النزاع العقاري تحوّل ... "شكوى ارتياب" بحقّ القاضي العقاري
... مِن الآخِر، لا تزال النزاعات العقارية - الحدودية في القرنة السوداء، على رغم الدماء التي سُفكت، عالقة ومجمّدة قضائيا.
اللافت دوماً في المعادلات اللبنانية، ان العمل يُنجز ورقياً، فيما يبقى التنفيذ عالقا ومعلّقا تحت ضغوط سياسية، لئلا نقول هيمنة حزبية - سياسية أو رفض الامتثال للغة القضاء.
ليس من جديد في قضية حادثة القرنة السوداء، سوى ما قاله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في ذكرى مرور شهر على مقتل الشابين هيثم ومالك طوق، اذ دعا البلديات المعنية بالقرنة السوداء الى ان "تتجاوب بما لديها من وثائق قانونية وتاريخية مع قاضي التحقيق العقاري في الشمال، في كل ما يتعلق بعملية التحديد والتحرير". فهل تعني هذه الدعوة علناً ان العمل القضائي للتحديد متوقف؟ ومن هي الجهة التي تعرقله؟
اربعة اعوام
كما في كل الملفات الحساسة في لبنان، يتم تجميد الشق التنفيذي، بينما يكون العمل على الورق قد أُنجِز على اكمل وجه. وفي ملف القرنة السوداء، تحديدا، اكثر من عمل وجهد "ورقي" باشره المعنيون، في وقت بقيت الارض بلا تحديد، والاراضي مساحات مفتوحة لنزاعات وحوادث وقتل... وهذا ما جرى مطلع تموز الفائت اثر مقتل الشابين من آل طوق.
تاريخيا، بدأت عمليات تحديد الحدود بأمر قضائي يعود الى 13 حزيران 1978، بموجب المرسوم الصادر في 27 تشرين الاول 1947، ما يعني انه لا يحق لأحد ان يعرقل هذه العمليات.
وكان مجلس القضاء الاعلى قد اعلن سلسلة قرارات صدرت عن قاضي الامور المستعجلة في بشري والقاضي العقاري في الشمال تتعلق بالمنطقة العقارية المتنازع عليها، وجرى ابلاغها الى الافرقاء والمراجع الرسمية، تماما مثلما فعل مجلس شورى الدولة والوزارات المعنية، وفي مقدمها وزارتا المياه والبيئة، حين قامت هذه الجهات بما يلزم لبتّ النزاعات، انما على الارض بقيت الامور مجمدة. فالخلاف بين بشري وبقاعصفرين قديم، وسبق ان شُكلت لجنة قضائية - عقارية من اجل مسح العقارات وتحديد المشاعات، ولكن لا تنفيذ حصل على ارض الواقع.
يكشف النائب السابق جوزف اسحق لـ"النهار" انه "قبل اربعة اعوام، تحديدا، بُذلت جهود كثيفة لهذه الغاية، وقد قطع الملف اشواطا متقدمة، لاسيما على صعيد بلدية بشري التي تجاوبت تماما مع القضاء، وقدمت كل ما يلزم من وثائق وخرائط ومستندات. الا ان العمل توقف هنا".
واسحق الآتي من تجربة بلدية، لأعوام، يعي دقة هذه النزاعات ومدى تأثيرها على الشق الانمائي والتنموي، تماما كما على الشق الاجتماعي والاهلي بين ابناء المناطق. يقول: "الموضوع منذ فترة هو امام القضاء، فلِمَ لا يُبتّ انصافا للحق والعدالة أولا؟ هذا هو مطلبنا الاساس".
إذاً من يعرقل، وهل المسار القضائي متوقف الآن؟
يجيب: "بلدية بشري قدمت كل ما يلزم، في حين ان الطرف الآخر لم يتجاوب حتى اللحظة، انما المشكلة انه قدَّم شكوى ارتياب بحق قاضي التحقيق العقاري في الشمال، وبالتالي الى ان تبتّ محكمة التمييز هذه الشكوى، فان المسار القضائي متوقف حاليا".
ويشدد اسحق على انه "انطلاقا من مبدأي العدالة والحق، لا بد من التعجيل ببتّ هذا الامر. فالنزاع قديم ولا يحتمل التأجيل اكثر او المماطلة، لا سيما ان الموضوع موجود منذ زمن عند القضاء، وايمانا منا باستقلالية القضاء، نحن نرفض اي تدخل سياسي في المسألة، وليقل القضاء كلمته الفاصلة".
لجنة ميقاتي: تدخّل؟!
بعد ايام على حادثة القرنة السوداء، اصدر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قرارا قضى بتشكيل لجنة لدرس مسألة النزاعات بين الحدود العقارية والنزاعات على المياه. صدر القرار في 4 تموز الفائت، على ان تكون اللجنة برئاسة وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وتضم ممثلين عن وزارات المال والمياه والبيئة والعدل والزراعة، وقيادة الجيش ومجلس الانماء والاعمار.
وسريعا بادر نائبا بشري ستريدا جعجع ووليم طوق الى رفض الامر، لانه باختصار لزوم ما لا يلزم. ذلك ان المسألة امام القضاء اصلا، فكيف يمكن لجهة سياسية ان تصبح طرفا فيها؟ فعاد ميقاتي وتراجع عن الامر، وخصوصا ان بيان جعجع وطوق رأى في خطوة ميقاتي "تجاوزا لمبدأ فصل السلطات لان النظر في النزاعات العقارية يقع تحت صلاحيات السلطة القضائية لا السياسية".
ثم ان هذه النزاعات تحديدا، اجتازت مسارا مهما وباتت امام القضاء، فلِم العودة الى الوراء وتشكيل لجان؟ اذ بدل اللجوء الى خطوة كهذه، ليُترك القضاء يعمل ويقول كلمته النهائية، بعدما تجاوبت بلدية بشري تماما في تقديم المراجع المطلوبة.
هكذا، تكون خطوة ميقاتي "دعسة ناقصة"، لئلا نقول تدخلاً سياسيا في القضاء. وهكذا ايضا، فان في كلام الراعي ما يُفهم بشكل واضح جدا، وهو ان بلدية بقاعصفرين توقف القضاء العقاري الآن وتبعده عن اعلان قراره، بحجة "شكوى الارتياب"، وكأن يد القضاء مجمدة في الظرف الر اهن.
وبعدما كان النزاع عقاريا على مشاعات القرنة السوداء، ها هو اليوم يتحول قضائيا الى حين بتّ مصير "شكوى الارتياب" بحق قاض!
"النهار"- منال شعيا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|