنوق.
شعر الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالخذلان من بشار الأسد وتأكّد أنّه لا يريد التغيير، واعتبر الحريري أنّ سلوك بشار تجاه شيراك رسالة له، فعملت فرنسا وأميركا عام 2004 على استصدار القرار 1559 الذي يقضي باستعادة سيادة لبنان ومحاسبة سوريا. وعلى الرغم من نفي الحريري أن يكون على صلة بالقرار، إلّا أنّ السوريين لم يصدّقوا ذلك. وينفي السبع المعلومات التي تقول إنّه طبخ القرار مع مروان حمادة وغسان سلامة على يخته في جزيرة سردينيا.
دخل الحريري جلسة مجلس النواب يوم 14 شباط 2005 وجلس إلى جانب السبع. وخرج بعدها ليشرب القهوة في مقهى مقابل المجلس، وبعدها غادر برفقة الوزير باسل فليحان… وبعد قليل دوّى انفجار ضخم أودى بحياته. ثمّ يسرد السبع سير المحاكمة ووقائع وقضيّة شهود الزور وتوقيف الضبّاط الأربعة من دون أدلّة موثّقة.
أيمن جزيني-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|