بين جرائم العدو وحق المقاومة... المشروع الأميركي على نار حامية
بعد دخول العدوان الإسرائيلي على غزة أسبوعه الرابع، تتضح معالم المعركة وطبيعتها بمعانيها وأبعادها وامتدادها على أكثر من جبهة، خاصة بالأهداف التي وُضِعت، وكعادتها "إسرائيل" تذهب بعيداً جداً بأهدافها لتصل في النهاية الى فُتات، أما لناحية المقاومة الفلسطينية وكل مَن يَسندها من جنوب لبنان الى كل محور المقاومة، فمهما تكن أهدافها تبقى واقعية لأنها مُسلَّحة بحقِّها الذي يبدأ باسترجاع أرضها...
من حيث طبيعة المعركة ومسارها، لا بدّ من التركيز بداية على جبهتين أساسيتين في الحرب، الجنوبية والشمالية، بحيث صار من الواضح الارتباط التصعيدي بينهما أي بين غزة وجنوب لبنان، إلا أن الأهداف التي يُراد تحقيقها من هذا الارتباط تحتاج الى شيء من تحليل المشهد الذي نراه أمامنا:
- الأمر الأول: بات من المعلوم أن وحدة العدو بين الجبهتين تَعني التأثر والتأثير المُتبادَل في مصير المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وإذا أخذنا وحدة العدو معياراً لمواقف أطراف المحور، فإن ذلك يؤثّر أيضاً في فهم موقفهم.
- الأمر الثاني: إن لجبهة جنوب لبنان خصوصية في التأثير بمجريات الأحداث في غزة، بسبب التَماس الجغرافي وقدرة المقاومة في لبنان على التأثير في إرادة القتال، واتخاذ القرار عند "الإسرائيلي". فإلى جانب الاستنزاف وإيقاع الخسائر في صفوف العدو، فإن المقاومة الإسلامية تؤدي دوراً في تشتيت القوّة العسكرية وتوزيع تشكيلاتها، حيث حشد جيش العدو ثلاث فِرَق لمواجهة تهديد الشمال.
- الأمر الثالث: إن العمليات القتالية في هذه الجبهة تُظهر جديّة الاستعداد لمواجهة خيار التدحرج، وتوسّع دائرة الحرب مع بقية محور المقاومة في وجه المحور الأميركي- "الإسرائيلي"، والتضحيات التي قدّمتها المقاومة في لبنان تؤكِّد هذه الحقيقة.
- الأمر الرابع: هو أن الرغبة في عدم توسيع الجبهة، تبدو مشترَكة بين محوريِ الصراع، المحور الأميركي ومحور المقاومة، إلا أن الاختلاف في تقدير أسباب التوسُّع هو العامل الحاسم في توسيع دائرة التقاتل، فالأميركي يرغب في عدم تحويل الصراع الى إقليمي أو دولي، ولكن مع إطلاق يد العدو الصهيوني في ارتكاب المجازر وفرض الحصار والضغط على المقاومة في غزة، بينما في المقابل فإن رغبة محور المقاومة في عدم توسيع دائرة الصراع مشروطة بلجم العدو وقدرة المقاومة في فلسطين على الصمود ومنعه من تحقيق أهدافه..
أما لناحية تطوّر الأمور في سياق تحقيق الأهداف، فإن العدو يسعى الى زيادة الضغط من خلال القوّة التدميرية، وتشديد الحصار من خلال منع المساعدات وتضييق فُرص النجاة من خلال ضرب المستشفيات، وتسجيل إنجاز محدود في التقدّم البري، بهدف ترميم صورته بعد الصفعة التي تلقّاها في السابع من تشرين. وفي مقابل ذلك ترتفع حدة العمليات ضد القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا، وتتكرّر عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات من اليمن وجنوب سوريا، وتستمر العمليات المؤذية للعدو في جبهة جنوب لبنان، في الوقت الذي تُحافظ فيه المقاومة الفلسطينية على قدرتها في إطلاق الصواريخ، واستهداف تجمعات العدو وتصعيد المواجهات في الضفة، ويترافق كل ذلك مع اتساع دائرة التضامن الشعبي في دول العالم. وهذا الأمر يُشكِّل حرجاً متزايداً عند صاحب القرار "الأميركي" ، وهو الحريص على أمريْن: أولوية الإفراج عن الأسرى في غزة وترميم صورته المتضررة بسبب ظهوره كسَند رئيس للجرائم الصهيونية.
هناك ثلاثة سيناريوهات لتحقيق "الأهداف الإسرائيلية":
- السيناريو الأول: احتلال قطاع غزة بشكل كامل، وهذا مستبعد نظراً لما يَحمله من نتائج وتداعيات على صعيد حجم الخسائر ومصير الأسرى والرأي العام العالمي، وتدخُّل محور المقاومة.
- السيناريو الثاني: عملية توغل محدودة يسعى من خلالها العدو الى تثبيت بعض المواقع وتفجير بعض الأنفاق، وزيادة الضغط من أجل التفاوض بشروط تُناسبه، وهذا السيناريو ينسجم مع السعي والجهد الذي يقوم به الأميركي لوضع تصوُّر سياسي لِما بعد الحرب، ويعمل مع مصر والإمارات على فكرة تحويل غزة الى الوصاية المصرية، وتأمين الدعم المالي من قِبل الإمارات بعدما فشلت فكرة تهجير أهل غزة الى سيناء.
وتستفيد أميركا في مشروعها السياسي المقترَح من حجم التخاذل لدول التطبيع العربي، وعداوتها لفكرة المقاومة و"الإخوان المسلمين" بالتحديد، وهذا ما يُرشِّح السعودية والأردن لكي يكونوا شركاء في تأييد المشروع الأميركي. إلا أن هذا المشروع غير ناضج حتى اللحظة وغير واقعي لأنه متوقف على أمريْن: الأول، القضاء على حضور حماس في غزة، وهذا الهدف يبدو مستحيلاً. والثاني: على موقف محور المقاومة في اللحظات الحرجة لحسم المعركة، فليس من المعلوم امتلاك الأميركي القدرة على التنبؤ بخيارات المحور، في حال وصلت الأمور الى مرحلة رسم المشهد السياسي لمصير غزة.
- السيناريو الثالث: هو الحرب الطويلة أي انتظار تحقيق هدف كاغتيال أحد قادة المقاومة داخل القطاع، واعتبار ذلك عملية ثأر للسابع من تشرين.
من هنا، يمكن القول إن هذه الحرب مُرشَّحة للاستمرار مدة زمنية طويلة بحدودها الحالية، لكن هذا لا يُلغي الاحتمالات الأخرى، وبخاصة التي تتعلّق بتدحرجها لتتحوّل الى حرب إقليمية بخطوات غير محسوبة من "الإسرائيلي"، إلا أن تَعدُّد الاحتمالات على اختلافها بمسارها وتداعياتها يُعتبر مِن أهم أسباب الإرباك والعجز الذي تواجهه حكومة نتنياهو والمجتمع الصهيوني بأكمله، الذي تَبرز فيه تدريجياً أسباب التفكك الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وبالتالي تفكك الكيان وصولاً الى إنهائه...
مريم نسر -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|