برعاية قبيسي.. افتتاح معرض للمونة والاشغال اليدوية الحرفية في القصيبة
تنازلات الإدارة الجديدة لا تستثني روسيا ...الشرع إلى نيويورك: دفتر شروط سميك على الطاولة
يستعدّ الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، لزيارة مدينة نيويورك الأميركية في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي. تُقدّم السلطة الانتقالية وداعموها الزيارة التي تُعدّ «الأولى لرئيس سوري منذ عام 1967»، على أنها مكسب سياسي للسوريين ودليل على قبول العالم للشرع وثبات نظامه. إلّا أن زيارة نيويورك بقدر أهميتها في محاولة تبييض صفحة الزعيم السابق لـ«هيئة تحرير الشام»، تحمل في طياتها عنوان مرحلة جديدة من التحولات على الأرض السورية، ستكون أحداثها صاخبة في الأشهر المقبلة.
إذ يذهب الشرع إلى العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة، بعد مقاطعة الرئيسين الراحل والسابق حافظ وبشار لها منذ عام 1970. فالأسد الأب الذي امتلك أوراق القوة الكثيرة، لم يراهن يوماً على الأمم المتحدة، بل حرص على استقبال الأميركيين في دمشق واخترع سياسة «المنطقة الوسط» لتفادي النزول عندهم والخضوع لمزاجيتهم السياسية في التعامل مع الضيوف. ولذا، رفض زيارة أميركا، والتقى الرئيس جيمي كارتر عام 1977 في سويسرا، راسماً خطوطاً ثابتة لنظامه بالنديّة في العلاقات الدولية ومع الأميركيين تحديداً، استمرت لسنوات طويلة خلال فترة حكم ابنه بشار.
الحال يختلف كثيراً مع الرئيس السوري الانتقالي، الذي يفتقد إلى أوراق القوة ويحتاج إلى أن يسترضي العالم ويثبت للأميركيين جدواه في السلطة بشكل مستمر. فرفع العقوبات الأميركية الشخصية عنه، يُعدّ ثمناً - «مع حبّة مسك» - لنقل سوريا من ضفّة الدول المعارضة للولايات المتحدة إلى دولة تابعة لها ومن طرف معادٍ لإسرائيل إلى لاهث لاسترضاء العدو. لكنّ الشرع لا يملك ما يقدّمه أمام الأمم، التي باتت سوريا عنصر قلق بالنسبة إليها بعد أن اعتقد بعضها بأن «الأمور تحت السيطرة».
نجح الشرع، حتى الآن، في الفكاك من تنفيذ المطالب التي وضعها أمامه الغربيون منذ الأيام الأولى وتعهّد بتنفيذها، حول مكافحة الإرهاب و«حماية الأقليات» وطرد الروس من الساحل السوري. لكنّ الوقائع على الأرض التي أفرزتها الأشهر الـ10 الأخيرة، وسلوكيات الشرع حيالها، قلّصت كثيراً من قدرته على المناورة، خصوصاً أنه قدّم جملةً من التنازلات في مسائل سيادية كثيرة، ولا سيّما في العلاقة مع إسرائيل وتركيا.
ويدور الحديث في الدوائر الغربية المتابعة لسوريا، عن خارطة طريق لما بعد نيويورك، تضمن تنفيذ المطالب الغربية وتقوّض هيمنة «هيئة تحرير الشام» على الحكم، وتدفع نحو اتخاذ إجراءات فعلية في «مكافحة الإرهاب» وإحداث تغييرات جذرية في مقاربة شكل الحكم المستقبلي في سوريا. وبحسب المعلومات، فإن الخطوات الأولى المطلوبة من الشرع هي إجراء تعديلات حكومية واسعة، وإزاحة الوزراء المرتبطين بالهيئة، وإشراك شخصيات مدنية من المسلمين السنّة، وتمثيل مختلف الشرائح الدينية في التشكيلة الحكومية الجديدة.
ويتبع ذلك عزل تأثيرات أمراء الهيئة الذين يتلقّون تعليماتهم من مشايخها وقيادتها الضيقة، على الوزارات وعلى المؤسسات العامة، وضبط خطابات الكراهية والتطرف ووقف التحريض ضد الأقليّات. ومن ضمن الوزارات المذكورة، وزارتا الدفاع والداخلية، بعد الفشل في ضبط القوات التابعة لهما ومنع ارتكابها المجازر والانتهكات بشكل مستمر.
تضع هذه المطالب أعباء كثيرة على كاهل الشرع، الذي يجد صعوبة في السيطرة على المجموعات والفصائل التي انضوت تحت القوات العسكرية التابعة له كالأمن العام والجيش الجديد، إذ إن مدى السيطرة والضبط لا يتجاوز العاصمة دمشق؛ وبينما يتابع مشايخ الهيئة التفاصيل في مختلف الشؤون، تدير الفصائل المتعددة - بعدما تمّت تسميتها فرقاً وألوية - المناطق الواقعة تحت سيطرتها وتؤمّن مواردها منها، من دون أن تكون لدى الشرع سلطة عليها لضبط تجاوزاتها وانتهاكات عناصرها.
ويبدو أكبر الأزمات، ملفّ المقاتلين الأجانب، الذين يزداد الارتياب الأمني الأوروبي والروسي والصيني منهم، خصوصاً مع المعلومات عن حصول بعضهم على جوازات سفر سورية، وعودة الرحلات الجوية بين طرابلس الغرب وسوريا وفتح سفارات جديدة في العاصمة السورية.
وإذ يبدو أن المزاج الأميركي تجاه الشرع ورفاقه بدأ يتغيّر، خصوصاً أن سيناريو «الدولة المركزية القوية» - وفق الهوى الأميركي - الذي حاول مبعوث الرئيس الأميركي، توم برّاك، الترويج له، لم يعد مُقنِعاً حتى في دوائر الجمهوريين الموالين للرئيس دونالد ترامب، يَظهر أن الشرع سيكون أمام امتحان صعب في نيويورك في ما يتصل بخطط حماية «الأقليات»، إذ إن الأخطاء التي ارتكبها في كل من الساحل والسويداء والتطرف الديني والطائفي الذي تظهره قواته، كل ذلك لم يعط الدور الإسرائيلي في سوريا بعداً آخر فقط، إنّما جعل من إيجاد حلول مقبولة مسألة معقّدة.
فـ«الهيئة» والشرع يتهرّبان من مطلب إعادة ضباط وجنود منشقّين وغير منشقّين من الجيش السابق من الطائفة السنيّة إلى الجيش الجديد، وفق ما يطالب به بعض الغربيين والعرب، ما يجعل تغيير واقع القوات العسكرية والأمنية من مجموعات جهادية إلى قوات نظامية أمراً شبه مستحيل، ويعني بالتالي استمرار التهديد المباشر للأقليات والفوضى في المدن، وفشل السيطرة على الأوضاع الأمنية الآن وفي المستقبل.
الفوضى الأمنية الحالية والانتهاكات المستمرة، وعدّاد الضحايا الذي تجاوز 11000 قتيل منذ سقوط النظام السابق، بات كلُّ ذلك المحفّز الأساسي للبحث عن ضمانات أمنية دولية في الساحل والوسط، كالتي أمّنتها إسرائيل للسويداء، مستغلّة أحداث جرمانا وصيدنايا أولاً ثم السويداء في تموز الماضي. وفي ظلّ غياب أي استعداد للتدخل العسكري الدولي واكتفاء الأميركيين بالقوات الموجودة حالياً وبالقوة الحربية الإسرائيلية، فإن هذا يفتح الباب لإسرائيل للتدخل في الساحل أيضاً، بذريعة حماية العلويين هذه المرّة.
ولعل أخطر ما يحصل اليوم هو الحوار الروسي - الإسرائيلي حول هذا الملف، إذ أعادت الحملات المستمرة ضد العلويين، الدور العسكري الروسي والحضور في الساحل، ورقة قوة متينة تضاف إلى أوراق القوة التي تملكها موسكو ضد الشرع وملفّاً للتباحث مع إسرائيل. ولعل الفشل في تنفيذ التعهّد بإخراج الروس من الضفة الشرقية للمتوسط، توازياً مع تصاعد الغضب الأوروبي من التحركات العسكرية الروسية، سوف يجعل الشرع عاجز أيضاً عن استيفاء هذا الجانب - الذي تُعدّ معالجته من أبرز أسباب الدعم الغربي له -، خصوصاً أن الزعيم السابق لـ«جبهة النصرة» يعزّز علاقاته بموسكو ويقدّم لها التنازلات أيضاً.
فبحسب المعلومات، طالب الروس خلال زيارة الوفد السوري إلى موسكو والوفد الروسي إلى دمشق، بحماية العلويين والشيعة والإسماعيليين والمسيحيين في الساحل، وسمعوا تعهدات واضحة بالتنفيذ من السلطة المؤقتة.
وعلى مدى الأشهر الماضية، قدّم الشرع سلسلة تنازلات، حين وقّع اتفاق آذار وقبل بـ«الإدارة الذاتية» الكردية للخروج من مأزق مذبحة الساحل، ثم قبل بسحب قواته والسلاح الثقيل والمتوسط من الجنوب وبالاتصال البري بين الجولان المحتل وجبل حوران، تحت وطأة مذبحة السويداء والقصف الإسرائيلي على القصر الرئاسي ومبنى الأركان في دمشق. فماذا تبقّى لدى الشرع غير رأس «الهيئة» ليقدّمه في نيويورك؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|