ماذا عن محاضر التحقيق مع الموقوفين اللبنانيين في الإمارات؟!
مهما حاول حكّام دولة الإمارات العربية تجميل حقيقة أنّهم قراصنة على رأس إماراتٍ من الظلام لن يفلحوا. لن يُسعفهم في ذلك، لا أضواء ليالي دبي الصاخبة، ولا أبراج أبو ظبي، ولا حملات الترويج لرعاية آل زايد لـ«روّاد الأمل» في العالم. فيما هم يحاولون عند كل صباحٍ قتل أمل عائلات لبنانية تنتظر عودة أبنائها المعتقلين تعسّفاً في سجونهم. لا لسبب سوى أنّ انتماءهم الديني شكّل ذريعة لاصطيادهم، واتهامهم على الشبهة بتهديد الأمن القومي. وتُثبِت محاضر التحقيق الفارغة، التي حصلت عليها «الأخبار»، كيف تخطّى القضاء الإماراتي كل المعايير القانونية ليُصدِر أحكاماً بعضها وصل إلى المؤبّد بحق لبنانيين، منهم من بات خارج السجن ومنهم من لا يزال رهن الاعتقال.
لا يزال سبعة لبنانيين، اعتُقلوا بين عامَي 2013 و2020، يقبعون في سجون الإمارات (فوزي محمد دكروب وعبد الرحمن طلال شومان وعلي حسن المبدر وعبدالله هاني عبدالله محكومون بالمؤبّد، وأحمد علي مكاوي وأحمد أسعد فاعور محكومان بالسجن 15 عاماً، ووليد محمد إدريس الذي لم يصدر حكم في حقه)، بعدما أطلقت سلطات هذا البلد، أواخر أيار الماضي، آخر سجين لبناني من بين العشرة الذين اعتقلهم جهاز أمن الدولة في 22 آذار 2023، والذين يعود الفضل في إطلاقهم إلى استشهاد رفيقهم الموقوف غازي عزّ الدين تحت التعذيب، لا إلى جهود الحكومة اللبنانية أو ضغط وسائل الإعلام التي تجاهلت هذه القضية كلياً. ويُضاف إليهم ثلاثة لبنانيين جرت محاكمتهم غيابياً (علي نور الدين وإسماعيل ملاح وفادي علي سعد) وموقوفان (حسين محمد برده وأحمد نمر أمين صبح) أُفرج عنهما عام 2019 بعد وساطاتٍ سياسية قادها المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وسبق ذلك توقيف كلٍّ من: مصطفى حسين كريم، حسين إبراهيم زعرور، علي حسن ناصيف فواز، محسن عبد الحسين قانصو وجهاد محمد علي فواز، ومن ثم تبرئتهم من التهم الموجهة إليهم.
كلّ من وردت أسماؤهم، ومجموعهم 27 لبنانياً، وجّهت إليهم السلطات الإماراتية تُهمة واحدة اختلقها جهاز أمن الدولة الإماراتي بعد كل عملية اعتقال، وهي تشكيل خلايا تابعة لحزب الله لتنفيذ أعمالٍ إرهابية على أراضي الإمارات. كما أن ما يجمع بينهم جميعاً أنهم من جنوب لبنان.
السؤال عن صبر الإماراتي!
تولّت دائرة أمن الدولة متابعة القضايا كافة، ودارت المحاكمات في محكمة أبو ظبي الاتحادية حيث واجه الموقوفون اتهامات بالتخابر مع حزب الله «الذي يعمل لمصلحة إيران»، بغرض جمع المعلومات والأموال له، وتنفيذ ما يكلّفون به من عمليات إرهابية تطال مرافق في الإمارات كالمطارات والموانئ ومؤسسات حكومية وغيرها. وتُبيّن وقائع المحاكمة، أن الجهات الإماراتية تعتبر أن تلك التوجيهات تأتي مباشرةً من الحرس الثوري الإيراني. ولتنفيذها يُعتمد أسلوب تشكيل خلايا عنقودية لتفادي كشفها من الجهات الأمنية.
في الاتهامات، نُسِب إلى البعض ضلوعه في جمع معلومات عن «العائلات الشيعية الإماراتية المقتدرة مالياً»، وجمع تبرعات منها لإرسالها إلى حزب الله على سبيل التمويل. آخرون اتهموا بـ«جمع معلومات عن طبيعة تعامل الشعب الإماراتي مع اللبنانيين الشيعة، وأهل الجنوب بالأخص، ونظرتهم إليهم، وهل بها تعصّب مثل الشعب السعودي»، بحسب تعابير السلطات الإماراتية. وكذلك جمع معلومات «عن الحرب في اليمن، وقوّة الإمارات العسكرية ومدى تحمّلها الحرب في اليمن». وزعم أمن الدولة أن عدداً من الموقوفين ذكروا (من دون تبيان أين ذُكر ذلك) أنّ «صبر الإماراتي أقل من صبر أهل الدول التي تشهد حروباً، وأن اللبناني لديه قدرة تحمّل وصبر أقوى من الإماراتي في مواجهة الحياة». كما ادعى الجهاز طرح بعض الموقوفين فكرة استثمار أموال للحزب داخل الإمارات في مجال العقارات.
«جريمة التشيّع»
ألّف أمن الدولة الإماراتي سيناريوهاته المتخيّلة، ومعه تواطأت السلطات القضائية، فقبلت ما قدّمه من ذرائع لا ترقى لأن تكون بمثابة أدلة إلا في محاكم دول الاستبداد. فانطلقت من تأكيد المتهمين خلال تحقيقات النيابة انتماءهم إلى المذهب الشيعي، وأن أصولهم من جنوب لبنان، وأنهم يعتبرون أن حزب الله حرّر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000، وانتصر على إسرائيل في حرب تموز 2006. واتّكلت في أدلّتها، على أن أحد المتهمين كان يواظب على سماع خطب دينية في مسجد بلدته، وأن آخرين يحتفظون في هواتفهم بصور خاصة بمناسبة عاشوراء، وأناشيد وخطب دينية، وصور لأئمة الشيعة، وأخرى خاصة بالأوقاف الجعفرية في إمارة الشارقة، ودعوات لقراءة سور قرآنية، وكيفية احتساب الخمس. ومحادثات على مجموعات «واتساب»، تدور حول مقاطعة متاجر تدعم الحركات التكفيرية التي نشطت في سوريا، وصور مصدرها «الإعلام الحربي» في الحزب - عادة تتناقلها جميع وسائل الإعلام والمجموعات الإخبارية - وصور للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مُلتقطة من تلفزيون «المنار»، وثانية تجمعه مع قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، وثالثة للرئيس السوري بشّار الأسد، وصور من تلفزيون «المسيرة».
كما وُجهت إلى أحدهم اتهامات بالتخابر والتخطيط مع جهات إيرانية، لمجرد اتصاله برقم إيراني كان بحوزة والدته أثناء أدائها مناسك دينية في إيران. بالسخافة نفسها، اتُهم آخرون بتمويل الحزب بناءً على ما يرسلونه من أموالٍ إلى عائلاتهم في لبنان.
وفي إحدى القضايا، استند «مركز الإمارات للأدلة الإلكترونية» في أبو ظبي إلى وجود مخطّطات لمباني مطار دبي، وصور للطائرات، كدليل لتوجيه الاتهام إلى أحد الموقوفين بالتخطيط لتفجير المطار، رغم أنه يعمل مدرباً ومضيف طيران في مطار دبي، وبرر حيازته للصور والكتيبات الخاصة بالمطار بحصوله عليها من شركة الطيران التي يعمل لمصلحتها.
وقائع المحاكمات
خلال المحاكمات، نفى الموقوفون الاتهامات المنسوبة إليهم. البعض سُمح له بممارسة حقه في توكيل محامٍ خاص شرط أن يحمل الجنسية الإماراتية، فيما آخرون لم يُسمح لهم بذلك. إذ رفضت السلطات الإماراتية بحجة «الأمن القومي» أن توكّل عائلات بعض الموقوفين محامين لبنانيين يسافرون على نفقتها إلى الإمارات للترافع عنهم. عملياً، جميع المحامين ممن سُمح لهم بالترافع، أجمعوا على الآتي: عدم كفاية الأدلة، وانتفاء أركان الجريمة لعدم معقولية الواقعة، قصور وانتفاء التحرّيات، الإخلال بحق الدفاع، اعتماد أدلة ثبوت ظنّية، تناقض أقوال الشهود، عدم توافر الاتفاق الجنائي بين موقوفين متهمين بتشكيل خلايا، وعدم وجود إثباتات على التخابر مع الحزب.
وذكر أكثر من موقوفٍ تعرّضه للتعذيب المعنوي والجسدي للإدلاء بأقواله. فيما تضاربت أكثر من مرة أقوال الموقوفين أنفسهم والشهود تحديداً بشأن حزب الله، وهي بمعظمها أقوال مُرسلة تم نسخها، ولم يدعمها دليل مادي ملموس وفق ما هو مدوّن في المحاضر. سيّما أنّ وجود مقاطع فيديو لها صلة بالحزب ليس دليلاً على الاتهام بالتخطيط لأعمال إرهابية. وعليه طلب موقوفون ومحامون من السلطات القضائية إجراء كشوفات على حساباتهم البنكية والتحويلات الصادرة بأسمائهم من شركات صرافة للتأكد مما إذا كانوا فعلاً حولوا أموالاً إلى جهات حزبية.
حتماً لم يستجب القضاء الإماراتي لكل ما تقدّم. وغالباً كان الجواب يقتصر على «حق المحكمة في فهم الواقع في الدعاوى، وتقدير صحّة ما تستند إليه من أدلة متى اطمأنّت إلى صحته ولو لم يعزّز بدليلٍ آخر». وبخلاف القواعد القانونية، اعتبر الإماراتيون أن التناقض في أقوال الشهود «لا يُعيب الحكم، ما دامت استُخلِصَت الإدانة من أقوالهم»، وأن المحكمة عادةً «غير ملزمة بمتابعة المتَّهم في مناحي دفاعه وفي كل شبهة يثيرها والرد على ذلك». ووصفت دفاع المتّهمين عن أنفسهم بـ«الجدل في تقدير الدليل»، وهو أمر «لا يجوز إثارته».
المفارقة، أن سلطات الإمارات، الواثقة جداً من تورط هؤلاء، وبعد سجنهم لسنوات، برّأت خمسة، من بينهم متهم بتولي ملف الإمارات في حزب الله. وأطلقت سراح 11 آخرين قبل قضاء محكوميّتهم. فما هو المبرر في حال ثبوت التهم، وفي حال عدم ثبوتها ما الدافع للإبقاء على سبعة رهائن في سجونها، سوى أن الملف سياسي، وأن ليس في لبنان «الرسمي» من يتجرّأ على التصدي لإنهائه.
ندى أيوب - الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|