"مدلج" الرحابنة... هل "يقلع" لبنان؟

كان أمراً لافتاً ومعبّراً أن يثير سامي الجميّل، الزعيم السياسي من الجيل الأصغر راهناً في لبنان، إعجاباً واسعاً حتى لدى خصوم مزمنين لحزب الكتائب، الحزب المسيحي الأعرق في لبنان، في كلمة ألقاها وسط منبريات مملة لدى مثول حكومة الرئيس نواف سلام أمام البرلمان لنيل ثقته.
بدا الجميّل متعمقاً للغاية، في استلهام ناضج لسيرة "أبطال" الطوائف والأحزاب الذين تساقطوا اغتيالاً منذ عقود، كل في ساحة طائفته وزعامته، منطلقاً من يوم تشييع "بطل" "حزب الله" والشيعة السيد حسن نصرالله.
ما لم يبلغه هذا التفوق على الذات، ربما يجد أساساً "تاريخياً" إذا صحت المقارنة في إحدى الروائع المسرحية للأخوين العملاقين عاصي ومنصور الرحباني "جبال الصوان" لعام 1969 حيث يجد أهل الشغف بالفن الرحباني الساحر ،"مدلج" البطل الذي يقتل على البوابة وهو يقاتل غزو "فاتك المتسلط" الذي احتل جباله.
هو شغف اللبنانيين ببطل موحد لبلادهم لم يجدوه بعد منذ أيام الأمير فخر الدين المعني الكبير، بل إن تاريخ الانقسامات العمودية في التركيبة اللبنانية غالباً ما صدم اللبنانيين أنفسهم الذين يستحيل إيجاد توصيف علمي دقيق وموضوعي لسردية معاناتهم من الفشل في تثبيت دولتهم ومن ثم العودة إلى استنباط شتى أنواع الانقسامات التي تدفن مشروع الدولة في ساحات الطوائف والنزاعات والارتباطات الخارجية.
بعد أقل من شهرين سيحيي لبنان الذكرى الخمسين لنشوب "حرب الآخرين على أرض لبنان" والتي استحالت لاحقاً حرباً أهلية، فيما هو يبدأ الآن مرحلة "الإقلاع" مجدداً وسط ركام موروث من حرب لم تحط رحالها بالكامل بعد ومن غير المخفي أن آمالاً عريضة واسعة تحوط بعملية الإقلاع هذه.
لم تكن، ولن تكون، هذه الإقلاعة الأولى أو الأخيرة على هذا النحو من إثارة الآمال لدى اللبنانين الذين اعتادوا، في مقابل كل مرحلة من مراحل الاستقرار اندلاع اضطرابات ونشوب أزمات ومرات كثيرة اندلاع حروب ذات جذور خارجية. ولكن فرادة التجربة الطالعة الآن تكمن في تقاطع نادر قل مثيله بين ظروف إقليمية ودولية أحدثت تحولات خيالية في واقع لبنان بعدما كاد يسحق تحت وطأة ربطه من جانب "حزب الله" بحرب غزة واستدراج الحرب الإسرائيلية "الإبادية" إليهما معاً، وواقع توق اللبنانيين إلى التخلص نهائياً من استرهانهم لتلك اللعنة المتجددة كل أقل من عقدين بحيث صارت تسمية "الساحة" هي المألوفة أكثر من اسم لبنان الوطن والبلد الذي كان "لؤلؤة الشرق".
في الطريق الشاق إلى تجربة جديدة يبدو واقع لبنان كثير الغرابة إذ إنه قياساً بمحيطه، سوريا وغزة والعراق وصولاً إلى إيران، يبدو كأنه يمتلك الفرصة السانحة للنفاذ بقوة من موروثات المحور الممانع وصراعاته مع الخليج والغرب، بعدما "تحرر" لبنان مبدئياً من أخطر ما كان يشكل تعطيلاً لنظامه ومؤسساته الدستورية والسياسية ويمعن في إفقاره وإفلاسه وحمل أبنائه وشبابه على الهجرة.
ومع ذلك فإن المطبات الكثيرة والخطيرة التي لا تزال تحوم فوق فضاء لبنان، إن إقليمياً وإن داخلياً، تجعل استباق مساراته بتقديرات متعجلة أمراً شديد الرعونة، لأن انطلاق الحكم الجديد والحكومة الجديدة لا يزال أمام امتحان إحياء الدولة من جهة والقدرة على الإبحار بين آفاق المنطقة الغامضة من جهة أخرى. ولذا تتخذ مبادرات داخلية من نوع التقارب بين "الأعداء الخصوم" وهجاً يتعين تثميره تجنباً لـ"الجولات الأخرى"!
المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بومنصف
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|