الصحافة

ممرّ الهند – الخليج – أوروبا... وممرّات الحزب

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم تكد تمرّ 48 ساعة على إعلان "الممرّ الاقتصادي" بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، حتّى كشف وزير الدفاع الإسرائيلي عن صور لمطار تابع للحزب في جنوب لبنان على بعد 20 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل.

كان انتشار خريطة "الممرّ الاقتصادي" على وسائل التواصل الاجتماعي قد استثار فئة واسعة من اللبنانيين باعتبار أنّ هذا الممرّ لا يمرّ بلبنان الذي لطالما اعتُبر صلة وصل بين الشرق والغرب. فإذا به يتجاهله ويعتمد مرفأ حيفا بدلاً من مرفأ بيروت.

أيّا تكن اعتبارات عدم مرور الممرّ في لبنان، سواء كانت سياسية أو لوجستية أو اقتصادية، فالظاهر أنّ المنطقة تخضع لمتغيّرات كبرى ودور لبنان أصبح هامشيّاً في ظلّ هذه المتغيّرات، ولا سيّما بالقياس إلى الأدوار التي لعبها في العقود الأولى للاستقلال، تحديداً في قطاع الخدمات بالمنطقة.

مقابل هذه الحسرة اللبنانية على بقاء لبنان خارج "الممرّ الاقتصادي"، وهي حسرة لم يشارك فيها جمهور الحزب بالطبع، احتفل مناصرو الحزب بإعلان إنشائه مطاراً في الجنوب، وعدّوا ذلك انتصاراً ودليلاً على قوّة المقاومة، في وقت كال خصوم الحزب الاتّهامات له بتجاوز الدولة اللبنانية وتعريض لبنان لخطر الحرب مع إسرائيل. وذلك بعدما كانوا اتّهموه بعزل لبنان عن المنطقة على خلفية استبعاده من الممرّ المذكور.


شرخٌ مُستعصٍ

الواقع أنّ هذه السجالات تعكس عمق الانقسام بل الشرخ اللبناني على المستويَين الشعبي والسياسي. وهو شرخ عصيّ على الالتئام ما دام الحزب لا يقيم له أيّ اعتبار أمام أولويّاته الاستراتيجية من ضمن الأجندة الإيرانية في المنطقة. أي أنّ الحزب يبرّئ ذمّته تماماً من هذا الشرخ ويتّهم خصومه بمفاقمته ما داموا يعادون "المقاومة". وبالتالي فإنّ الحلّ لهذا الشرخ بالنسبة إلى الحزب هو وقوف الجميع خلف "المقاومة". وهو حلّ مستحيل ويدلّ على أنّ الحزب يتعامل مع الانقسام اللبناني بوصفه واقعاً عليه التأقلم معه والإفادة منه لا معالجته، أيّا تكن تداعياته على المجتمع والدولة. فالمهمّ ألّا يهدّد "المقاومة"، وإلّا فهي ستدافع عن نفسها. والدفاع هنا هو هجوميّ بحت لأنّ الذي يكابر على طبيعة الانقسام اللبناني – اللبناني هو الحزب بالدرجة الأولى لا خصومه. وبالتالي فإنّ المسؤول عن أخطاره، ومن ضمنها الحروب الأهلية التي يحذّر منها الحزب، هو الحزب بالدرجة الأولى. لأنّه ليس مستعدّاً أبداً للاعتراف بوطأته على البلد ككلّ، وبالتشنّجات الاجتماعية والسياسية التي تؤدّي إليها هذه الوطأة بوتيرة متصاعدة.

المشكلة مع الحزب ليست في أنّه يستقوي بدولة خارجية ليفرض غلبته على سائر اللبنانيين وليعزّز مواقعه في الحكم والدولة وحسب، بل في أنّ الحزب هو جزء من مشروع خارجي على امتداد المنطقة وضفافها شرقاً وغرباً، هو المشروع الإيراني. وهذا أمرٌ غير مسبوق في تاريخ لبنان: أي أن يكون حزبٌ مسيطراً على الفضاء السياسي والاجتماعي لطائفة بعينها، وفي الوقت نفسه هو جزء من مشروع إقليمي، لا بل درّة التاج في هذا المشروع. فلا حزب الكتائب تحوّل في يوم من الأيام، وحتى خلال الحرب، إلى جزء من مشروع إقليمي، ولا الحزب التقدّمي الاشتراكي، ولا الشخصيات والتيارات السنّية، ولا حتى حركة أمل، إلّا الحزب الذي يريد أن يُخضع لبنان لأولويّات مشروعه أيّا تكن تبعات هذا الإخضاع عليه.

أسئلة ملحّة: من أوكل الحزب؟

والحال هذه كيف يمكن مشاركة الحزب في بناء الدولة إذا كان مشروعه ضدّ الدولة نفسها؟ فهل كان لأحد في الدولة علمٌ بإنشاء مطار في الجنوب؟ طبعاً لا، فالحرس الثوري يعلم به، وأمّا الجيش اللبناني، فلا!

وهذا أمر يتجاوز في دلالته مسألة خرق سيادة الدولة، على خطورة هذا الخرق. إذ إنّ "سرّيّة" المقاومة على هذا النحو، أي انفصالها الكلّي عن الشعب والدولة على أراضي هذه الدولة نفسها، تطرح سؤالاً جوهرياً:

- نيابة عمّن "يقاوم" الحزب إسرائيل؟

- ومن أوكل إليه هذه المهمّة؟

فإذا كان الحزب يعتبر غالبية اللبنانيين التي تعارضه خائنة وعميلة للخارج أو بأقلّ تقدير مضلَّلة ولا تعرف مصالحها، وبالتالي لا يمكن أن تكون شريكة في "المقاومة"، فهو بالتأكيد لا "يقاوم" لأجلها. لذلك يمكن القول، بداهة، إنّ "المقاومة" ليست شيعية بعناصرها وحسب، بل هي "تقاوم" نيابة عن شريحة بعينها من اللبنانيين هم الشيعة، وبالتحديد جمهور الحزب.

هذه أسئلة لا يمكن أن تبقى مؤجّلة إلى أبد الآبدين، خصوصاً أنّ السؤال لم يعد عن الحدود بين الدولة و"المقاومة" وحسب، بل عن الحدود بين "المقاومة" والمشروع الإيراني في المنطقة. وهنا تأخذ مسألة قرار الحرب والسلم مع إسرائيل معناها الأقصى. إذ إنّ الشعب اللبناني، بما هو مصدر السلطات بناء على العقد الاجتماعي الديمقراطي، هو خارج هذا القرار كلّياً ولا يشترك من قريب أو بعيد في ديناميكيّاته، لا وقت السلم الذي عبّر عنه أخيراً اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل من دون أن يطّلع عليه مجلس النواب، ولا وقت الحرب عندما تندلع بقرار من الحزب وحده بدون شراكة مع الدولة اللبنانية، أو من إسرائيل. ذلك أنّنا لسنا في واقع ما قبل عام 2000 عندما كانت إسرائيل تحتلّ مساحات واسعة من الجنوب. وقتذاك كانت الأولوية لتحرير الجنوب، وأمّا الآن فإنّ الواقع اختلف وما عاد يمكن القبول بإمساك الحزب بكلّ الفضاء الرمزي والسياسي والعسكري للصراع مع إسرائيل، الذي ليس صراعاً مقتصراً على لبنان. بل إنّ الموقف منه يطال ما يحصل داخل فلسطين لناحية الممارسات الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين. وهذا موقف سياسي وأخلاقي يجب أن يكون معنيّاً به كلّ إنسان، في أيّ مكان، يحرّكه هاجس الحقّ والعدالة، فكيف باللبنانيين الذين لن يستعيدوا دورهم السياسي من دون صياغة موقف ممّا يجري في فلسطين والمنطقة!


لذا لا يمكن أن يحتكر الحزب هذا الفضاء لوحده، أو يُخضعه لمنطق صراعه الخاصّ مع إسرائيل، وهو ما يحصل حتّى الآن ويشكّل جزءاً أساسياً من المعضلة اللبنانية، التي لا يبدو أنّه سيكون هناك حلّ لها ما دام الحزب لم يبدّل تعاطيه معها، بدءاً من عدم اعترافه بها كمعضلة يجب حلّها وإن اضطرّه ذلك إلى تقديم تنازلات معيّنة.

لذلك فإنّ البحث عن تسويات مع الحزب في الموضوع الرئاسي لتكون مدخلاً إلى حلّ الأزمة اللبنانية هو بحثٌ عن سراب. فإمّا يُبدي الحزب استعداداً للبحث في جذور الأزمة، أو فليحكُم لبنان لوحده، وهذا قبل السؤال: "لماذا استُبعد لبنان عن الممرّ الاقتصادي؟". فالمشكلة هي في الداخل اللبناني قبل أن تكون بين لبنان والخارج.

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا