الصحافة

لماذا الشرع في خطر؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا خلاف ولا نقاش بأن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة على أثر حرب "طوفان الأقصى" التي أخرجت إيران من غزة ولبنان وسوريا، وأضعفتها في العراق واليمن، ووضعتها تحت المجهر الأميركي والإسرائيلي، حيث لن يعود بإمكانها لا مواصلة دورها التوسّعي في المنطقة، ولا الوصول إلى السلاح النووي، وهذا عدا فكّ الرئيس الأميركي ارتباط روسيا معها من خلال التفاوض لإنهاء الحرب في أوكرانيا، واضطرارها في نهاية المطاف إلى التسليم بالشروط الأميركية حفاظاً على نظامها.

المنطقة أمام وضع جديد ومن الصعوبة وقف هذا المسار أو الانقلاب عليه بسبب الإصرار الأميركي على وضع حدّ نهائي للدور الإيراني والمتزامن مع مطلع ولاية رئاسية أميركية، بمعنى أنّ الرهان على عامل الوقت، ليس من مصلحة طهران هذه المرة، لأن هذا العامل يلعب ضدها في ظلّ تطوّرات أدّت إلى خسارتها أوراقاً استراتيجية ليس أقلّها سقوط نظام الأسد وتطويق درّة تاجها "حزب اللّه" الذي أصبح محاصراً بين إسرائيل وسوريا، وخرج من الحرب منهكاً ومضطرّاً إلى توقيع اتفاق يُنهي مشروعه المسلّح، ووضعية لبنانية رسمية وشعبية لم تعد تتقبّل استمرار هذا المشروع.

ولا تقف الأمور عند واشنطن وإصرارها على لجم إيران وتدجينها، إنما تتعلّق بالسياسة الإسرائيلية التي لن تتهاون لا مع الدور الإيراني ولا النووي، ولا تريد تكرار "هولوكوست" الطوفان وفقاً لتوصيفها، وبالتالي لن توقف حربها قبل أن تطمئن لإزالة التهديد الإيراني، وتحظى بالدعم الأميركي المطلق، وقد تكون السياسة الأميركية متقلّبة في العالم كلّه، إنما ستحافظ على ثباتها في الوقوف خلف تل أبيب.

وعلى الرغم من هذه الصورة كلّها، وغيرها من معطيات استراتيجية دولية وإقليمية، تؤشّر على نهاية مرحلة بدأت مع الثورة الإيرانية في العام 1979 وتمدّدت مع سقوط الرئيس صدام حسين، إلّا أن النظام الإيراني لن يتخلّى بسهولة عن مشروعه التوسّعي المرتبط بعلّة وجوده، فهذا النظام لا يستطيع الاندماج في النظام العالمي كدولة طبيعية على غرار دول العالم، الأمر الذي يؤدّي إلى فقدانه هويته وخلفيته وعقيدته القائمة على التوسُّع والتمدُّد، فضلاً عن أن تغيير هويته، يفضي إلى خسارته في الداخل، لأنه وجد لمهمة ودور وهدف، والتحوّل 180 درجة يعني انتهاء دوره ومهمته وهدفه، وبالتالي سقوطه وحلول من هو مؤهّل للوظيفة الجديدة أكثر منه، كما أن هذا النوع من الأنظمة غير قابل للتطوّر، فإما أن يستمرّ على ما هو عليه أو ينكسر ويسقط، ولذلك، لن يوفِّر وسيلة للانقلاب على المعطيات المستجدّة، ومن الخطأ الاعتقاد بأنه قابل للتطوّر.

ورغم إدراكه أن عامل الوقت لا يعمل لمصلحته، إلّا أنه سيستخدم هذا العامل حتى اللحظة الأخيرة مراهناً على تطوّرات تحرف أنظار واشنطن عنه، ولا شك بأنه يحصر تفكيره في الوقت الحالي في بعدين: إدارة مفاوضاته مع واشنطن بالتخلّي عن الأوراق التي يمكن أن ترضي الإدارة الأميركية ولا تؤثِّر في تماسكه واستمراريته، والبعد الثاني إعادة وصل الجسر الحيوي مع "حزب اللّه" الذي يعتبره ذراعه الأولى والأساسية في المنطقة، وبالتالي لن يوفّر وسيلة لإزالة الحاجز السوري الذي قطع طريق إمداده لـ "الحزب" الذي سيفعل المستحيل لإعادة إنعاشه.

 

ومن المؤكّد أنّ النظام الإيراني يبحث في كيفية تكرار تجربة التخلُّص من الحاجز العراقي- الصدامي الذي فتح المنطقة أمام مشروعه، ويعتبر أن الرئيس أحمد الشرع يشكّل الحاجز الجديد أمام إعادة بناء قدرات "حزب اللّه" وترسانته العسكرية، ولن يتأخر في التخلُّص من هذا الحاجز، لأنه لا يفيد "الحزب" بشيء تغيير المعطيات اللبنانية في ظلّ حصاره من إسرائيل وسوريا، وبالتالي التغيير الوحيد الذي يعيد الأوكسيجين لـ "الحزب" هو سوريا.

ومن هذا المنطق الرئيس الشرع في خطر، وهو يدرك ذلك طبعاً، وعليه أن يتّخِذ أقصى التدابير لمنع إيران من اغتياله وإعادة سوريا إلى الفوضى، وهذا لا يعني أن إسرائيل ستبدِّل في استراتيجيتها في مواجهة طهران، ولا يعني أن واشنطن ستتساهل مع عودة الدور الإيراني وأذرعه، ولكن أي معطى من هذا النوع سيؤدي إلى إعادة خلط الأوراق ويفتح المشهد على واقع جديد.

ومن الصعوبة بمكان إعادة تشييد حاجز عراقي على غرار الحاجز الصدامي لمجموعة اعتبارات وأسباب معروفة يمكن تفصيلها في مقال آخر، وبالتالي الحاجز السوري ضرورة استراتيجية بمعزل عن تسليم طهران بالشروط الأميركية بوقف تمويل أذرعها وتراجعها عن دورها الإقليمي التخريبي، وهذه الضرورة لا تتعلّق حصراً بالاستقرار في سوريا ولبنان، إنما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمسألة الفلسطينية وضرورة منع إيران من التدخُّل في الشأن الفلسطيني للوصول إلى السلام وحلّ الدولتين، فيما المانع الأساسي أمام أي حلّ بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو إيران اليوم بعدما كان الأسد الأب في الأمس، وبالتالي إذا كانت واشنطن تريد الاستقرار لدمشق وبيروت ورام الله واستطراداً للمنطقة برمّتها فما عليها سوى تعزيز قوة الحاجز السوري وتحصينه من خلال دعم قيادة الشرع الذي عليه في الأحوال كلها أخذ أقصى تدابير الحيطة لأن الحرس الثوري سيتخلّص منه، والتخلُّص منه هو هدف استراتيجي إيراني تعيد من خلاله طهران قلب الطاولة في المنطقة رأساً على عقب.

شارل جبور -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا