عربي ودولي

اسرائيل تسرق دموع الفلسطينيين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كأن عاراً كبيراً وقع على اسرائيل. حالة من الغضب الشديد والاحساس بالخذلان، أحاطت بحديث المواطنة الاسرائيلية، يوخيد ليفشيتس، التي أفرجت عنها حركة "حماس" يوم 23 اكتوبر الجاري. يبدو أنه أحداً من أصحاب القرار في اسرائيل لم يتوقع أن تتكلم تلك السيدة المسنة بعفوية تامة وصدق عن المواقف التي عاشتها وهي محتجزة لدى "حماس". أزعج المسؤولين الإسرائيليين كثيراً، أن تعترف بأنها تلقت معاملة جيدة من قبل الأعداء الذين تشتغل الماكينة السياسية والإعلامية العالمية، على رسم صورة مرعبة لهم، أكثر دموية وإجراماً، من تلك التي عرفها العالم عن "داعش".

انتَظروا، وكانوا يتمنون، لو أنها ادعت بأن أحد مقاتلي "حماس" تحرش بها، أو عاملها بخشونة، شتمها وقال لها أيتها العجوز الصهيونية المستوطنة في أرضنا، سأدفنك حية! لكنها وصفتهم بأنهم "كانوا ودودين جدًا معنا"، وأنها صدّقتهم، حين قالوا "إنهم يتبعون تعاليم القرآن، ولن يؤذونا"، لأنه يفرض عليهم معاملة الأسير بإنسانية، ولم تهمل العجوز التفاصيل الصغيرة المهمة "كانوا يهتمون بنظافة المكان حولنا، وهم من كانوا يقومون بتنظيف الحمّامات لا نحن"، وقدموا لها الدواء والطعام الذي يأكلون منه، والأمر الذي لا يقل أهمية هو، أن هؤلاء من بينهم نساء، يعرفن حاجيات النساء الأسيرات.

ثمة، في الغرب، مَن صدمته اعترافات السيدة الاسرائيلية، لأن قطاعاً من الرأي العام في أميركا وأوروبا وحتى الهند، يريد أن يصدق الرواية الاسرائيلية فقط، لأنها تسمح بأن يتسرب من ثناياها قدر كبير من الادعاءات المفبركة، بهدف طمس حقيقة ما حصل، وتركيب سيناريو كارثي للثأر من الفلسطينيين. لذلك، ضللت شبكة "سي أن أن" الأميركية متابعيها خلال تغطيتها المؤتمر الصحافي للأسيرة، وبخلاف التعمية على فحوى كلامها، بأن مقاتلي "حماس" أحسنوا معاملتها، وكانوا ودودين للغاية معها، فعنونت "سي أن أن" خبرها عن المؤتمر الصحافي بـ"الرهينة الإسرائيلية المُفرج عنها: عشت جحيمًا بعد اختطافي".

لكن هيئة البث الإسرائيلي فضحت المسرحية، عندما اعتبرت أن السماح للأسيرة بالإدلاء بتصريحات على الهواء مباشرة كان خطأ. إذن، كان يجب تلقينها النص الرسمي الاسرائيلي، الذي عممته هيئة البث على العالم، وهو عبارة عن اتهامات للمقاتلين الفلسطينيين بالوحشية، من دون براهين ملموسة.

ليس غريباً في هذه الأجواء أن يتعرض الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى حملة تنديد من قبل اسرائيل، ويرفض وزير خارجيتها إيلي كوهين أن يجتمع معه، بعد خطابه عن غزة في مجلس الأمن الدولي، الذي قال فيه " "دعوني أكون واضحًا: لا طرف في نزاع مسلح فوق القانون الإنساني الدولي"، وإن ما قامت به حماس "لم يحدث من فراغ".

كلام لم تسمعه اسرائيل منذ نهاية الحرب الباردة، ثمة من ذكّرها بأنها تضع نفسها فوق القانون الدولي، الذي يجيز للشعوب حق مقاومة الاحتلال. وعلى ذلك، رد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، بدعوة غوتيريش إلى "الاستقالة فورًا"، وكتب في وسائل التواصل الاجتماعي أن غوتيريش "ليس مناسباً لقيادة الأمم المتحدة"، التي حاولت من خلال صوت الأمين العام أن تطلق الزفرة الأخيرة.

لا مكان لرأي مختلف في اسرائيل، ولا في المساحة الأوسع من الميديا وتصريحات الطبقة السياسية العالمية. "حماس" إرهابية، ونقطة من أول السطر، وهذا هو السر وراء السؤال الذي طرحه عدد كبير من الصحافيين الغربيين على كل من حاوروه: هل تدين "حماس"؟ وكل من حاول تقديم إجابة لا تتضمن الإدانة، جرى تصنيفه في الضفة الأخرى. ومَن يتأمل العديد من القنوات التلفزية الأوروبية، يلاحظ الغياب التام للوجوه التي ظهرت في الأيام الأولى، وحاولت أن تقدم خطاباً معتدلاً، أو تظهر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني. هناك جوقة واحدة تتنافس على تأييد اسرائيل من الصباح الباكر وحتى آخر ساعات الليل، لا يعنيها القدر الكبير من الضحايا المدنيين الفلسطينيين في غزة.

كل ما في الأمر هو، أن اسرائيل تريد الانتقام لألف قتيل، أقل أو أكثر، سقطوا في السابع من اكتوبر، وليس من قبيل المصادفة، أنها لم تفصح حتى الآن عن هويات الجميع، وهو أمر سهل، طالما أنها عثرت على جثث القتلى، لكنها تركت الغموض يخيم على أعداد العسكر والمستوطنين والمدنيين، من أجل توظيف المسألة في الدعاية الإعلامية، التي تبدو الرواية فيها معكوسة. وبدلاً من أن يعرض الفلسطينيون صور الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، الذين يسقطون يوميا بالقصف الاسرائيلي للبيوت والمشافي ودور العبادة، سبقهم الاسرائيليون إلى ذلك، وبدا السفير الاسرائيلي في الامم المتحدة، وهو يعرض صور الاسرائيليين من ضحايا هجمات السابع من اكتوبر، كأنه يسرق مأساة الضحية الفعلية، كما قال محمود درويش
"سرقت دموعنا يا ذئب، تقتلني، وتدخل جثتي، وتبيعها،

أخرج قليلا من دمي، كي يراك الليل أكثر حلكة

وكي نمشي لمائدة التفاوض واضحين كما الحقيقة

قاتلاً يدلي بسكين، وقتلى يدلون بالأسماء".

كلما طال الوقت، كلما أخذت الرواية الاسرائيلية بالتفكك، حتى الإدارة الأميركية تتساءل عما سيحل بالشرق الاوسط والعالم، إذا تم تفويض اسرائيل بعملية عسكرية من دون قيود، تحت بند الدفاع عن النفس. ورغم أن الميديا والطبقات السياسية الحاكمة في عموم البلدان الغربية تؤيد اسرائيل، فإن قطاعات واسعة من الرأي العام تدرك أن ما يجري هو عبارة عن حرب تصفية للقضية الفلسطينية بقرار أميركي.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا