التخلّص من سعد الحريري!

نجح الرئيس سعد الحريري في اختبار "الصورة" التي أرادها في ذكرى اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري. ضريحُ الشهيد، حشدٌ جماهيري، ورفقاء أثبتوا وفاءهم والتزامهم خطّ الحريرية السياسية حتى لو من خارج السلطة.

لا أحد ينافس الحريري على زعامة الطائفة السنّية، وهذا ما أكدته مشهدية أمس، باستثناء بعض الشخصيات التي سعت على مدار أعوامٍ للنيل من الحريري، وفي طليعتهم الرئيس فؤاد السنيورة والنائب فؤاد مخزومي. لكن التخلّص من الحريري لا يمكن تحقيقه، طالما أن الرجل قادرٌ على جمع آلاف اللبنانيين الذين لبّوا نداء الولاء والوفاء له.

لكن في المقلب الآخر، مشهد الضريح وطلّة الحريري وهتاف الجماهير له، لن تبدّل واقع الحال، كلّ شيء سيبقى على حاله، حتى التشرذم السنّي سيبقى مخيّماً على النواب السنّة الذين يريدون ولا يريدون، العمل تحت سقف أجندة وطنية دون غايات ومصالح شخصية ومناطقية.

زيارة الحريري لن تؤدي إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية، ولن تلجم انهيار الليرة، ولا ستفكّ إضراب المصارف، ولن تدفع "حزب الله" إلى تسليم سلاحه، كما أنها لن تعيد أقطاب قوى 14 آذار إلى سابق عهدهم. لكن أهمّ ما نتج عن زيارة الحريري، هو تأكيد انفصاله عن المنظومة الحاكمة وهو أحد أركانها الكبار.

في وقتٍ نجح فيه الحريري في قطف الصورة الشعبية، فشل كلّ من حزبي "القوات اللبنانية" و"التقدمي الإشتراكي" في التقاط الصورة السياسية التي أرادوا حصدها من لقائهما بالحريري يوم أمس.

"القوات اللبنانية" باتت غارقة في تناقضاتٍ غير مفهومة وغير مبررة، معزولة سياسياً نوعاً ما ومنزوعة الثقة سنّياً إلى درجة كبيرة. أرادت "القوات" ترميم العلاقة مع السنّة عبر الحريري، لكن الأخير لن يدخل في متاهاتٍ سياسية لا تُغني ولا تُسمن من جوع.

أمّا الحزب الإشتراكي، فهو أسير التسوية مع "حزب الله"، ويبحث باستمرار عمّن يخوض معه هذه التجربة القديمة - الجديدة، وحتى اللحظة لم ينجح في استقطاب أحد الأفرقاء وقد لا ينجح.

في محصّلة الكلام، سيبقى سعد الحريري زعيماً يحلّ ضيفاً على الحياة السياسية حتى يأتي موعد العودة، وإلى حينها لا بدّ لممثلي الطائفة السنّية، أن يكونوا على قدر المسؤولية، وأن ينزعوا عنهم ثوب الخلافات والمناكفات، ويلتفّوا حول بعضهم أقلّه لحفظ ماء وجه الطائفة التي باتت مهمّشة، رئاسياً ونيابياً.

محمد المدني - ليبانون ديبايت