حوار السّلاح في مربّع الانتظارات: كيف نواجه أورتاغوس؟
بعد أربعة أشهر من انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية وإطلاقه خطاب القسم الذي أكّد فيه حقّ الدولة في احتكار حمل السلاح، لا يزال الحوار المنتظر في مصير السلاح يدور في حلقة انتظارات مقفلة: رئيس الجمهورية ينتظر رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي ينتظر بدوره “الحزب”، فيما الأخير ينتظر إيران التي تنتظر دونالد ترامب!
مشهديّة معقّدة في سرديّتها، بمقدار ما هي بسيطة إذا ما عولجت من أساسها. تعقيداتها مترابطة بعضها ببعض نظراً للحلقات المتسلسلة التي تأتي الواحدة بعد الأخرى، بحيث يصعب تجاوز إحداها. أمّا بساطتها فتكمن في قابليّة معالجتها في “النبع”، أي في العلاقات الأميركية – الإيرانية على طاولة التفاوض بينهما، ليصير التطبيق “شربة ماي”.
أكثر من مرّة شدّد رئيس الجمهورية على مبدأ الحوار لمعالجة مسألة السلاح. قالها في العلن كما في لقاءاته السياسية مع لبنانيين وغربيين وعرب. حسم أمره بالعمل على معالجة أمر السلاح، شمال الليطاني كما جنوبه، إنفاذاً للقرارات الدولية واتّفاق وقف إطلاق النار. أكّد أنّ قرار حصر السلاح بيد الدولة اتُّخذ، وتنفيذه يكون بالحوار وبعيداً عن القوّة، وأعلن أنّه يسعى إلى “أن يكون 2025 عام حصر السلاح بيد الدولة”.
لكنّ الرئيس المصّر على وضع السلاح على طاولة النقاش، ليس في وارد الانجرار وراء حملات الضغط التي تمارَس في الداخل تحت عنوان الإسراع في نزع السلاح ضمن مهل زمنية محدّدة، خشية ضغوطات خارجية تمارَس على لبنان وتترك ورشة إنقاذه في ثلّاجة الانتظار. بالنسبة لرئيس الجمهورية، القضيّة لا تعالَج بالصدام ولا بكبسة زرّ، بل هي مسار طويل له بداية وله نهاية. ولذا لا بدّ من الرويّة في المعالجة.
الحراك الشّيعيّ – الشّيعيّ
إذاً يقبع السلاح في المربّع الانتظاريّ، المحكوم بأكثر من اعتبار:
– الحراك داخل الطائفة الشيعية الذي فرضه كلام رئيس مجلس النوّاب بقوله: “لن نسلّم السلاح الآن قبل تنفيذ الشروط المطلوبة من العدوّ. سلاحنا هو أوراقنا التي لن نتخلّى عنها بلا تطبيق فعليّ لاتّفاق وقف النار والذهاب إلى حوار في مصيره”. فعليّاً لم يرفض تسليم السلاح لكنّه ربطه بمكاسب من الواجب تحقيقها، وتحديداً في ما خصّ انسحاب إسرائيل من الأراضي التي تحتلّها. في المقابل دعا الأمين العامّ لـ”الحزب” نعيم قاسم خلال تحديده قواعد الاستراتيجية الدفاعية إلى “استثمار قوّة المقاومة وسلاحها ضمن استراتيجية دفاعية تُحقّق التحرير والحماية”، وهو ما يعني عدم التخلّي عن السلاح.
– الزيارة المنتظرة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس لبيروت التي ستفتح باب حسم مصير السلاح الفلسطيني، ولا يمكن التقليل من تأثير هذه الخطوة على ملفّ سلاح “الحزب” مع انتقالها إلى مرحلة التطبيق. كما أنّ هذه الخطوة، وتلك التي قام بها الأمن العام في ما خصّ تسليم المطلوبين من “حماس”، ترفع من رصيد السلطة اللبنانية أمام المجتمع الدولي في ما خصّ إلتزامها العمل على حصرية السلاح بيد الدولة.
– لربط “الحزب” قراره حسم مصير السلاح بالموقف الإيراني أكثر من وجه: الأوّل هو الارتباط العضويّ بين الطرفين، والثاني متّصل بالضمانات التي يريدها “الحزب” قبل تسليم سلاحه. وهي ضمانات يشعر “الحزب” بأنّ إيران وحدها هي التي تستطيع نيلها من الولايات المتّحدة. ولهذا لا قرار قبل بلوغ المفاوضات خواتيمها، سلباً أو إيجاباً. أمّا الثالث فمرتبط بالوضع الأمنيّ والاعتداءات اليوميّة الإسرائيلية التي تزيد من حجّة “الحزب” في الاحتفاظ بسلاحه.
– يحرص الجيش اللبناني في إجراءاته جنوب الليطاني وشماله على أن لا يتجاوز في سلوكه الخطوط الحمر، بمعنى الاصطدام مع “الحزب” أو تعريض الاستقرار الداخلي لأيّ هزّة أمنيّة.
التّواصل قائم
مع ذلك، تفيد المعلومات أنّ التواصل بين الرئاسة الأولى و”الحزب” قائم، لا سيما في ما خصّ ملفّ السلاح، وهذا يثبت برأي المطّلعين أنّ هذا المسار انطلق بوتيرة مقبولة ومعقولة تراعي الظروف المحيطة، السياسية والأمنيّة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ جلوس رئيس الجمهورية وجهاً لوجه مع قادة “الحزب” دونه اعتبار أمنيّ قد يحول دون حصوله في الوقت الحالي.
لذا لا يزال التواصل محصوراً بتبادل الرسائل، ويقوم على أساس الاتّفاق على وضع خارطة طريق تهدف إلى معالجة قضيّة السلاح. من هنا حِرْص الطرفين في هذه اللحظة بالذات على حماية التناغم بين موقف الدولة الذي يعبّر عنه رئيس الجمهورية في الإصرار على المعالجة، وبين موقف “الحزب” في تحقيق شروط تسليم السلاح لحماية لبنان من الاعتداءات واستعادة سيادته من إسرائيل، مع العلم أنّ “الحزب” وفق عارفيه متفهّمٌ للتطوّرات الدولية وللضغط الأميركي الذي يمارَس على السلطة اللبنانية، ومدركٌ لأهمّية ضبط نفسه بوجه الاعتداءات الإسرائيلية اليوميّة.
بهذا المعنى، يقول المطّلعون إنّ التواصل بين الجانبين إيجابي يراعي الظروف المحيطة والاعتبارات الجوهرية التي تحكم هذا الملفّ، فيما يعمل الرئيس عون مع الأميركيين لإقناعهم بأهمّية اعتماد السلوك الهادىء في مقاربة هذا الملفّ وتفهّم الخصوصيّات اللبنانية. فهل نجح؟
في الشكل، يبدو أنّ المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس أدركت أنّ خطابها الاستفزازيّ لا يفيد، لا بل يضرّ بصورة الدولة اللبنانية ومكانتها، ويشدّ عصب “الحزب”، فتخلّت عن سلوكها الاستعلائيّ، وأهملت مطلب تشكيل مجموعات العمل. ولكن في المضمون لا شيء يوحي بأنّ الإدارة الأميركية تراجعت عن مطالبها واقتنعت بسياسة تدوير الزوايا. الضغط هو وسيلتها الوحيدة، بمعزل عن تداعيات الضغط، وإلّا فسيقبع لبنان في قعر أزماته.
خصوصاً وأنّ اهتمام المجتمع الدولي يتركز راهناً على الملف السوري، ليزيح الملف اللبناني من سلّم أولويات الإدارة الأميركية في المنطقة، كما يؤكد دبلوماسيون غربيون.
كلير شكر - اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|