دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
غزَّةَ بين المحابر والمقابر
"ليبانون ديبايت"- روني ألفا
ماذا تقول المحابر للمقابر. الحروف باتت كلها ممنوعة من الصرف. ليتها تُعَبَّئُ في براميل بارود فتتشظّى على الكلاب المسعورة. دخلنا عصر العظام المحروقة بالفوسفور. حتى الموت يستهيب الموت في غزة. لم يحدث ان واجهه أحد بكتابة جثمانه وشمًا فوق سيقان الطفولة.
هل سمعتم الغزّاويَّ الذي يقول من فوق ركام بيته انه سيبيت الليلة فيه؟ يكفيه أن يتخيَّل سريرَه ليخلدَ اليه. مع الفاتحة تحت مخدّته ستعجز كل قنابل المقاتلات عن إسكات صوت مؤذّن يؤدي صلاة الفجر من تحت الأنقاض.
هذه القدرة للفلسطينيين على إخراج السكاكين المسننة من الجراح المسنّة لا تحتاج الا إلى توما. أن يصدّق العالم جراح فلسطين بغرز الإصبع فيها لكن العالم " الحرُّ " يفضّل بترَ أصابِعه على غمسِها في الدم الفلسطيني.
غزَّةَ مجازة في صناعة التاريخ. صور وستالنغراد تلميذتان مبتدئتان في مدرستها. يتناسلُ اسكندر وهتلر على تخومها. يرغيان ويزبدان. تحترق غزة ولا تُختَرَق.
أطفال فلسطين يشيخون عند الولادة. منهم من لا يملك ترف المراهقة. في حناجرهم تسكن الفاتحة وفي أصواتهم أناجيل تغني. كل اطفال العالم يتعلمون التسبيح لله. فقط في فلسطين يسبّح الله لأطفاله العائدين الى حضنه السماوي. يتوافدون بالآلاف إليه. لأول مرة في تاريخ البشرية يُشاهَدُ الله متلبّسًا بالبكاء.
الليل في غزَّةَ بلا هزيع. تشرقُ القذائف صباحًا ولا تغيب مع غياب الشمس على شاطئها الرائع. المدينة التي ما زلت تشمّ فيها رفات جدّ الرسول في شباك الصيادين يصطاد مثاويها الحقد. لو استطاع لمثَّلَ بالجثامين. لكن غزَّة محروسة بمحمد ويسوع. هي أول مدينة تُشاهدُ فيها شمسان تتعانقان.
الموت في فلسطين على مسافةٍ سورة. يتحوّل الفلسطيني في غزة الى صورة اذا توفرت الجدران. لم يترك الهمج حيطًا تُعلَّق عليه صورة شهيد. يعلقّها الفلسطينيون على جدران الذاكرة. هناك لا تصل الصواريخ. ليس هناك من صواريخ بإمكانها تدمير الذاكرة.
هناك حيث هم؟ هناك حيث نحن أو ما تبقّى من هذا ال " نحن". مِنّا من يعدُّ القتلى. مِنّا من يعترض ويفضّل تعداد الشهداء. أهل غزة يثيرون صراعاتنا اللغوية بأشلائهم. يحملونها في الشنط المدرسية أو بأيديهم. يخاطبون موتاهم بلغة الحاضر. تنفّسي يا أمّي. انهض يا أبي. إستيقظي يا أختي. بين الضجيج والسكوت ينتحر الرجاء ويموت الأمل. شهداء غزّة أكثر عددًا من أشجارها.
العالم ايها الناس بلا آذان. بين صوت المومسات وأغاني الپوپ وأصوات أنين المدفونين تحت الأنقاض يفضّل العالم الدعارة والموسيقى.حتى حروب الصورة باتت فرعًا من الفنون الجميلة. يتبارى الفنانون والمصممون في تقنيات التفوق على العدو بحرب الصورة. لا بأس. صورة الحرب مهمة ولكن ماذا عن صورة الخوف من السماء؟ السماء في غزَّةَ تمطر فوسفورًا. أي صورة يمكن أخذها بين لحظة الحياة ولحظة الموت؟
فلسطين أقاربها عقاربها. حتى قصائد الرثاء باتت ممنوعة. التطبيع يمنع أي قافية رثاء. بيلاطس البنطي في كل مكان. يغسل يديه من دم هذا الصدّيق. طالما ان العالم يفضّل براباس على يسوع فلا بأس أن يُصلَب يسوع.
لا تنفع مئات الألوف في شوارع العواصم الغربية. يجب اقناع العرب أولًا أن فلسطين عربية. العرب الى جانبها بالناضور. لا أحد يريد رميَة ورد على إسرائيل. على فلسطين أن تقلّع شوكها بغزّتِها. سيجد العرب عند انتصار الدم على السيف وقتًا للتصفيق.
نحن في زمن الصَّلب. كل يوم هو جمعة عظيمة في غزَّة. كل أم هي الأم الحزينة. في هذا الزمن يفترش الغربُ كراسي مستطيلة كتلك التي تُفرَش على الشواطئ الرملية ويتفرجون على بحر الدماء. لون الدم أحبُّ اليهم من النبيذ. كل سجادة حمراء سيتلوّن به. سيدوسون عليها لافتتاح أفلام تمجّد حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وحق الفلسطيني في الموت طائعًا مختاراً. في السينما نشهد على سقوط رامبو. في غزّة على ارتقاء أبطالها وانتصار دمها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|