لبنان أمام محنتين
الحرب المشتعلة في غزة والناتجة عن العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، أرخت بظلالها القاتمة على المشهد اللبناني، وقد يتطور القصف الإسرائيلي ليشمل كل الساحة اللبنانية بعد أن استهدف بمراحله الأولى بعض قرى وبلدات الجنوب. واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية والردود المحدودة عليها، ينذر باندلاع مواجهات لا يمكن التكهن بنتائجها، فإسرائيل لديها قدرات تدميرية كبيرة، وعدوانها يحظى بغطاء من دول كبرى متعددة، لكن إرادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية راسخة ومتماسكة، ولديهما وسائل رد متطورة ايضا.
العدوان الإسرائيلي يضع لبنان أمام محنتين؛ واحدة ناتجة عن الوضع الداخلي المتردي من جراء الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية وما يتفرع عنها من شغور في المؤسسات الدستورية، وأخرى ستحصل بسبب العدوان الإسرائيلي والحرب التي لا قدرة للبنان على تحملها، والدليل عدم اتخاذ أي إجراء استثنائي من قبل الحكومة في هذا السياق، بصرف النظر عن جهوزية المقاومة، وعما يمكن أن تؤديه من دور في مواجهة المحتل.
تختلف ظروف لبنان اليوم عما كان عليه الوضع إبان عدوان تموز للعام 2006، حينها كان هناك رئيس للجمهورية وحكومة متماسكة برئاسة فؤاد السنيورة، رغم الانقسام السياسي الواسع الذي كانت تشهده الساحة السياسية من جراء تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي العام 2006، كان للبنان أشقاء وأصدقاء يساندونه في مواجهته للحرب البربرية التي شنت عليه. لكن الوضع اليوم مختلف، فالحكومة مستقيلة وهي تصرف الأعمال بالمفهوم الضيق، ولا تسمح لها الخلافات الناتجة عن غياب رئيس الجمهورية القيام بواجباتها الضرورية لإدارة شؤون الدولة، نظرا لمقاطعة ما يقارب ثلث أعضائها للجلسات الحكومية. أما أشقاء لبنان وأصدقاؤه، فلم يعودوا على ذات الحال الذي كان عليه الوضع في العام 2006، وهم ممتعضون من التغييرات التي حصلت على سياسة لبنان الخارجية، والتي لم تكن لصالح حفظ العلاقات الطيبة التي كانت تربط لبنان بهؤلاء.
عادة ما تلجأ الدول التي تتعرض لخطر خارجي الى رص الصفوف الداخلية، لكن لبنان المهدد بأزمة مالية واقتصادية ويواجه عدوانا خارجيا، لم يبادر الى اتخاذ الحد الأدنى من التدابير التي تمكنه من التعامل مع المخاطر المحدقة، ولم تقم القيادات ا لسياسية المؤثرة بأي مجهودات تتناسب مع حجم التهديد. بينما إسرائيل المعتدية شكلت حكومة أزمة ضمت أقطاب من أقصى اليمين ومن أقصى اليسار بعد بدء الحرب، رغم وجود تباعد كبير بين هؤلاء، وأكثر بكثير من الخلافات التي تباعد بين الأطراف اللبنانيين.
التعاطف الشعبي اللبناني مع الفلسطينيين وعدائهم لإسرائيل، لا يكفي للتعامل مع انعكاسات الأزمة الماحقة. والتحضيرات الحزبية والأهلية لمواجهة أي نزوح سكاني ناتج عن تفاقم العدوان، غير كافية، خصوصا أن اللبنانيين منهكون من ثقل الانهيار المالي، وأموالهم محتجزة لدى البنوك، وهم غير قادرين على مواجهة الكارثة الناتجة عن الأعمال الحربية، وقد نقل بعض ممثلي الفعاليات الجنوبية هذه الهموم الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، والى قيادة حزب الله. والمناطق اللبنانية الأخرى التي لا تتخلى عن واجب احتضان النازحين - إذا ما تفاقم القصف الإسرائيلي - منهكة هي الأخرى، وغير قادرة على تحمل عبء الاستضافة، والمؤسسات الإنسانية الدولية والعربية تكاد تكون غائبة بالكامل عن الساحة، وبعضها منشغل في التعامل مع النزوح السوري الكبير، ومنه مستجد ولا مبرر أمني له.
التطورات السياسية والأمنية، تفرض على القيادات اللبنانية تغليب الحسابات الوطنية على الحسابات الفئوية والحزبية، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن. وهناك من يتمسك بمرشحه لرئاسة الجمهورية ولا يعير اهتماما مناسبا لما يحصل، في حين لا توجد فوارق كبيرة بين رؤى أي من المرشحين المتعددين، كما هناك من يرفض المساعدة في عدم وقوع قيادة الجيش في فراغ خطير، بينما ترفض أطراف أخرى مبدأ الحوار رغم ارتفاع منسوب الخطر.
ناصر زيدان - الأنباء الكويتية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|