الصحافة

تصعيد "الحزب" جنوباً يتدرّج بعد إطلالة نصرالله

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ما ان انتهى الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بعد ظهر الجمعة الماضي من إلقاء كلمته، حتى سرت مناخات تقول إن ثمة شعورا بالخيبة طاول الذين راهنوا على ان يعلن الدخول التام والمفتوح في المعركة الضارية الدائرة مع الجيش الاسرائيلي في غزة من خلال اعطاء الامر بفضّ الأقفال على ترسانات الحزب من الصواريخ النوعية البعيدة المدى لتنطلق في اتجاه عمق فلسطين المحتلة إيذاناً بانطلاق المعركة الفصل التي طالما وعد وبشّر بأن ساعتها آتية مهما تأخر الوقت. ولاريب في ان شعور الخيبة عينه تسلل ايضا الى الذين انتظروا منه ان يعلن الانكفاء والانسحاب بسلاسة من هذه المعركة حرصاً على لبنان الذي دفع الثمن سلفاً.

فالرجل بكلامه الذي تعمّد ان يكون مغلّفا بإبهام ومكتنفا بالغموض والايحاءات والرسائل المشفرة، ما أعطى الطمأنينة لشريحة الخائفين الواسعة ورسّخ الثقة في نفوس المطمئنين. وهذا سلوك طبيعي لأصحاب الإحاطة الشاملة. ومعلوم انه قبل نحو 12 ساعة من الموعد المعلن سابقا لخروج نصرالله بعد احتجاب طوعي، كثرت التساؤلات والتكهنات حول اسبابه، صعّد مقاتلو الحزب الهجمات على نحو غير مسبوق من الوضع الساخن على طول الحدود الجنوبية للبنان، اذ استهدفت نحو 19 موقعا ونقطة عسكرية اسرائيلية. واعلن الحزب في بياناته انه اقحم مسيّراته للمرة الاولى في المعركة.

وبعد اقل من 24 ساعة على تلك الاطلالة للسيد نصرالله، كان هؤلاء المقاتلون يبادرون ايضا الى تصعيد اعلى في هجماتهم الميدانية مدخلين سلاحا جديدا في ميدان المعركة هو صاروخ "بركان" المتوسط المدى والذي تبلغ زنة حمولته من المتفجرات نحو 400 كيلوغرام ويصل مداه الى نحو 20 كيلومترا. وتلك مواصفات صاروخ متطور هو دون الصواريخ البعيدة المدى، لكنه بالتأكيد صاروخ دقيق ذو فاعلية تزيد بأضعاف عن فاعلية صواريخ "الغراد – الكاتيوشا" في احدث نسخها، فضلا عن ان الحزب لم يستخدم مثل هذا الصاروخ في اي مواجهة سابقة مع الاسرائيليين ومنها حرب تموز عام 2006.

ولقد كان واضحا ان هذا التطور الميداني، الذي اسهب الخبراء العسكريون في الحديث عن مخاطر ادخاله الى المواجهة في هذا التوقيت، ينطوي على بُعدين استراتيجيين:
الاول، ان الحزب شاء ان يكون استخدامه واظهاره بمثابة رسالة ميدانية الى العقل الاستراتيجي الاسرائيلي تحديدا، فحواها ان إدراج هذا السلاح في التداول الميداني يراد منه إحداث ثُغر في التدشيمات والتحصينات الاسرائيلية الممتدة على طول الحدود الجنوبية (تبلغ نحو 106 كيلومترات) لكي يكون بامكانه كشف القوات الاسرائيلية والتعامل معها وجهاً لوجه.

ومعلوم ان هذه التحصينات المتنوعة (جدران اسمنتية عالية ومواقع مزودة بقوة نارية كثيفة والغام ومسيّرات واجهزة رصد متطورة...) والتي بذلت اسرائيل جهودا كبيرة منذ اعوام لانشائها واشادتها، قد اثرت بشكل سلبي على حركة مقاتلي الحزب والحقت بهم خسائر فادحة وأمّنت في المقابل حماية للجنود وللآليات العسكرية الاسرائيلية.

وكان واضحا ان القيادة الاسرائيلية قد سارعت الى اقامة هذه التحصينات والدفاعات المتطورة ردا على تهديدات الحزب الدائمة بيوم يقتحم فيه مقاتلوه منطقة الجليل الاعلى المحاذية للبنان والدخول الى مستوطنات تلك البقعة الجغرافية.

الثاني، ان الحزب بهذا الاداء الميداني شاء ان يؤكد للاسرائيلي والاميركي على حد سواء امرين اساسيين:

- صحة ما قاله الامين العام للحزب من ان كل الاحتمالات على الجبهة اللبنانية مفتوحة وكل الخيارات عليها قائمة وواردة، وان اطلالته الاخيرة لا تعني قفل هذه الحدود وسد أبواب المواجهة.

- ان الحزب بعد اطلالة سيده مازال كما كان قبل هذه الاطلالة، ينفذ تصعيدا مدروسا، لكنه تصعيد متدحرج ومرهون بمسار التطورات الميدانية في غزة وقطاعها.

وبمعنى آخر، بات الحزب يعتقد انه نجح في الساعات الماضية في ان يثبت ميدانيا خطأ كل التقديرات التي راجت عن ان تراجع السيد نصرالله عن اعلان المشاركة التامة في الحرب المفتوحة والمباشرة في غزة كما كان مترقبا، لا يعني بالضرورة الانسحاب من موجبات المواجهة الدائرة منذ نحو شهر، ولا يعني ايضا ان الحزب قد ترك حركة "حماس" واخواتها وحيدة في الميدان.

واكثر منذ ذلك، يعتبر الحزب انه قطع خلال الساعات الماضية شوطا متقدما في التمهيد الميداني لتدخّل اوسع واعمق واكثر تأثيرا في فصول المواجهة من خلال اسقاط الدفاعات التي امضى الاسرائيليون نحو 10 اعوام وهم يبنونها لتكون درعا وحصنا آمنا.

في المبدأ يظهر الحزب انه ما زال ملتزما قواعد الاشتباك القائمة على التراشق والاستنزاف والمشاغلة، لكنها في العمق خطوة متقدمة تأتي ترجمة عملانية لمضامين خطاب نصرالله والتي اعلن انه ماض فيها حتى وإن بلغت الامور حد التصادم المباشر مع الاميركيين انفسهم، وهي ترجمة ايضا لما قاله عن ان الوضع على الحدود الجنوبية مرتبط مباشرة بتطورين اثنين: المسار الميداني في غزة والموقف على الحدود الجنوبية.

وعلى نحو أدق فان الحزب مضطر الى ان يصعّد لكي يؤكد مقولة سيده من ان امرا وحيدا يحول دون تطور الامور في المنطقة نحو حرب اقليمية وهو وقف العدوان على غزة، وهذا يعني ان كل الاحتمالات واردة مادام هذا العدوان متواصلا.

ويدور في الاروقة السياسية ذات الصلة بالحزب انه ابلغ الى وسطاء انه بات يعتقد ان مهلة اسبوع كافية لتحقيق وقف للنار وانه لا يضمن تحولات الموقف اذا لم يتحقق وقف النار خلال هذه المهلة الزمنية. وعليه فان المصادر عينها تضع في حساب الاحتمالات ان يلجأ الحزب خلال الاسبوع الطالع الى مزيد من التسخين للاوضاع على الحدود، وهو قد أعد العدة لذلك.

وتؤكد المصادر عينها ان ثمة دوائر في الحزب ترصد بدقة الكلام والحراك الاميركي حيال الوضع في غزة، وهي ترى ان الكلام الاميركي المتكرر اخيرا عن "الهدنة الانسانية المقرونة بوقف للنار" هو في حد ذاته تجاوب غير مباشر مع ضرورة وقف النار مقدمة لمنع اتساع دائرة المواجهات وتحوّلها الى حرب اقليمية يقيناً من الحزب ان الاميركيين يأخذون على محمل الجد ما يرد في كلام نصرالله لأنهم يعرفون ان الرجل يملك الامكانات والقدرات، كما يملك التصميم.

باختصار، يبدو ان الحزب يستشعر ان ما بعد خطاب سيده امر آخر مختلف ومسار متغير انطلاقاً من اعتبارين اثنين: جدية الكلام بان "محور المقاومة" لن يقبل بفرضية اسقاط غزة او سحق "حماس"، وان نصرالله ما كان تجشّم عناء الظهور بعد 26 يوما على بدء عملية "طوفان الاقصى" إلا لانه صار على بيّنة تامة من ان ثمة مرحلة جديدة قد بدأت.

"النهار"- ابراهيم بيرم

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا