الطوفان غمر الانفجار
هي من المرات النادرة، التي تساهم فيها أحداث المنطقة في إنقاذ لبنان من المشكلات. جرت العادة أن تنعكس أزمات المحيط على لبنان، لكن هذه المرة لعب الموقع الجغرافي لعبته بشكل معاكس.
قبل إقدام حركة حماس في السابع من تشرين الأول على تنفيذ عبورها الصاعق، والثاني في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إلى غلاف غزة، وإطلاق العنان لطوفان الأقصى بهذه الطريقة الدراماتيكية التي صدمت إسرائيل والمنطقة والعالم، كان لبنان يسير بخطى متسارعة نحو انفجار ما، متصل بقضية النازحين السوريين.
كثيرة هي العناصر التي ساهمت في تورم وتضخم هذه المعضلة، لكنها كانت وصلت في الأيام التي سبقت أحداث غزة إلى نقطة متقدمة من الحماوة والتسخين، لدرجة أن اشتعالها كان سيقع بطريقة لا يمكن ضبطها أو محاصرتها.
صحيح أن التعاميم والتصريحات والتعليمات التي أطلقها وزير الداخلية بسام المولوي إلى البلديات، مع الشحنة العاطفية المبالغة والمنفوخة التي استخدمها في كلامه، وأعلن فيها الموضوع، قد أججت القضية بشكل مثير، كمثل الطلب من البلديات تقديم تقارير دورية وكل 15 يوماً عن أوضاع النازحين في نطاق كل بلدية، لكن هذه القضية كانت قد وصلت ولا تزال إلى مرحلة خطيرة.
لقد أصبح عدد النازحين السوريين في لبنان مسألة بالغة الخطورة، وتشكل -مع تفاعل التأثير الطبيعي للعامل الديمغرافي- حالة قلق وخطر جدي على أوضاع هذا البلد، نسبة إلى عدد السكان في لبنان وضعف دورته الاقتصادية المتهالكة والمريضة والمشوهة.
التحذيرات من الانعكاسات السلبية لتزايد وارتفاع عدد النازحين، ودورهم الاقتصادي والديمغرافي ليس مبالغة من قبل متخوفين. بل أصبح الأمر مع الموجة الأخيرة والموجات المحتملة المقبلة يشكل تهديداً فعلياً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في لبنان.
الذي فعله وزير الداخلية وبعض الأطراف المتربصة والمنتشية بالإثارة العنصرية، أنهم أشعلوا فتيل الأزمة لدرجة أن الأرض باتت ساخنة وملتهبة، وهي بانتظار الشعلة الأولى لكي تندلع النيران. وحادثة الدورة كانت كافية للإشارة إلى الخطورة التي وصلتها الاحتقانات المتبادلة.
المؤكد حتى الآن أن للنظام الحاكم في دمشق دوره في تأجيج وزيادة موجات النزوح في المدة الأخيرة، لأكثر من سبب وسبب. لكن المؤكد أكثر حسب المواقف المعلنة والوقائع المعروفة، أن النظام هو أول الأطراف التي لا تريد عودة النازحين لأسباب ديمغرافية ومخططات وطموحات معلنة، في السيطرة أكثر على النسيج الاجتماعي والسكاني في سوريا.
يأتي بعد النظام دور دول الغرب الأوروبي في التشجيع على بقائهم في لبنان، والسبب إبعادهم عن دول أوروبا الذين يميلون إلى استقبال النازحين من أوكرانيا ودمجهم أكثر من غيرهم لأكثر من سبب وسبب.
ليس مستبعداً أن النظام الحاكم في سوريا، قد يقدم مستقبلاً على استخدام وجود النازحين من الناحية الأمنية، بظل اختراقه لتجمعاتهم بطرق مختلفة وأساليب معروفة.
وقد كانت تجارب الانتخابات في سوريا واستخداماتها في لبنان، إشارات واضحة إلى اختراقات كبيرة لصفوف النازحين وتجمعاتهم وتوجهاتهم.
عملياً، لا يستطيع لبنان في ظل أوضاعه الراهنة العمل بطريقة جدية ومتماسكة لمواجهة معضلة النازحين والتعاطي معها بقوة ونجاح.
المعالجة بحاجة لحكم مستقر وإدارة حكومية راشدة وحكيمة بالحد الأدنى، لادارة ومعالجة موضوع النازحين. وهذا كله غير متوافر الآن ولن يكون ممكناً، إلا بعد انتخاب رئيس للجمورية يتمتع بالحد الأدنى من التوازن والقدرة على العمل والمعالجة الجدية.
آلة الحكم المستقرة في لبنان هي الوحيدة القادرة على طرح خطة متوازنة ومحكمة للتعاطي مع الموضوع، بالتوازي مع خطة تحرك عربية ودولية، انطلاقاً من الدوائر والدول المهتمة بلبنان، وصولاً إلى الدول الغربية والأوروبية تحديداً.
من دون رئيس جديد للجمهورية متزن ومتوازن، وقادر على قيادة توجه وخطة لمعالجة أزمة النازحين على مختلف الصعد، فإن الأمر شبه مستحيل.
حكومة تصريف الاعمال غير قادرة على قيادة وتنفيذ هكذا مسؤولية، وملف معقد ومتشابك.
النظام لا يريد عودتهم، وحزب الله غير متحمس لذلك على وجه الخصوص. إنه منتشر في مناطق متعددة، ومنها مناطق متاخمة للحدود اللبنانية السورية، والتي قاتل فيها وساهم في تثبيت مقرات ومرتكزات وقواعد ومصالح ونقاط عسكرية له هناك.
كادت المشكلة أن تنفجر مع النازحين السوريين، لو لم تنفجر أحداث غزة وتطيح وتحول الاهتمامات صوب الجنوب واحتمالاته المفتوحة في كل الاتجاهات.
السؤال المطروح الآن على كل شفة ولسان، هو هل يدخل لبنان الحرب المندلعة في غزة، وهل يشارك حزب الله الذي يقف على أهبة الاستعداد في المواجهة الدائرة؟
عوامل متعددة تشير إلى احتمال متقدم لمشاركة حزب الله في الحرب الدائرة، تقابلها عوامل أخرى تشير أن إيران والحزب لا يريدان المشاركة الآن، لأنهما يدركان تماماً المخاطر واحتمالاتها وسلبياتها.
للحزب حساباته المتعددة ولإيران أيضاً حساباتها المانعة واللاجمة.
ولهذا، فإن لبنان الذي "زمط" هذه المرة بالصدفة من انفجار أزمة النازحين، لا أحد يعرف إذا ما كان سيهرب بجلده طويلاً من أزمة المتحاربين الإقليميين في غزة وفلسطين.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|