محليات

السنيورة: كل من إرتكب جرماً يجب أن يحاسب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يتطلع فؤاد السنيورة في حديثه إلى الماضي، إلى الوراء، كما يولي أهمية للبنان الذي سيأتي غداً، حديثه لا يلبث أن يقترب من حملة دفاع عن حقوق اللبنانيين الذي يقبعون في المعاناة والحروب منذ 1975.

وشخصيته المرحة واللماحة والجدليّة يتنقل في ملفات عديدة متذرعاً بما جرى ويجري على هذه البلاد. داعياً إلى ضرورة البدء بالتطلع إلى بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها. لا يبتعد عن لبنان وهمومه كما لا ينسى فلسطين التي تأخذ من حديثه جانباً كبيراً إلا أنه رغم ذلك لا ينفك عن مراجعة حسابات الحرب الأخيرة التي أدخل حزب الله البلاد فيها.

حول مستقبل هذه البلاد، الانتخابات البلدية في بيروت وواقع الحال وإمكانية المناصفة والضمانات الشعبيّة، فلسطين ومستجدات الأحاديث العربيّة حول التطبيع مع "إسرائيل" وواقع المصارف اللبنانية وتقييمه لدور الحكومة في التعيينات الجديدة وآلياتها كان لـ"المدن" هذا الحديث عشية الذكرى الخمسين للحرب الأهليّة.

- كان لكم موقف واضح بإدانة استهداف الضاحية. مع ذلك، ومنذ العام 2006، كان ثباتكم على مبادئ السيادة وحصرية السلاح وتنفيذ القرارات الدولية سبباً في خصومة حزب الله. هل أخيراً، تشعر بإنصاف التاريخ؟

بداية أنا أشعر على مرّ هذه الأيام بسكينة عارمة، وراحة نفسيّة كاملة، مردّها أنّ المواقف الوطنيّة التي اتخذتُها كانت صحيحة وفي مكانها، والأيام هي التي أثبتت ذلك. تجربتنا في العام 2006 كانت غنيّة جداً وصعبة جداً. خلافاً للوعود التي أطلقها السيّد نصرالله، بأنه لن يكون هناك أي عمل عسكري وجدنا النتيجة خلاف ذلك. في المحصّلة استطعنا أن نحافظ على وحدة اللبنانيين آنذاك وأن نحقّق إنجازاً بصدور القرار 1701، هذا القرار كان يفترض احترامه من قبل اسرائيل من جهة ومن قبل حزب الله من جهة أخرى، ولكن تبين أنه على مدى 17 عاماً وحتى 2023 كان هناك احترام ظاهري للقرار ولكن عملياً لا يوجد أي تطبيق فعلي له. لأن القرار ينص على أن منطقة جنوب الليطاني خالية من أي سلاح لحزب الله، أما ما حصل فهو عكس ذلك، إلى أن وصلنا إلى تورط حزب الله مرّة جديدة في الثامن من تشرين الأول في حرب غزة استناداً إلى أفكار وحدة الساحات ونظرية المشاغلة. في ذلك اليوم بالذات بادرتُ، وأصدرتُ بياناً نبّهت فيه وحذّرتُ من تورّط لبنان في الحرب، لاسيّما وأن بلدنا يعاني من مشكلات كبرى سياسية واقتصادية واجتماعية، إضافة لمشكلة النازحين السّوريين. وقلتُ أيضاً أنّ بلدنا ليس باستطاعته الاحتمال أكثر في ظل افتقاره لشبكة الأمان السياسيّة العربيّة والدوليّة، وقبل ذلك كله لا نمتلك تلك الرغبة اللبنانية بالتورط في هذه الحرب، كلّ هذا لم يمنع حزب الله آنذاك من الدخول في الحرب وحصل ما حصل.

هذه السعادة مصدرها تنفيذ القرارات الدوليّة أم "هزيمة حزب الله"؟

في الحقيقة أنا أنظر إلى الأمور من زاوية حماية لبنان، موقفي كان يقصد حماية لبنان وليس أن نهزم "حزب الله". كان يفترض أن يأخذ حزب الله بعين الاعتبار كيف يمكن أن يحمي لبنان. خطاب الحزب كان قائماً على نظريّة مفادُها حماية لبنان وتشكيل ردع لإسرائيل وما تبيّن في نهاية المطاف كان عكس ذلك. تبيّن أنّ هذا السّلاح لم يحمِ لبنان ولم يردع اسرائيل بالتالي الهدف المعلن والمناط بهذا السّلاح لم يتحقق.

الفطن هو من يتعلّم من أخطاء الآخرين، العاقل هو الذي يتعلّم من أخطائه، الصنف الثالث هو الذي لا يتعلّم من أحد. نحن فعلياً مررنا بتجربة مريرة جداً تحمّلها اللبنانيّون، في الحالتين تحمّلها اللبنانيون بعذابات ومعاناة وتدمير وإزهاق أرواح بريئة. عام 2006 بلغ عدد الضحايا 1200 وفي الحرب الأخيرة فاق العدد 6000، ربما كان ينبغي أن نفهم وأن نتّعظ وأن نمنع بلدنا من أن ينجرف إلى هذه الحرب.

أمنيتنا أن يكون اللبنانيون قد تعلّموا، وأن يسلكوا مساراً صحيحاً في ضوء التفاهمات الجديدة التي تمشي بها المنطقة.

- الحديث عن "مفاوضات ديبلوماسية" مع إسرائيل، لحل كل المشاكل العالقة، هل تراها مناسبة في الظرف الراهن؟ هل من مصلحة لبنانية في هكذا مفاوضات؟

ad

موقفي كان واضحاً خلال كل الفترات الماضية، وقد عبّرت عنه مراراً، لبنان لا يحتمل أن يخوض معركة التطبيع بسبب طبيعته الفسيفسائية. نحن لا نريد الحرب، بل نريد السَّلام العادل والدائم وأيضاً القابل للحياة. وهذا السَّلام لا يكون إلا من خلال تحقيق الفلسطينيين لدولتهم ووطنهم المستقل السيد. وأيضاً أن يكون لبنان آخر بلد عربي يُقدم على عملية السَّلام، نرى أنّ ذلك لو حصل فيه مصلحة للبنان وللبنانيين، لاسيما أنّ القضية الفلسطينيّة تحفرُ عميقاً في وجدان العرب والمسملين، وبالتالي لا مصلحة لبنانيّة في المبادرة إلى السلام وهذا ما يجب أن يكون موقفنا، موقف مشروط بانسحاب اسرائيل من كافة الأراضي التي احتلّتها وأن تمتنع عن القيام بعمليات الاستهداف التي نراها يومياً.

- في أجواء ذكرى نصف قرن على 13 نيسان المشؤومة، هل يمكن القول إن الحرب الأخيرة قد تكون آخر الحروب؟

ينبغي أن تكون آخر الحروب. هناك كثر من اللبنانيين تعلّموا طبعاً مما جرى بأنّ الخلافات التي بينهم، والتي نحا البعض منهم إلى العنف أو إلى تحميل لبنان أكثر مما يستطيع ويحتمل من مصاعب وويلات وأكلاف، وبالتالي دفع اللبناينون ثمناً غالياً والنتيجة كانت أننا أطحنا بالدولة الوطنيّة. هذه التجربة التي جرت في 13 نيسان والتي لم ندرك في وقتها ما هي تداعياتها وكيف يستعمل لبنان في خدمة أغراض أخرى إقليميّة أو دوليّة. أضاع اللبنانيون فرصاً وإمكانات وموارد كبرى وبالتالي نفهم أنّ هذه الصيغة اللبنانيّة التي توصّلنا إليها في اتفاق الطائف، والتي كان يجب أن نحافظ عليها وأن نُحسن تطبيقها وأن نبادر من أجل استكمال تطبيق الطائف ونحرص على سلطة الدولة الحصريّة. لم نتعلّم من الحرب وامتنعنا عن القيام بالإصلاحات. في الخلاصة لن يساعد أحدٌ لبنان إذا لم يقُم بالإصلاحات التي نحتاجها أي بمساعدة نفسه.

ad

- يقترح البعض ضرورة إطلاق حوار فعلي مع حزب الله، ما هو تصورك لهكذا حوار وإلى أي هدف يجب أن يكون؟

لا شيء أسمى في الدنيا من الحوار والانفتاح ولا سيّما في المجتمعات المختلفة، لكن الحوار يكتسب صدقيّته من تنفيذ مقرَّراته. لا ينبغي أن نخوض جولات من الحوار لمجرّد إضاعة الوقت وحرف انتباه الناس عن القضايا الأساسيّة. هذا الأمر صار واضحاً، لبنان بحاجة إلى انتفاح اللبنانيين على بعضهم البعض وأن يدركوا أن ليس هناك من طريقة سوى أن يسيروا باتجاه الدّولة التي تهتمّ بحاضر الإنسان اللبناني ومستقبله وتنفتح على الأشقاء العرب وتبني علاقات سوية معهم. لم يعد من الممكن رمي مشاكلنا خلف ظهورنا وتركها للزمن، هناك حاجة ملحّة اليوم للحوار.

حتّى مع "حزب الله"؟

نعم مع حزب الله، لا يمكن أن يكون هناك ازدواجية في السّلطة، نحتاج لمعرفة المسؤول عن هذه البلاد هل الدولة أم "حزب الله"، لم يعُد بإمكان الدولة أن تكون آخر من يعلم وأوّل من يُطالَب. مسؤولية الدولة فعلاً إعادة الإعمار، ولكن أحداً لم يسأل عن الدولة في بداية الحرب. هناك طريقة وحيدة تكمن في العودة إلى الدولة اللبنانيّة وسلطتها الحصريّة وكامل أراضيها ومرافقها وأن تُحاسب الدولة على أدائها. السلطة بالاسم لدى الدولة، ولكن الفعل في مكان آخر، من هنا يجب أن يبدأ الحوار والحديث والنقاش.

ad

- بعد كل الذي جرى خلال عقدين، هل ما زال اتفاق الطائف صالحاً كما هو، أم حان الوقت لإعادة النظر ببعض بنوده كما يطرح بعض السياسيين؟

البعض في الحقيقة يحاول إلصاق الفشل بالنظام، أو أنّ هناك مشكلة نظام. لكن الفكرة الحقيقيّة تكمن في أننا لم نُحسن تطبيق مندرجات هذا النظام البرلماني القائم على سموّ فكرة العيش المشترك في لبنان. لم نُحسن ولم نُكمِل ما علينا، وبالتالي لا يجوز لنا أن نحكم على النظام قبل تطبيقه. هذه الثغرات في التشريع أو النظام هي صنيعنا كبشر، الدساتير صناعة بشريّة قد تتطلب قراءات وتعديلات وصياغات جديدة ولكن هذا الأمر يحدث حين تهدأ النفوس في لبنان. أهم الدساتير في العالم ركيزتها الأساسيّة قبل البنود والمواد الدستوريّة هي حسن نوايا المطبّق.

أعود هنا لأقول إنّ اتفاق الطائف هو من أفضل ما أنجز من أجل مجتمعنا المتنوع، وهو نموذج يُعتمد في مجتمعات شبيهة بنا. لكن ما يجب أن يرتكز عليه هو إنصافنا لأنفسنا ولبلدنا وحرصنا على مستقبل أجيالنا، علينا أن نسير نحو تطبيق الدستور فعلياً بنيّة حسنة، وإعلاء قيمة وصورة الإنسان اللبناني.

- هناك اليوم صراع شرس بين جبهتي لوبي المصارف، وما يمكن تسميتهم أنصار "صندوق النقد". ولا نعرف موقفك (وهو مؤثر بحكم تجربتك) تجاه هذا السجال؟

هذه البلاد، ومنذ العام 1975، تعاني من فترات حروب متقطعة داخلية وأخرى خارجيّة شنّت عليه، هذه الحرب هي السابعة التي تعرّض لها من قبل إسرائيل. في المقابل تعاني ومنذ 1975 من عجز في موازنته وفي ميزانيته العامة، الدَّين الذي تراكم سنة تلو سنة أوصل إلى هذا الخراب الذي هو نتاج لكل سنوات الاستعصاء عن القيام بالإصلاحات.

ad

الإصلاح أمر تقوم به الدول، عندما تكون بحاجة إليه وقادرة عليه، وليس حينما يُطلب منها أو يصبح مفروضاً عليها، الإجبار يصبح شديد الكلفة وشديد الأوجاع. لقد أضاع اللبنانيون فرص عديدة، يكفي أن أذكر لك أنّ 7 مؤتمرات دولية (أصدقاء لبنان، باريس 1، باريس 2، باريس 3، ستوكهولم، فيينا، سيدر) وفوق ذلك كله تبرعات المملكة العربية السعوديّة بمبالغ لدعم وتمكين مؤسسات لبنان العسكريّة.

كل هذه الفرص أضاعها اللبنانيون بالخلافات ووصل لبنان إلى حصيلة كاملة من الضغوط والحروب هي أمامنا الآن، نحن كلبنانيين لم ندرك ولم ندرس فعلياً ما الذي يجب أن نقوم به، هناك مسؤولية تترتب على الدولة اللبنانيّة تنفيذيا وتشريعياً وأخصّ تشريعياً. كانت تُعرَض القوانين على مجلس النواب فيرفضها ويتمّ تعطيلها. هناك مسؤولية أيضاً على حاكم المصرف المركزي الذي تمتّع لسنوات بحصانة كبرى فقط من أجل أن يقول لا للدولة اللبنانيّة وهناك مسؤولية أيضاً على البنوك التجارية التي لم تلتزم بالقواعد الأساسيّة للعمل المصرفي كي لا نقع في الخسارة.

السؤال اليوم: من الذي أساء للمال العام؟ لا يُمكن أن نتهرّب من الإجابة أبداً ولا يوجد "عفا الله عما مضى"، كلّ من ارتكب بحق الدولة الللبنانية جرماً يجب أن يحاسب عليه مؤسساتياً وليس ميدانياً، نحن في دولة دستور وقوانين والمحاسبة واجبة لمن أساء. من ناحية أخرى قد تكون إعادة هيكلة المصارف حلاً للمحافظة على ما تبقى من سمعة القطاع المصرفي الذي جرت الإطاحة به في الأزمة الأخيرة.

- يحكى عن بصمات لكم على الحكومة الحالية، هل أنت راض عن أدائها خصوصاً في علاقتها وتفاهمها مع رئاسة الجمهورية.

من المبكر جداً الحديث عن أداء الحكومة. ما تفعله الحكومة اليوم على صعيد التعيينات والآليات هو أمر محمود وجيد وواعد ودورنا هو تشجيعها على ما تقوم به لتستكمل ما تفعله وما تنوي على فعله. الآلية في الحكومة مقتبسة، ولو بشكل معين، مما فعلناه وقمنا به من تجارب في العام 2007 وهذا كله يصب في مصلحة إعادة اعتبار الدولة اللبنانيّة. الولاء للدولة وليس للأحزاب وهذا ما تكرّسه الحكومة والذي يؤسّس لفكرة بناء الدولة وتتماشى مع خطاب رئيس الجمهورية الذي نعتبره مساراً حقيقياً نهتدي به.

أما بخصوص علاقتي بها، ربّما هناك بعض الأشخاص كانوا قد عملوا معي، والبعض الآخر أصدقاء لي وأنا أعتز بصداقتهم وصلات العمل معهم. هؤلاء يجب أن يتاح لهم مع الحكومة الاستمرار في العمل الاصلاحي من أجل إدارة الشأن العام وضمان حقوق وخدمات المواطنين خصوصاً في فترة بلادنا هذه الصعبة.

- مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، عاد السجال حول بيروت ووحدتها من جهة، وحول صلاحية المحافظ من جهة ثانية.

لقد درست الموضوع صراحةً، ولديّ بعض الأفكار لاعتمادها والتي أتشاركها مع آخرين. بلدنا قائم على التنوع، احترام التنوع في لبنان أمر ضروري، كما احترام الفسيفسائية اللبنانية لذلك يعني ذلك حرصنا على أن ندع الجميع يشارك، وأن لا نتّكل على عصبياتنا وتطرفنا وحساسيتنا.

بالنسبة لبيروت كونها العاصمة، هناك حرص على المناصفة منذ أيّام الشهيد رفيق الحريري. وأجريت المناصفة وهذه الأمنية احترمها الناس، هذا الأمر من المستصعب اليوم حصوله بشكل عادي، الضمانة والفضل لتحقيق هذا الغرض هي اللوائح المغلقة، التي تكون مؤلفة من شخصيات وعناصر متوائمة ومؤتلفة ومتجانسة مع بعضها لتعيش مع بعضها ولتنجح بشكل كامل، أعتقد أنّ هذا هو الضمانة اليوم. أما بالنسبة لإشكاليّة المحافظ والبلدية فيمكن ببساطة أن تُحال القرارات في نهاية المطاف إلى وزير الداخليّة ليبت بالأمر. المهم كما أسلفت لك هي النوايا الطيبة التي ترفع دائماً من إمكانيّة الحل.

محمود وهبة- أساس ميديا

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا