روبوت إيلون ماسك العجيب.. قد يدمّر التعليم واكتساب المعرفة
عصفت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف العالمية بداية الشهر الجاري، بإطلاق شركة "OpenAI" لبحوث الذكاء الاصطناعي، والتابعة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، نسخة جديدة ومحدثة من روبوت الدردشة الافتراضي "ChatGPT"، مطورة من خوارزمية "جي بي تي 3"، التي تقوم على صناعة المحتوى النصي. وأبرز ما يميز هذا الروبوت العجيب أنه يعتمد على ذكاء اصطناعي، ويتحدث مع المستخدم وكأنه شخص حقيقي، كما يستخدم التعلم العميق لإنشاء نص يشبه ما قد يكتبه الإنسان. حتى أن البعض وصفه بالنسخة المحدثة وفائقة الذكاء من محرك البحث "غوغل".
قدرات مذهلة
لا يزال هذا الروبوت في مرحلة الاختبار، إذ تشدد الشركة أنه يتعلم ويطور قدراته، لذلك توجد فيه بعض العيوب. مع ذلك، هذا لا ينفي استثنائيته في ربط المعلومات ببعضها البعض، وصياغة الإجابات بطريقة واضحة ومتسقة ومنطقية.
أما طريقة التحدث مع روبوت الدردشة فهي بغاية البساطة، كل ما عليكم فعله هو الذهاب للموقع الرسمي لشركة "OpenAI" وإنشاء حسابٍ جديد، وستكونون حينها جاهزين لاستخدامه وكتابة أسئلتكم فيجيبكم. وسيفاجئكم هذا الروبوت بجملة أمور نذكر منها: كتابة نص مسرحي مكتمل الأركان وكتابة المقالات القصيرة. والإجابة عن مسألة لغوية رياضية معقدة بطريقة مثالية. صياغة العقود والاتفاقيات والبنود المطلوبة في سياق قانوني معين. كتابة تغريدات بطريقة محترفة واتباع أساليب شخصيات مشهورة، كتابة كود برمجي وحل مشكلة وشرحها بشكلٍ بسيط وبلغة عادية. المشاركة في نقاش علمي يسرد الحقائق ويبيّنها بشكلٍ متسلسل ومنطقي. الترجمة بين اللغات، الشرح الواضح والمبسط لمسألة فنية معقدة. تلخيص النصوص واكتشاف الكلمات الرئيسية فيها.
اعتراض الأساتذة في الولايات المتحدة
بَيد أن هذه الخدمة التي أطلقها إيلون ماسك لاقت سيلاً من الانتقادات التي وجهها المدرسون في الولايات المتحدة، لاعتقادهم بأن هذا الروبوت يشكل خطراً على المستوى التعليمي. فرغم أنه يشكل علامة فارقة في تاريخ تطبيقات الذكاء الاصطناعي اللغوية، لا يخفي المدرسون قلقهم حيال استخدام الطلاب للخدمة المجانية التي يمكن الوصول إليها كبديل لـ"ويكيبيديا" لإكمال الواجبات المنزلية، ما يعرض رغبة الطلاب في تطوير مهارات مثل الكتابة والبحث للخطر.
وفي هذا السياق، قال أوستن أمبروز، وهو مدرس بمدرسة إعدادية في ولاية أيداهو، لبعض المواقع الأميركية "سوف يفكر الطلاب في برنامج الدردشة هذا ويستخدمونه كما لو كان يعرف كل شيء. وهذا لأنه يبدو كتقنية لديها كل الأجوبة. سيفترض الطلاب ذلك ويضعوا ثقتهم في كل ما تقدمه".
على مدار الأسبوعين الماضيين، انتشر استخدام "ChatGPT"، حيث قام أكثر من مليون مستخدم بالتسجيل لاستخدامه. الخوارزمية المتبعة فيه هي نموذج لغوي يتم تدريبه من خلال ردود الفعل البشرية وكمية هائلة من البيانات العامة من مجموعة متنوعة من المصادر مثل الكتب والمقالات من الإنترنت. لكن لمجرد أن هذه الخوارزمية تعرف ما تتحدث عنه، لا يعني حكماً أن المعلومات التي تقدمها دقيقة تماماً. فنظراً لأنه تم تدريبه على البيانات المتاحة حتى عام 2021، فإن الروبوت غير قادر على تقديم إجابات واقعية محدثة. ويعرض أحياناً أجوبة خاطئة. فعلى سبيل المثال، عندما سأله أحد الطلاب عن لون زي البحرية الملكية أثناء حرب نابليون، أجاب الروبوت بأنه كان أزرق، بينما كان أحمر بالفعل. إضافةً إلى ذلك، يكافح الروبوت مع الأسئلة ذات الصياغة المربكة، والتي قد تؤدي أيضاً إلى إجابات غير صحيحة تضلل الطلاب.
تحتوي الخوارزمية أيضاً على مشكلات تتعلق بالتحيز، نظراً لأنه تم تدريبها على كمياتٍ هائلة من البيانات المأخوذة من الإنترنت. فعندما سُئل الروبوت عن طريقة لتقييم المخاطر الأمنية للمسافرين، أجاب بأن المخاطر للمسافرين السوريين والعراقيين والأفغان هي أعلى من غيرهم. حتى أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "Open AI"، اعترف بهذه الأخطاء قائلاً إنه من الخطأ الاعتماد على الروبوت في أي شيءٍ مهم في الوقت الحالي.
المعرفة الرخيصة
مع وضع هذه المخاوف في الاعتبار، يقول المدرسون في الولايات المتحدة إنه من الأهمية بمكان تدريس محو الأمية الرقمية في وقتٍ مبكر، والتأكيد على أهمية التقييم النقدي لمصدر المعلومات. وهذا ما لمحّت إليه بيفرلي بيل، مستشارة التكنولوجيا للأطفال والمعلمة السابقة في مدرسة "إيرفين" بولاية كاليفورنيا، بقولها "هناك الكثير من المعرفة الرخيصة التي يوفرها روبوت الدردشة. أعتقدُ أن هذا قد يكون خطراً على التعليم، وهو ليس جيداً للأطفال. وستصبح هذه مشكلة بالنسبة للمدرس حين سيتحتم عليه تعليم الطلاب ما هو مناسب وما هو غير مناسب في البحث عن المعرفة".
ويشدد خبراء تكنولوجيا التعليم في الولايات المتحدة، بأن الطلاب يتعلمون استخدام التقنيات الجديدة ويبدأون في استخدامها في وقتٍ أقرب بكثير مما يمكن للمدرسين البدء في فهمها. مشيرين أن الذكاء الاصطناعي موجود بالفعل في الفصول الدراسية الأميركية، لكن يتعين عليه القيام بمهامٍ أكثر تحديداً مثل تصحيح القواعد اللغوية أو شرح معادلات في مادة الرياضيات بدلاً من أداء مجموعة واسعة من المهام التي يوفرها روبوت الدردشة، ما يجعله عرضة للأخطاء.
وهناك مشكلة أخرى في غاية الأهمية يشرحها ستيفن بارس، وهو مدير مدرسة ثانوية في كولورادو، بقوله "غالباً ما يقوم المدرسون بفحص الفروض التي يرسلها الطلاب من خلال برنامج مكافحة السرقة الفكرية "Turnitin"، والذي يتحقق من أوجه التشابه بين عمل الطالب والنص الموجود في مكانٍ آخر. ولكن نظراً لأن قاعدة البيانات التي يستخدمها "Turnitin"، لا تتضمن إجابات تم الحصول عليها بواسطة روبوت دردشة يعمل بالذكاء الاصطناعي، فإن البرنامج لن يكتشف المعلومات التي يتم نسخها ولصقها مباشرةً من "ChatGPT". وعندها سيُطالب المدرسون بمقارنة إجابات الطالب بالإجابات من "ChatGPT"، وهذا من شأنه أن يزيد من الأعباء على المدرسين ويقتطع وقتاً من تخطيط الدروس وتقديم الملاحظات للطلاب".
من جهتها، تقول ويتني شاشو، المؤسِسة والمستشارة في شركة الاستشارات التعليمية "Admit NY": "لكون المقالات عنصراً رئيسياً في مهارات التدريس كالقراءة والكتابة والفهم، فإن استخدام روبوت الدردشة قد يعني بالضرورة عدم تطوير الطلاب لهذه المهارات الأساسية".
اعتماد الروبوت في المدارس بشروط
لا يطالب المجتمع التعليمي في الولايات المتحدة إيلون ماسك بإلغاء مشروعه، بل يطالب بتنظيم المدارس وبرامج التدريس قبل جعل هذه التقنيات المتقدمة والمبتكرة في متناول الطلاب. من هنا، تقول ناتالي كراندال، مديرة محو الأمية في مدارس "كيب نيو جيرسي"، إنه لا مفر من أن يستخدم الطلاب هذا الروبوت داخل الفصول الدراسية وخارجها، ومن الأفضل للمدرسين احتضانه وتعليم الطلاب كيفية استخدام التكنولوجيا بشكلٍ أخلاقي.
ولا يمانع المجتمع التعليمي الأميركي اعتماد روبوت ماسك للدرشة كمدرسٍ مساعد في المدارس، لكنهم يشترطون قبل ذلك حثّ أعضاء هيئة التدريس على تحديث مناهجهم الدراسية لاستيعاب هذه التقنيات بشكلٍ مفتوح في الفصل الدراسي. واستخدام الروبوت بمهامٍ محددة كنقطة انطلاق للطلاب للكتابة، أو استخدامه للحصول على أمثلة لما يجب أن تبدو عليه الإجابة. ويمكنه أيضاً إتاحة المعلومات في متناول الطلاب، وتشجيعهم على إجراء البحوث والتحقق مرة أخرى من الحقائق.
ويوضح ستيفن بارس المخاوف التي تجتاح المدارس الأميركية، وضرورة القيام بإجراءات معينة قبل السماح للطلاب باستخدام روبوت الدردشة، قائلاً "نريد للطلاب أن يوسعوا إدراكهم للأمور ويطوروا مهاراتهم، هذا هدفنا النهائي. إلاّ أنه هناك حاجة أولاً لاستمرار مراجعة المنهج والتكيف معه، بهدف مواكبة تطور الأدوات والتقنيات المختلفة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|