الصحافة

إسرائيل تجرّ الدّروز إلى فخّها؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بين تسجيل صوتيّ نُسب إلى شيخ درزيّ وفيه إساءة إلى النبيّ الأكرم محمّد عليه الصلاة والسلام، وبين عمليّات الانتقام التي حصلت في جرمانا وأشرفية صحنايا وبلدات درزيّة في شمال السويداء وريفها الغربي، تجري ولادة مشهد سياسي وطائفي معقّد ومفتوح على احتمالات مختلفة.

المشهد هذا هو نتاج العبث الإسرائيلي من البوّابة الجنوبية وادّعاء حماية الدروز، واللعب من بوّابة الأكراد شمال سوريا وبوّابة العلويّين في الساحل السوري. وهو أيضاً نتاج التعثّر في بناء الثقة بين الحكم الانتقالي وعدد من المكوّنات في المرحلة الانتقالية. 

بين المشروع الإسرائيلي لاستخدام الأقلّيات، ومنها الدروز، بهدف تفتيت سوريا، وبين ردود الفعل العنيفة التي تُظهر ضعفاً كبيراً في قدرة الحكم الانتقالي على ضبط الأمن، تبدو طائفة الموحّدين الدروز في سوريا واقعة بين نارين: النار الإسرائيلية التي يحاول وليد جنبلاط تطويقها مع الدول الصديقة والعقلاء في جبل العرب، ونار الفوضى والانتقامات العشوائية التي تقع مسؤوليّة إطفائها على الدولة السورية والدول المؤثّرة والمسموعة كلمتها لدى الرئيس أحمد الشرع ومحيطه.

تمكّن وليد جنبلاط من خلال اتّصالاته من التوصّل إلى وقف إطلاق النار وتثبيته، وأعلن استعداده لزيارة سوريا للحوار مع أحمد الشرع في المطالب الدرزية. والرهان كبير على دور تركيا في ضبط التفلّت القائم، وتشجيع الشرع على مناقشة المطالب الدرزية بانفتاح يؤدّي إلى تطويق المشروع الإسرائيلي وسدّ الثغرات التي ينفذ منها.

إسرائيل تستخدم الدّروز لتقسيم سوريا 

هناك تقليد بين طائفة الموحّدين الدروز لطالما تمّ الحفاظ عليه، وهو أنّ رجال الدين الدروز ينحصر دورهم في الحقل الديني. وبالتالي رجال السياسة وحدهم يعملون في الحقل السياسي. لكنّ المستغرب أنّ الشيخ موفّق طريف يصرّ على اللعب في الحقل السياسي، فيما عدد كبير ممّن يعرفونه يؤكّدون عدم فقهه بالسياسة ولا بلعبة الأمم ولا بقواعد اللعب في هذا المضمار.

يعمل الشيخ موفّق أيضاً بإصرار للحلول مكان دروز سوريا في طلب حمايتهم. يبدو أنّ هذا الطلب يأتي “غبّ الطلب” لدى من يديرون اللعبة، إذ يؤكّد عدد كبير من دروز الجبل أنّهم لم يطلبوا الحماية من أحد. من غير المؤكّد إذا كان الشيخ طريف قادراً على تفسير فحوى تصريح وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر، الذي دعا فيه المجتمع الدولي إلى التدخّل لحماية الأقليّات.

يدلّ هذا التصريح على أنّ دور إسرائيل مقتصر على توريط الدروز، ثمّ الطلب إلى المجتمع الدولي أن يتعامل مع الفوضى التي تحدث. والغارات الإسرائيلية التي نُفّذت أثناء الاشتباكات في محيط أشرفية صحنايا وكان معظمها “استعراضيّاً”، تؤكّد أنّ هدف إسرائيل الفعليّ ليس حماية الدروز، بل توريطهم وزجّهم في مواجهة مع الحكم الجديد ومؤيّديه، الذين تتّهمهم تل أبيب بأنّهم “أتباع العثمانية الجديدة” التي يقودها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

من غير المؤكّد أيضاً إذا كان الشيخ موفّق يدرك حجم التداعيات لهذا التدخّل الإسرائيلي في العالمين العربي والإسلامي، وما يترتّب عليه من ردود فعل ومواقف قد تضع الدروز عامّة في وضع لا يُحسدون عليه. كلام وليد جنبلاط الأربعاء الفائت في دار طائفة الموحّدين الدروز الذي حذّر خلاله من وضع الدروز في مواجهة المسلمين، يشكّل الإضاءة الواضحة على المشروع الإسرائيلي وأهدافه.

كان “أساس ميديا” قد نشر قبل شهرين مقالة بعنوان “دروز سوريا مستفرَدون… بانتظار الدولة المدنية“، أضاءت على هذا المشروع الذي يهدف إلى تقسيم سوريا إلى أربع دول: دولة كردية في الشمال الشرقي بحماية أميركية إسرائيلية، دولة سنّية في الشمال والوسط بحماية تركيّة، دولة علويّة في الساحل السوري بحماية روسيّة ودولة درزيّة في الجنوب السوري بحماية إسرائيلية.

إسرائيل تريد توريط الدّروز

منذ سقوط نظام آل الأسد في كانون الأوّل الماضي، لم تتوقّف الصحافة الإسرائيلية عن المجادلة في العلاقة التي تربط الحكم الحالي في سوريا بقيادة أحمد الشرع. ومنذ ذلك الوقت، الجدال قائم في إسرائيل حول قيام محور سنّي “بنكهة عثمانية” بعد زوال المحور الشيعي من سوريا بقيادة إيران.

يتركّز هذا الجدال على دور الأقلّيات في مواجهة هذا المحور، ومنهم الدروز في الجنوب السوري، فيما تعمل إسرائيل على قيام منطقة نفوذ بعمق 65 كيلومتراً تمنع أيّ وجود لقوّات السلطة الحالية فيها. مشروع استخدام دروز سوريا في مواجهة النفوذ والامتداد التركيَّين لا تريده إسرائيل أن يقتصر على دروز سوريا، بل تريد توريط دروز لبنان في هذا المشروع. نشر “أساس ميديا” قبل أكثر من شهر مقالة لديفيد ويرمسر بعنوان “لبنان سيزداد سوءاً قبل أن يتحسّن. معركة عين دارا عام 1711 تُمهّد الطريق لتجنّب هيمنة سوريا وتركيا”.

كتب ويرمسور في مقالته هذه: “هناك اعتقاد شائع خاطئ بأنّ لبنان لا يوجد إلّا نتيجة هديّة استعمارية للمجتمع المسيحي من قبل الفرنسيين في نهاية الحرب العالمية الأولى. في الواقع، لدى لبنان سبب أقدم وأكثر تحديداً للوجود من أيّ دولة أخرى تقريباً في المنطقة باستثناء إسرائيل، وإيران، وتركيا، ومصر”.

تابع الكاتب: “تجسّد لبنان نتيجة حدث كبير: معركة عين دارا في عام 1711، حين تحوّلت عشيرة شهاب القويّة من الإسلام السنّي إلى المسيحيّة، وتحالفت مع عشيرة الخازن المارونية القويّة، ووحّدت المسيحيين الأرثوذكس غير اليونانيين الباقين في مجموعة قويّة، وجميعها متحالفة مع نصف الدروز من عشائر جنبلاط وتلحوق وعماد وعبدالملك. انتصر هذا التحالف الماروني الدرزي على عدوّهم الرئيسي الإمبراطوريّة العثمانية وحكّامها في صيدا ودمشق، وطرد الوكلاء العثمانيين وعشائر أرسلان وعلم الدين ودروز الصواف من جبل لبنان إلى منطقة جبل الدروز/السويداء في سوريا. كان العدوّ الرئيسي الذي تشكّلت الدولة اللبنانية حوله في عام 1711 هو التهديد العثماني من دمشق ومنطقة صيدا. كانت الإطاحة بالأتراك مشروعاً مسيحياً ودرزيّاً. لم يكن الشيعة عاملاً، على الرغم من أنّهم اعتبروا أيضاً شبحهم العثماني، الذي كان العرب السنّة أداة له”.

تشكّل مقالة الكاتب، وهو المعروف أنّه يكتب بناء على خطط تعدّها إسرائيل، دعوة واضحة إلى إحياء تحالف درزي ماروني تريده إسرائيل في مواجهة الأكثرية السنّية.

لا تتركوا جنبلاط

المشروع كبير، فلا تتركوا وليد جنبلاط وحيداً في مواجهته، وعلى تركيا وغيرها من الدول العربية المؤثّرة أن تعقلن الكثير من التوجّهات الحالية، وأن تساعد بقوّة في بناء مسار في سوريا يطمئن الأقلّيات، وينزع فتيل المواجهات المذهبية التي تعدّ لها إسرائيل. القتل غير المبرّر الذي تعرّض له المدنيون الدروز، على الرغم من الاستنكار العامّ من كلّ أبناء الطائفة وقياداتها للإساءة إلى النبيّ الأكرم عليه الصلاة والسلام، يحتاج إلى علاج كبير وإلى أن تتحمّل السلطة الحالية مسؤوليّتها في كبح جماح التطرّف ومحاسبة المسؤولين عمّا جرى.

وليد صافي - اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا