الخماسيّة تترك تحرّك لودريان "على مسؤوليّة فرنسا"
أن تنفي المصادر الفرنسية والأميركية المعنيّة بعمل اللجنة الخماسية في شأن لبنان، ومعها المصادر اللبنانية التي اطّلعت على نتائج اجتماع ممثّلي الدول الخمس في نيويورك، ما تردّد عن خلاف بين ممثّلي واشنطن وباريس، لا يعني أنّ هناك اتفاقاً بين كلّ من أميركا وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر على مقاربة المأزق الرئاسي.
يعيد موقف بعض دول الخماسية غير المستعجلة على الحلول في لبنان تسليط الضوء على القناعة القائلة إنّه ليس هناك إلا فرنسا المهتمّة بوضعه، ويرفد هذا الاهتمام التحرّك القطري، مع الإشارة إلى اعتبارات العلاقة الممتازة بين باريس والدوحة. لكنّ بلوغ الحلول يحتاج إلى تفاهم مع إيران لأنّها تمسك بورقة انتخاب الرئيس. ومحاولة باريس مراعاة نفوذ طهران في لبنان، تصطدم بالاعتراض الأميركي والرفض السعودي، فيما تلتفّ الحلقة المفرغة، التي يتطلّب اختراقها تفاهماً أميركياً إيرانياً، حول عنق الرئاسة اللبنانية، إلى أن يأتي وقت هذا التفاهم بين الدولتين.
خلافات في الخماسيّة أم مبالغات؟
حفلت وسائل الإعلام اللبنانية بأخبار الخلافات بين الدول الخمس خلال اجتماعها قبل ثلاثة أيام في نيويورك، والمستغرَب أنّ بعضها بالغ فنسب إلى أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني أنّه تحدّث عن خلاف أميركي فرنسي، في وقت لم يأتِ على ذكر ذلك، فهزئ بعض الدبلوماسيين المعنيين ممّا اعتبروه "اختلاقاً" للأخبار. إذ إنّ الأمير تميم اكتفى في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالتحذير من "الخطر المحدق بمؤسسات الدولة"، داعياً إلى "حلّ مستدام للفراغ السياسي وإيجاد آليّات لعدم تكراره". وأسف لأن "يطول أمد معاناة الشعب بسبب الحسابات السياسية والشخصية". وهي عبارات تظلّل المسعى القطري.
أمّا المعطيات الواقعية عن اجتماع نيويورك فيمكن ذكر الآتي منها حسب مصادر فرنسية:
ماذا بعد السقف الزمنيّ؟
- أقرّت المصادر نفسها بما تسرّب عن أنّ مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف اقترحت أن يكون هناك سقف زمني لجهود الموفد الرئاسي الفرنسي بحيث لا تكون وساطته بلا سقف زمني. وكان الجواب الفرنسي: إذا وُضِع سقف زمني ووصلنا إليه من دون حصول تقدُّم، فما هي الخطوة التالية؟ لا جواب عن هذا السؤال سوى التسليم بمواصلة الجانب الفرنسي محاولاته. فباريس ترى أنّه إذا كان هدف وضع مهلة للضغط والإلحاح على إخراج البلد من الحالة الطارئة الخطيرة التي هو فيها، فإنّ هذا ما يقوم به لودريان. وتشير هذه المصادر إلى أنّ موقف صندوق النقد المنتقِد لعدم إقرار الإصلاحات الذي ينعكس مزيداً من التدهور في الوضع الاقتصادي يصبّ في الاتجاه نفسه.
تحرُّك لودريان مستمرّ "على مسؤوليّة فرنسا"
- مصادر المعلومات اللبنانية، التي تجزم أنّه لم يحصل خلاف داخل اللجنة الخماسية، وأنّه ليس بالضرورة أن يصدر بيان عن الاجتماع لأنّه "روتيني"، تشير في الوقت نفسه إلى أنّ تحرّك الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في شأن لبنان مستمرّ، لكن "بدعم من باريس فقط، وعلى مسؤوليّتها". وهذا يعني أنّ الدول الأربع الأخرى تترك لها محاولة إحداث خرق في جدار الأزمة، من دون أن تلزم نفسها بمضاعفات عدم التوصّل إلى نتيجة. لكنّ الأوساط الفرنسية تتحدّث في المقابل عن تنسيق متواصل، بدليل الزيارات التي قام بها السفير الجديد في بيروت هيرفي ماغرو لكلّ من نظيرته الأميركية دوروثي شيا ثمّ للسفير السعودي وليد بخاري، فضلاً عن سفراء آخرين، في الأيام القليلة الماضية. والهدف "التوفيق بين وجهات النظر المختلفة".
الحدود البرّيّة مؤشّر أميركيّ إيرانيّ
ما يزال الكثير من التفاصيل يحتاج إلى الحسم في ما يتّصل بصيغة الحوار أو المشاورات التي سيتناولها لودريان في زيارته الرابعة، وكذلك الموفد القطري. لكن ماذا عن المسار الآخر، أي التفاهم الأميركي الإيراني، الذي يعتبره البعض جوهرياً لإنهاء الفراغ الرئاسي؟
حين دعا الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بصيغة التساؤل، الوسيط الأميركي آموس هوكستين إلى "ترسيم" الرئاسة، ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى تسهيل انتخاب الرئيس، كان يغمز من قناة صراع الدولتين الذي يشمل لبنان ويسهم في إطالة الفراغ الرئاسي فيه. جاء ذلك يوم مغادرة هوكستين بيروت مطلع الشهر الجاري، حين ناقش مع الرئيس برّي الوساطة الأميركية التي طلبها لبنان رسمياً من واشنطن من أجل تحديد الحدود البرّية بين لبنان وإسرائيل.
إذا كانت الأوساط التي ترى في مقاربة مسألة الحدود البرّية مؤشّراً إلى تفاهم أميركي إيراني على إمكان إحداث اختراق في الأزمة الرئاسية، لأنّ إقفال هذا الملفّ يعني إجازة من طهران لـ"الحزب" على غرار ما حصل في اتفاق الحدود البحرية، فإنّ النتيجة جاءت معاكسة لهذه التمنّيات، كما ظهرت المواقف من مسألة الحدود.
عوائق منها مزارع شبعا أمام المفاوضات البرّية
فضلاً عن أنّ هوكستين أبلغ برّي أنّ انطلاق المفاوضات في هذا الشأن يحتاج إلى انتخاب رئيس للجمهورية لأنّه المسؤول عن التفاوض دستورياً، فإنّ الوقائع التي رافقت مجيء الموفد الأميركي وتبعته بدت مخالفة لإمكان التقدّم في هذا الملفّ، بما يوحي أنّه سيخضع للكثير من المناورات، وأنّ المطلوب كان استدراج الجانب الأميركي إلى الانخراط به من دون حسمه في الظروف الراهنة، وفق معطيات منها:
- أوّلاً: حين طلب وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب في مطلع تموز الماضي من السفيرة الأميركية شيا أن تلعب بلادها دور الوسيط استناداً إلى تنسيق مع الجهات المعنيّة في الجيش، لتحديد الحدود، كان المقصود بذلك معالجة ما بقي من نزاع على النقاط الـ13 التي يعترض لبنان عليها في رسم خطّ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، والتي جرى حلّ سبع منها بالتنسيق مع القوات الدولية، وبقيت ستّ، من دون أن يشمل ذلك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر. إلا أنّ الرئيس برّي أدخل مزارع شبعا في التفاوض على الحدود البرّية في خطابه في 31 آب في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر. فشمول مزارع شبعا في هذه المرحلة من تحديد الحدود يُقحم التفاوض في تعقيدات تتطلّب إشراك سوريا في التفاوض لبتّ الهويّة السورية للمزارع كما تقول وثائق الأمم المتحدة، أو لبنانيّتها التي تتطلّب ترسيماً للحدود السورية اللبنانية. وهو أمر عجز لبنان عن التوصّل إليه في السنوات السابقة.
العرض الإسرائيليّ وعقدة الـB1
- ثانياً: عندما أصدرت الدائرة الإعلامية في القوات الدولية نفياً لخبر سُرّب عن أنّ الجانب الإسرائيلي اقترح، في اجتماع اللجنة الثلاثية للجيشين اللبناني والإسرائيلي و"اليونيفيل" في 12 أيلول، الانسحاب من تسع نقاط متنازع عليها على الخط الأزرق، مقابل سحب "الحزب" للخيمة التي نصبها في مزرعة بسطرة الواقعة في مزارع شبعا المحتلّة، برّرت "اليونيفيل" ذلك بأنّ هذا التسريب لا يعكس حقيقة المناقشات التي جرت، وبأنّ مداولات اللجنة سرّية ونشر معلومات عنها يعرّض أيّ تقدّم يحصل للخطر. وسواء صحّ التسريب أم صحّ نفي الناطق باسم "اليونيفيل" أندريا تيننتي، فإنّ معلومات "أساس" تفيد بأنّ هوكستين طرح العرض الإسرائيلي نفسه قبل اجتماع اللجنة الثلاثية، خلال لقائه الرئيس برّي عند زيارته له في 31 آب الماضي، فأجابه برّي أنّها 13 نقطة وليست تسعاً. كان همّ هوكستين خفض التوتّر على الحدود بالدرجة الأولى. وكان المقصود باستدراك برّي أمام هوكستين نقاطاً أخرى أهمّها نقطة الـB1 عند رأس الناقورة، التي يقوم النزاع الرئيسي عليها بسبب رفض إسرائيل الانسحاب من التلّة التي تحدّد هذه النقطة لأسباب أمنيّة، على الرغم من أنّها تعود إلى الجانب اللبناني.
ثمّة تفاصيل تقنية كثيرة تحيط بالتفاوض على الحدود البرّية، وإثارة بعضها قبل أن يبدأ هوكستين مهمّة الوساطة تدلّ على أنّ التفاهم الأميركي الإيراني في لبنان "ما زال مبكراً" (وهو تعبير نُقل عن هوكستين نفسه في شأن الحدود). لكنّ إثارة هذا الملفّ حسب متابعين لخريطة المواجهة الإقليمية بين واشنطن وطهران أقرب إلى استدراج عروض يتطلّب بتّها المزيد من الوقت.
يقول مصدر معنيّ بتفاصيل تحديد الحدود إنّه لو أراد الجانب الأميركي إيجاد حلول للنزاع لفعل ذلك. والأمر نفسه ينطبق على الحزب وإيران.
وليد شقير- أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|