هل صحيح أن ثمة "قطبة مخفية" قلّلت فرصة قائد الجيش؟
عندما أطلق قائد الجيش العماد جوزف عون قبل نحو ثلاثة اسابيع مواقفه المثيرة للاهتمام ومفادها ان "الرئاسة الاولى لا تعنيه وانه لا يفكر فيها وليست شغله الشاغل، وأن أحداً لم يفاتحه بها"، سرت موجة تساؤلات في الكواليس السياسية عن خلفيات إطلاق هذا الكلام في مثل هذا التوقيت بالذات. وكان من البديهي ان تكون حلقات القرار لدى الثنائي الشيعي في مقدم الخائضين في استشراف أبعاد هذا الموقف والدوافع التي أملت على العماد عون الخروج عن صمته المألوف.
ولا ريب في ان تلك الدوائر تنطلق من اهتمامها بفك "شيفرة" هذا الكلام من اعتبارات وحسابات عدة ابرزها:
- ان قائد الجيش الذي اعتُبر منذ بداية الشغور الرئاسي مرشح "الاحتياطي الاستراتيجي" الأكثر مقبولية كون دائرة الاعتراض عليه تتضاءل الى حد بعيد خلافاً لكل الاسماء المطروحة لخوض غمار السباق الرئاسي، اعتاد التحصن بالصمت حيال أي كلام سلبي أو ايجابي يتصل بمسألة ترشيحه للمنصب الذي شغر منذ 11 شهراً.
ولقد اتضح لاحقاً ان هذا الأداء هو جزء من نهج اتّبعه العماد عون بناء على مشورة الحلقة الضيقة المحيطة به التي تتولى ادارة المعركة والتخطيط لها والاشراف عليها على نحو يسمح له بأن يحجز لنفسه موقعاً رصيناً بحيث لا يبدو شغوفاً بالوصول الى سدة الرئاسة الاولى، ولا يبدو في الوقت عينه زاهداً كل الزهد في بلوغ منصب سبق ان تبوّأه اربعة من اسلافه في قيادة الجيش منذ الجنرال فؤاد شهاب في العام 1958 الى الأمس القريب.
- ان القائد يعرف تماماً أن انزلاقه نحو أيّ سجال يدور على الساحة الاعلامية، سوف يفقده جزءاً كبيراً من رصيده وأوراق قوته كرجل مترفع عن التجاذبات والمشاحنات التي تعصف منذ زمن بالمشهد السياسي.
ولكن على ما يبدو، فان رياح الامور سارت بخلاف ما تشتهيه سفن العماد والحلقة الضيقة، فهو وإنْ نجح الى حد بعيد في الاشهر الاولى التي انقضت على الشغور الرئاسي في المحافظة على هذا التموضع والذي جعله يبدو على مسافة واحدة من المتصارعين، إلا ان التطورات المتسارعة التي تلت جلسة الانتخاب الاخيرة في 14 حزيران الماضي وما أفرزته صندوقة الاقتراع التي دارت دورتها في القاعة العامة لمجلس النواب، من نتائج ومعادلات اظهرت توازناً وشبه تعادل بين فريقَي الصراع المحتدم، قد اظهرت ايضا ان معادلة الاعتصام بالصمت بدأت تتفكك وتتلاشى تدريجا أو ان حلقة القائد وجدت انه آن أوان الخروج من نطاقها نحو منحى آخر.
إذ لم تمضِ سوى ساعات قليلة بعد تلك الجلسة التي كانت مفصلية حتى برز حراك ناشط تحت عنوان ان تلك الجلسة قد أفضت ضمناً الى معادلة أمر واقع يقوم على ان نتيجة التصويت في الجلسة تلك أدت الى ان كِلا المتنافسين، أي سليمان فرنجية وجهاد ازعور، قد ألغى احدهما الآخر وان الباب انفتح تاليا تلقائيا على مصراعيه لطرح شعار المرشح الثالث وهو العماد عون نفسه.
وعليه، كان عنوان الحملة التبشير بهذا الخيار لكي يعلو على ايّ شعارات اخرى ويمسي بالتالي امرا واقعا. واللافت ان الحملة وجدت رافدا وسندا من كل المعارضين لخيار الثنائي. وبعد اقل من ثلاثة اشهر طرأت مستجدات تناهت الى عِلم القائد والمحيطين به هزّت قناعتهم القديمة التي بدت راسخة بداية وبيّنت لهم ان ثمة تحولات في المعطيات الداخلية والاقليمية، ما اضطر القائد الى استدعاء وفد نقابة الصحافة ليفصح عبره عن ذلك الموقف المنطوي على كمّ من الاستياء.
وبمعنى آخر ووفق الدوائر اياها فان ثمة من ابلغ الى القائد عون ما شاع خلال الساعات الـ 48 الماضية وجوهره ان قطر السبّاقة في تأييد وصوله الى الرئاسة الاولى بدأت تعرض عرضاً جديداً بغية اغراء الثنائي بالتخلي عن فرنجية وارضاء رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وقوامه التخلي عن العماد عون وسحب اسمه من التداول، ليكون ذلك مقدمة لطرح عرض الخيار الثالث وإقناع الجميع به، خصوصا ان ازعور لم يعامَل يوما على انه المرشح النّد لفرنجية، فهو كان مرشحا لفترة وظروف محددة ومعيّنة. وما اكد ذلك ما قيل عن ان الموفد القطري الاخير حمل معه لائحة باسماء مرشحين ليس من بينهم العماد عون نفسه.
وتزعم دوائر الثنائي الشيعي ان خيبة الامل تلك لم تكن الاولى التي تلقّاها العماد عون وأجبرته على اطلاق موقفه ذاك، اذ قبلها كان اللقاء بينه وبين رئيس كتلة نواب "حزب الله" محمد رعد خرج منه القائد بأن الحزب ما زال متمسكا بمرشحه الحصري، وانه والى اجل غير مسمى، مازال مستنكفا عن النظر بالخيارات البديلة اذا ما وجد نفسه مضطرا للتخلي عن هذا الامر.
والملاحظ ان الحزب عبّر مرة ثانية بلسان احد ابرز قيادييه المولج بالاتصال والتواصل مع المؤسسة العسكرية وهو وفيق صفا الذي ظهر قبل ايام في اطلالة اعلامية نادرة وتعمّد ان يعمم فحواها، عن ان طبيعة لقاءاته المتتالية مع العماد عون والمؤسسة العسكرية هي التنسيق الامني فحسب. والواضح بحسب بعض التفسيرات ان صفا تعمّد هذه الاطلالة لكي يرضي القائد ويوحي بأنه غير راغب في قطع العلاقة معه او اخراجها من دفئها نظراً الى حاجة الحزب الى هذه العلاقة وهو الذي يرفع دوما شعار المعادلة الثلاثية، اي الجيش والشعب والمقاومة.
ووفق اوساط الحزب فهو يسعى ضمناً بكلامه هذا الى التخفيف من تداعيات رسالة اعتراض مضمرة وجهها الحزب الى المؤسسة العسكرية وانطوت على ملاحظات على الاداء الخشن لوحدات الجيش في البقاع الشمالي مع المطلوبين على غرار ما حصل اخيرا في بلدة اللبوة.
بعض مَن هم على صلة بقيادة الجيش ما انفكوا يصرّون على نفي ان يكون القائد قد أخذ قراره النهائي بالانسحاب من معركة السباق الرئاسي، لكنهم في المقابل يتحدثون عن ان الحماسة التي تملّكته وتملّكتهم اخيرا معززة آمالهم قد انخفض منسوبها الى الحد الادنى.
"النهار"- ابراهيم بيرم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|