متحوّر المبادرة الفرنسية: رئيس بـ65 صوتاً... لا يحكم!
بات محسوماً، أنّ المبادرة الفرنسية تخلّت عن نسختها الأولى، والتي كانت قائمة على مبدأ المقايضة وتقضي بانتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل تسمية نواف سلام، أو من يوازيه في السياسة والمواصفات، رئيساً للحكومة. وفرض الدخول الأميركي- السعودي على خطّ الرئاسة اللبنانية، وفق ما عبّر عنه بيان اللجنة الخماسية، متحوّراً جديداً على مبادرة الإليزيه، التي انتقلت إلى مربع جديد، يقضي بالبحث عن اسم توافقي يستطيع أن يحكم، وفق ما قاله الموفد الفرنسي جان ايف لودريان لبعض من التقاهم خلال اليومين المنصرمين.
بهذا المعنى، اكتسبت زيارة وزير الخارجية الفرنسي السابق، بُعداً مختلفاً عن ذلك الذي ساد في جولتيه الأولى والثانية، ولو أنّها انتهت كما سابقتيها: لا خرق نوعي طالما أنّ الرئاسة عالقة في خرم العلاقة الإميركية - الإيرانية، والاصطفاف الداخلي. لكن جديدها، هو تخليّ باريس، ولو من دون أن تعلنها عن طرحها الأول، بعدما قررت واشنطن والرياض التصدّي لهذا الطرح بشكل علني وواضح، لا لبس فيه، خلافاً للمرحلة السابقة التي اتسمت بشيء من التقية السياسية، التي أثارت حالاً من الإلتباس حول حقيقة الموقفين الأميركي والسعودي.
اذ دأبت الرياض مذ تورّط باريس في المستنقع اللبناني على النأي بنفسها على قاعدة قبولها بما يتفق عليه اللبنانيون، ومن ثمّ مسايرتها للمساعي الفرنسية من خلال تأكيد سفيرها وليد البخاري، رفع الفيتو عن كلّ المرشحين، بمن فيهم طبعاً فرنجية، ما فتح الباب أمام تفسيرات وتأويلات عن احتمال انضمام السعودية إلى قافلة المؤيدين لرئيس «تيار المردة»، إلى أنّ حسم موقف اللجنة الخماسية الإلتباس وأظهر الموقف السعودي المتناغم مع الأميركي، اصراراً من جانب هاتين الدولتين على انتخاب رئيس «يجسّد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية».
إلّا أنّ العارفين بعمق الموقف السعودي يؤكدون أنّ الرياض لم تبدّل في موقفها، لكنها كانت تعطي المبادرة الفرنسية فرصتها، لكن باريس غالت في ما اعتبرته واقعية سياسية بشكل حال دون تكريس منطق الشراكة العمودية الذي يبدأ من رأس الهرم أي من رئاسة الجمهورية، وما دونها، والذي تشترطه الرياض لكي تعود إلى الساحة اللبنانية.
ويؤكدون أنّ الرياض اكتفت بالمرحلة السابقة بفرملة الإندفاعة الفرنسية، التي تجاوزت بنظر السعوديين قواعد الشراكة، من خلال الدفع باتجاه انتخاب رئيس محسوب على «حزب الله»، ولو أنّ العلاقة الشخصية بين فرنجية والمسوؤلين السعوديين جيدة، لكن اعتبارات الشراكة بالمناصفة هي التي أملت على الرياض الوقوف بالمرصاد لمشروع ترئيس فرنجية.
وقد تبلور الموقف السعودي بشكل واضح خلال الاجتماع الأخير الذي عقده السفير البخاري قبل مدّة للنواب السنة حين عبّر أمامهم عن رغبة المملكة بانتخاب رئيس توافقي لا يكون محسوباً على أي طرف أو اصطفاف.
كذلك، بدت عودة السعودية إلى الملف اللبناني جلّية من خلال اللقاء الذي استضافه السفير السعودي بمشاركة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان والموفد الفرنسي لودريان، والذي حمل في الشكل قبل المضمون رسالة واضحة مفادها أنّ النواب السنة، في أغلبيتهم، هم عند الرياض، وبالتالي إنّ محاولات القضم من هذا الطبق لتسريب بعض أصواتهم، باتت أصعب.
في المضمون، لم يخرج كلام لودريان في اللقاء عما سبق وقاله في الاجتماعات التي عقدها طوال اليومين المنصرمين، والتي تختصر بالمعادلة الآتية: الذهاب إلى التشاور حول مرشح يجمع ولا يفرق، يكون حكماً طرفاً، ومن ثمّ التوجه إلى مجلس النواب لعقد جلسات انتخابية مفتوحة تتيح انتخاب رئيس.
وهذا ملخص ما جاء لودريان ليقوله في جولته الجديدة. لا بل أكثر من ذلك، بعض من التقى الموفد الفرنسي تأكد له أنّ إدارة الأخير وبعد كل المحاولات التي خاضتها، سواء في بيروت أو في باريس وبعد جولة الاختبارات الخطية التي أخضِع لها النواب (تبيّن أنّ 91 نائباً ردّوا على الاستمارات)، لا تزال تبحث عن خارطة طريق.
يضيف هؤلاء إنّ لودريان تراجع حتى عن تعبير حوار ليسميه تشاوراً، حيث قال أمام من التقاهم، إنّه على اللبنانيين القبول بمنطق التشاور غير المرتبط بأي مرشح ثابت، للاتفاق على اسم توافقي. وهنا قال لودريان بوضوح إنّه لا مرشح مفضلاً لدى إدارته، وإنما يجب انتخاب رئيس يجمع اللبنانيين حيث تطرق إلى معادلة الـ65 صوتاً مشيرين إلى أنّه لا يجوز انتخاب رئيس بـ65 صوتاً، لأنه لن يستطيع أن يحكم، وبالتالي لا بدّ من انتخاب رئيس بأعلى نسبة أصوات، أي أن يكون توافقياً مقبولاً من فريقيّ الاصطفاف السياسي، فيخفف من حدّة الانقسام ولا يزيده، ويحمل البلاد إلى حال تصادم.
وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى رفض باريس محاولات الثنائي الشيعي استقطاب تأييد رئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل لضمان 65 صوتاً لفرنجية، وهي معادلة كانت باريس تعوّل عليها في السابق، وها هي اليوم تتراجع عنها تحت وطأة التنسيق مع السعودية. ما يعني أنّ تفاهم باسيل مع «حزب الله» لا يفتح باب القصر أمام فرنجية أبداً. وصار لا بدّ من تقاطع دولي يُفترض أن يأخذ الرئاسة إلى اسم جديد.
كلير شكر - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|