المجتمع

الإقبال على المهدئات يصل الى 100% ويشمل جميع الفئات العمريّة!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في أرضٍ كانت يوماً تنبض بالحياة، أصبحت السعادة ترفاً بعيد المنال، وأضحت الكآبة رفيقة درب اللبنانيين في ظل أزماتٍ متشابكة، لا تترك لهم متنفساً سوى التأقلم مع البؤس أو الهروب إلى ملاذاتٍ وهمية.

منذ سنوات، تتوالى الكوارث على هذا البلد الصغير، من انهيار اقتصادي غير مسبوق، إلى أزمة نقدية حوّلت لقمة العيش إلى معركة يومية، وصولاً إلى تداعيات الحرب الأخيرة مع "إسرائيل"، التي عمّقت الجرح في النفوس قبل الجدران. كل ذلك أوجد مجتمعاً يختبر التعاسة كقدرٍ محتوم، حتى باتت التقارير العالمية تعكس واقعاً لم يعد سراً: لبنان من أكثر الدول بؤساً في العالم.

شراء المهدئات زاد بمعدل 100%!

لذا، لم يعد الألم عابراً، بل صار متأصلاً في الوجدان الجماعي، يتجلّى في النظرات المثقلة بالإرهاق، والوجوه التي فقدت بريق الأمل، وفي الصمت الطويل الذي بات لغة اللبنانيين المفضّلة أمام الواقع المأزوم. ووسط هذا المشهد، لم يكن مفاجئاً أن تكشف مصادر صيدلانية موثوق بها لـ "الديار" عن "قفزة صادمة في استهلاك مضادات الاكتئاب"، مؤكدة أن هناك "إقبالاً مخيفاً على أدوية مهدئات الأعصاب في ظل هذه الظروف الصعبة، سواء كانت اقتصادية أو أمنية. فقد تضاعف الطلب عليها بشكل كبير، لكن هذه الظاهرة ليست جديدة. ومع تفاقم الأزمات، يُلاحظ أن بعض المرضى لا يستطيعون تأمين أدويتهم أو حتى الحصول على وصفة طبية قانونية من الطبيب المختص، نظراً لأن هذا النوع من العقاقير لا يُصرف إلا بموجب وصفة رسمية من طبيب أعصاب أو نفساني".

وتكشف المصادر نفسها أن "التهافت قد تضاعف بمعدل يتجاوز 100%، فبعدما كان الأطباء يصفون نحو 10 عبوات يومياً، ارتفع هذا الرقم ليصل إلى 30 أو حتى 40 عبوة، مما أدى إلى قفزة في الطلب بنسبة تتراوح بين 200 و300%. وتكمن الخطورة في أن هذه الحالة بدأت تشمل مختلف الفئات العمرية، مما يزيد من تداعياتها النفسية".

وفي ضوء هذه الأرقام المرعبة، فإن اللجوء إلى هذه العقاقير ليس مجرد رقمٍ في الإحصاءات، بل هو مؤشرٌ على تحوّل المجتمع إلى كتلةٍ هشّة من الأفراد المترنحين بين اليأس والإنهاك. فهذه الأدوية، التي يفترض أن تكون دعماً ظرفياً للعبور من نفق الكآبة، تحوّلت إلى قيدٍ جديد يطوّق اللبنانيين، إذ إن استخدامها المفرط دون إشراف طبي قد يقود إلى الإدمان، أو يجعل التعافي النفسي مرتبطاً بوصفة طبية، بدلاً من مواجهة الأسباب العميقة للأزمة.

ادوية قد تورط المراهقين!

بناء على ما تقدم، حصلت "الديار" على معلومات خطرة تفيد بأن صاحب مقهى يستغل الشباب المراهقين، الذين يعانون من اضطرابات نفسية، ويضع حبات من دواء يُدعى "بنزكسول" في زجاجة النرجيلة دون علمهم. وهذه الطريقة تجعل هؤلاء الشباب يأتون الى المقهى باستمرار دون التفكير في حقيقة ما تحتويه النرجيلة، واهما إياهم بأن خلطة المعسّل التي يعدها مميزة. وهذا قد يؤدي إلى تعاطيهم للمادة بشكل غير مباشر، مما قد ينقلهم إلى عالم آخر، ويؤثر سلباً في صحتهم النفسية.

ولهذا، يجب أن تكون هناك توعية لضرورة التحلي بالمسؤولية في التعامل مع الأدوية ومن يحتاجها او يشتريها، بالإضافة إلى تحذير الصيدليات التي تقدم هذا الدواء مقابل مبالغ مالية إضافية دون وصفة طبية، حيث أن هذا التصرف غير قانوني ويعرض الأشخاص للخطر. انطلاقا من هذه المعطيات، تضع "الديار" هذه المعلومات بعهدة الجهات المعنية للتأكد من صحتها، علما بأن الشخص الذي أدمن على هذه المادة هو من أفصح لنا عما يجري في المقاهي غير المرخصة.

لذلك، فإن السعادة اليوم في لبنان ليست مجرد مقياس عالمي، بل معركة يومية يخوضها الناس ضد واقعٍ يفرض نفسه بالقوة. فهل يمكن لهذا البلد أن يستعيد شيئاً من بريقه؟ أم أنه ماضٍ في الغرق في قاع التعاسة، حيث لا تنفع الأدوية ولا المسكّنات في معالجة ما أفسدته الأزمات؟

أثقال من البؤس!

في مشهد يعكس واقعاً قاتماً، غرق لبنان مجدداً في مستنقع التعاسة، محتلاً المرتبة 145 من أصل 147 دولة في تقرير السعادة العالمي لعام 2025، الصادر عن شبكة "حلول التنمية المستدامة" التابعة للأمم المتحدة. بهذا التصنيف، بات لبنان أحد أكثر الدول بؤساً على وجه الأرض، متقدماً فقط على سيراليون وأفغانستان، وكأن أزماته المتراكمة قد حوّلته إلى ساحة ممتدة للألم الجماعي.

التقرير يُظهر تراجعاً مستمراً في مستوى الرفاه النفسي والاجتماعي، رغم أن العام 2023 سجّل ترتيباً أكثر سوداوية، حيث احتل لبنان آنذاك المركز ما قبل الأخير. وكأن البلاد تخوض سباقاً مع الانهيار، دون أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل.

على الصعيد العربي، حلّ اليمن في المرتبة 140، ومصر في المرتبة 135، والأردن عند 128، في حين جاء العراق في المرتبة 101 وفلسطين في المرتبة 108، بينما نالت بعض الدول الخليجية تصنيفات متقدمة، إذ احتلت الإمارات المرتبة 21، وهي الأعلى عربياً، تليها السعودية في المرتبة 32، ثم عُمان في المرتبة 52. أما سوريا، فقد غابت تماماً عن التقرير، وكأن مأساتها لم تعد قابلة للقياس.

إقليمياً، جاءت إيران في المرتبة 99، وتركيا في المرتبة 94، بينما واصلت الدول الاسكندنافية تصدّرها لقائمة السعادة، إذ تربعت فنلندا على العرش مجدداً، متبوعةً بالدنمارك وآيسلندا والسويد، وكأن السعادة هناك ليست مجرد مؤشّر، بل أسلوب حياة مستدام.

الجدير بالذكر أن تقرير السعادة العالمي الذي يصدر سنوياً منذ عام 2012، لا يقتصر على أرقام باردة، بل يكشف عن فجوة صارخة بين الدول التي تبني رفاه شعوبها، وتلك التي تحوّل مواطنيها إلى أسرى للقلق وانعدام الأفق. يقيس التقرير مستوى السعادة بناءً على عوامل محورية مثل الدخل، والصحة، والدعم الاجتماعي، والحرية، والثقة، وكرم المجتمع. إلا أن هذه العوامل تبدو في بعض البلدان مجرد مفاهيم بعيدة المنال، بينما تترجم في أماكن أخرى إلى واقعٍ مزدهر.

التفكك النفسي انعكاس لواقع مأزوم

من جانبها، تؤكد الاختصاصية النفسانية والاجتماعية الدكتورة غنوة يونس لـ "الديار"، أن "تصنيف لبنان في أدنى مراتب مؤشر السعادة العالمي لا يشكل مفاجأة، بل يعكس حقيقة ملموسة يعيشها اللبنانيون يومياً، سواء في صمت أو في العلن. فالمواطن اللبناني لا يواجه فقط أزمات اقتصادية واجتماعية، بل يختبر انهياراً نفسياً عميقاً، وسط فقدان شبه تام للأدوات التي تساعده على الصمود". الصحة النفسية الجماعية في خطر

انطلاقا من كل ما ذكر، "لم يعد بالإمكان النظر إلى لبنان فقط من زاوية السياسة أو الاقتصاد، بل بات من الضروري فهمه من منظور "الصحة النفسية الجماعية"، كما تشير يونس، "لأن المجتمع برمّته يعيش حالة تآكل صامت. فالأفراد من مختلف الفئات العمرية يواجهون صدمات متكررة: شعوراً دائماً بالوحدة، قلقاً مزمناً، وغضباً مكبوتاً لا يجد متنفساً له".

ما معنى أن يكون لبنان في ذيل قائمة السعادة؟ تجيب يونس "أن يكون لبنان بين أكثر الدول تعاسة في العالم، يعني أن شعبه يعيش تحت وطأة ضغوط يومية خانقة، يستيقظ كل صباح مثقلاً بالهموم: القلق من المصاريف، الخوف من المرض، انعدام الأمن الغذائي والتوجس من مستقبل قد يحمل ما هو أسوأ. هذا الترتيب يعكس واقعاً مريراً، حيث الأمان مفقود على كل المستويات: الاجتماعي والاقتصادي والنفسي".

الحرب الأخيرة… جرح فوق الجراح

وتقول: "الحرب الإسرائيلية الأخيرة لم تكن سوى عامل إضافي زاد من تعميق معاناة اللبنانيين، إذ وجد الأطفال أنفسهم تحت القصف، بينما وقف الأهل عاجزين عن تأمين الحماية لأبنائهم، وسط موجات نزوح أعادت إلى الأذهان مآسي الحروب السابقة. هذه الأوضاع وقعت فوق أزمة اقتصادية ساحقة جعلت اللبنانيين يقاتلون من أجل لقمة العيش، ودفعتهم إلى الاختيار بين شراء الدواء أو تأمين الطعام. وفي ظل هذا الواقع، لم يعد هناك أي ضمانات تقي الأفراد من شبح الانهيار، فلا ضمان للشيخوخة، ولا تأمين صحي، ولا حتى استقرار وظيفي".

العنف والجريمة في تصاعد

وتوضح يونس أن "الانكسار النفسي لم يعد يقتصر على الأفراد، بل أصبح ظاهرة مجتمعية خطرة. فقد ارتفعت معدلات الجريمة، وتفاقم العنف الأسري، بينما يزداد القلق تفشياً في النفوس". وتلفت الى "ازدياد حالات الاكتئاب الحاد، ونوبات الهلع، واضطرابات النوم، وفقدان الأمل، وصولاً إلى تنامي النزعات الانتحارية، خاصة بين فئة الشباب. لكن الخطر الأكبر، يكمن في أن الكثيرين باتوا يموتون بصمت، بينما يخفون معاناتهم خلف ابتسامات زائفة".

العلاج النفسي.. "إسراف"!

وتتابع "باتت الخدمات النفسية مقتصرة على الطبقة الميسورة، في حين أن الفئات الأقل دخلاً تعيش آلامها النفسية في عزلة تامة. فالعلاج النفسي، الذي من المفترض أن يكون حاجة أساسية، أصبح اليوم رفاهية غير متاحة للكثيرين. المراكز المجانية تكاد تكون معدومة، فيما تفتقر الدولة إلى رؤية واضحة تعطي الصحة النفسية الأولوية التي تستحقها".

الغضب بات لغة التواصل

وتصف يونس "المجتمع اللبناني اليوم بأنه مثقل بالتعب والإنهاك، حيث تحوّلت المشاعر إلى طاقة مكبوتة تتفجر في الشوارع والمنازل والعلاقات اليومية. وأصبحت أبسط الخلافات تتحول إلى حوادث عنف مروعة، كأن يقتل أحدهم شخصاً لمجرد خلاف مروري، أو أن يلجأ رجل إلى قتل زوجته بسبب خلاف عائلي. حالة التوتر هذه جعلت اللبنانيين يخشون حتى التعبير عن مشاعرهم أو التخطيط للمستقبل".

الارهاق النفسي لم يعد فردياً بل جماعياً

وتقول: "من خلال خبرتي كمعالجة نفسية، أرى أن التعب النفسي لم يعد مشكلة فردية، بل تحوّل إلى أزمة جماعية. اليوم لا يتحدث الشباب عن الحياة بقدر ما يتحدثون عن "البقاء"، وكأن الهدف الوحيد هو النجاة". وتشير إلى "أن المحادثات اليومية، حتى في التجمعات العائلية أو بين الأصدقاء، أصبحت تدور حول الانهاك والخوف والإحباط".

العلاج صعب!

وتؤكد يونس في ختام حديثها أن "الحل ليس سهلاً، لكنه يبدأ بالاعتراف بأن المجتمع اللبناني يعاني، وأن هذه الأزمة النفسية ليست حالة فردية معزولة، بل نتيجة ظروف قاهرة فرضت نفسها. لذا، المطلوب هو العمل على بناء شبكة دعم نفسية حقيقية، والضغط من أجل وضع الصحة النفسية ضمن الأولويات الوطنية، لأن أي بلد لا يمكن أن ينهض إذا كان شعبه مكسوراً من الداخل".

ندى عبد الرزاق-الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا