نبيه برّي حامل الهميّن
في قانون الاحتمالات، إذا لم يتوفّر الدليل، فالكل جائز. ولذلك كان يجوز أن نحتمل التصاق نبيه برّي بنظرتنا ورؤيتنا وفكرتنا العميقة، استناداً إلى ما نحسبه مؤشّرات أو تقاطعات أو أسباب موجبة. وكان يجوز أيضاً أن يحتمل غيرنا نقيض ما نحتمل. لكنّ الحسم والقطع كانا حصراً في جيب المارد الكبير. وهو وحده من يختار الزّمان والمكان والوسيلة. وقد فعل.
فعلها نبيه برّي. قدّم دليلاً لا يرقى إليه الشكّ. وكعادته. على السكّين يا بطيخ. لا حاجة لاجتهادات أو تأويلات أو ضرب مندل. قالها الرجل بكلّ وضوح. لا حرب أهليّة. ولا تهديد للسلم الأهليّ. نقطة انتهى. وليسمع من يريد أن يسمع. من أصغر كاتب عامود في المحور، إلى أكبر عمامة في “الحزب”: القرار لن يكون لكم. ليس ونبيه برّي على قيد الحياة.
عبر قناة “العربيّة”. برمزيّتها ودلالتها وبريدها السريع. أرسل نبيه برّي ما يشبه برقيّة الردّ المزلزل على جنوح “الحزب” المستجد نحو الجنون. فضرب كل خطّته. بل أصابها في المقتل. ثمّ قلب الطاولة برمّتها رأساً فوق عقب. وقال الأمر لي. وممنوع أن تأخذوا الشيعة نحو مغامرات جديدة.
هرولة مجنونة نحو حمّام دم
كل المعلومات والمعطيات صبّت في الأسابيع الأخيرة عند تقاطع واحد، وهو أنّ “الحزب” أصدر أمر عمليات سياسياً وإعلامياً لتسعير التوتر المذهبي ورفع حالة الغليان لمواجهة الوضع القائم. وقد استندت الخطّة إلى استهدافٍ مثلّث الأضلاع. يبدأ من استعادة خطاب الكراهية بوجه المملكة العربية السعودية وقيادتها وسياستها ودبلوماسيّتها ومبعوثيها. ورفع حدّة التحريض بوجه سوريا ورئيسها الجديد. ولا ينتهي باستعادة خطاب التخوين بوجه رئيس حكومة لبنان، وحده دون سواه. وربط هذا المثلّث السنّي بحرب وجوديّة تُخاض ضد الشيعة بهدف سحقهم ومحقهم.
بدأت الحملة بعواميد سياسيّة عالية السقوف، موقّعة بأسماء معروفة الانتماء والمشروع، إلى أن تدحرجت لتصير تعميماً طال كلّ إعلامي يدبّ فوق أرضيّة “الحزب”. الجميع يقول كلاماً واحداً. ضمن حملة منسّقة وممنهجة ومسعورة، لامست حدود الهذيان في السرد وفي التوصيف. بموازاة خطاب سياسي قاده “الحزب” وأذرعه السياسية والحربية. قد وصل إلى قمّته مع الخطاب الأخير للأمين العامّ نعيم قاسم، والذي أعلن فيه بصراحة وبوضوح، عن الاستعداد لخوض حرب كربلائيّة لحماية السلاح بوجه أولئك الذين يسعون لنزعه. وكربلاء هنا ليست مجرد شعار للتعبئة العبثيّة. بل استعادة دقيقة وخبيثة لمشهديّة الارتطام الكبير بين السنّة والشيعة.
التقط نبيه برّي هذه الهرولة المجنونة نحو حمّام دم لا ينتهي. وهذا أمر عملياّت لا يصدر عادة من الضاحية بل من طهران. وطهران هذه تريد مزيداً من الاستثمار السياسي في الدم. لتقدّمه على مائدة مفاوضاتها المرتقبة مع إدارة دونالد ترامب. لكنّ نبيه برّي لديه كلامٌ آخر. وقد قال بسطر واحد ما ينسف الخطّة عن بكرة أبيها. ولا أحد يستطيع فعل ذلك إلّا الأخ الأكبر.
نبيه برّي ليس الأخ الأكبر للحزب وحسب، وهو الوصف الذي أطلقه عليه الراحل السيّد حسن نصر الله منذ سنوات، ثمّ ورثه الشيخ نعيم قاسم. بل هو أيضاً “أستاذي العزيز”، على حدّ تعبير المبعوث الإيراني علي لاريجاني، الذي قال في زيارته الأخيرة إنّ نبيه برّي هو من السياسيين الكبار في لبنان والعالم العربي، فهو رجل المرحلة ورجل كل المراحل الصعبة. بالأمس وصل المبعوث الأميركي توم بارّاك إلى الخلاصة ذاتها، مؤكّداً أنّه رجلٌ لامع وذكيّ وصاحب تاريخ كبير. ثمّة مفارقة مذهلة في هذه الشهادات من أضداد ومتخاصمين، وربما لم يجمعهم شيء على الإطلاق سوى الإشادة العميقة بهذا الرجل.
استيعاب على مضض
فعلها حامل الهميّن. همّ الشيعة وهمّ لبنان. صارت الحملة برمّتها أثراً بعد عين. وهوَت كل السرديّة التي حاول “الحزب” وقادته وإعلامه الحربي تسويقها على مدى أسابيع. لا حرب بلا نبيه برّي ولا سلام. البوصلة ظلّت على الدوام بين يديه. وهو وحده قادر على التصويب متى صار التصويب لزاماً لا فكاك منه. وهو وحده قادر على إطفاء العواصف. وواهمٌ من يظن أنّ أحداً يستطيع ما يستطيعه الرجل في المعادلة الداخلية. وفي المعادلة الشيعية على وجه الخصوص. ولذلك استوعبه “الحزب” على مضض. حتّى في أزمنة القمّة القصوى مع الراحل السيّد الراحل حسن نصر الله. ظلّ نبيه برّي حجر زاوية لا يقترب منه مُقتربٌ مهما علا شأنه أو عظمت قوته.
فعلها نبيه برّي. لأجل الشيعة المثقلين بكل عذابات الأرض. أولئك الذين حوّلتهم إيران إلى حقل تجارب في حلمها الإمبراطوريّ المديد. فعلها أيضاً لأجل لبنان. ذاك البلد المتسمّرّ منذ أكثر من نصف قرن على صليب عاصفة لا تنتهي. فعلها نبيه برّي في شتاء العمر. ونحن شهود على ذلك. هذا ما سنردده كلّ يوم على رؤوس الأشهاد.
قاسم يوسف-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|