خطة سرّية لتعطيل التحقيق في اختلاسات “مصرف لبنان”
Mediapart
وفقاً لوثائق ضُبطت في باريس، كان مقربون من رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان المركزي، يخططون لدفع مبالغ تصل إلى 20 مليون يورو لتعطيل التحقيق الذي استهدفه بجرائم تبييض أموال، ولاستبدال القاضي.
كارل لاسك
هي خطة سرية موجودة في خزنة محكمة الإغلاق، عثر عليها رجال الشرطة أثناء تفتيش منزل ماريان الحويك، وهي شخصية مقربة من رياض سلامة، في باريس (شارع دو ميسين، الحي الثامن)، في 26 حزيران/ يونيو الماضي.
الخطة التي كُتبت في نسخ عدة بخط يد الموظفة السابقة في مصرف لبنان، تهدف إلى تعطيل تحقيق القضاة الفرنسيين حول رياض سلامة المشتبه بقيامه باختلاس وغسيل أموال منذ تموز/ يوليو 2021 من قبل القضاء الفرنسي، والذي يواجه حالياً مذكرة توقيف دولية.
كان هدف المشروع الاستثنائي “تخريب الملف”، “نقل القاضي” و”وقف أي ملاحقة لبنانية أو فرنسية” ضد المصرفي والمقربين منه، و”الحصول على سحب الموافقة” من المنظمة غير الحكومية Sherpa، مقابل دفع مبالغ هائلة إلى وسطاء محتملين.
اعترفت الحويك (43 سنة)، الموضوعة قيد التحقيق في قضية “تكوين جمعية أشرار” و”غسيل الأموال الجماعي” التي تعود إلى تاريخ 26 حزيران/ يونيو الماضي، بكتابة هذه الملاحظات باللغتين الفرنسية والإنكليزية، وبأنها “قدمتها إلى الحاكم”، لكنها أشارت إلى أن هذه المشاريع لم تتم متابعتها.
“مشروع فساد”
بدأت الحويك بالعمل في مصرف لبنان عام 2006، وعُيِّنت كمديرة للمكتب التنفيذي للمصرف اعتباراً من عام 2008، وبراتب شهري قدره 12,000 دولار. وأصبحت اليد اليمنى لرياض سلامة، واستقرت في باريس اعتباراً من عام 2020.
واستند المحققون إلى مذكراتها التي صُنفت كـ”مشروع فساد” من المحققين، نظراً الى الدفعات المالية المذكورة.
وفي وثيقة أولى، تكتب الحويك أنه يتوجب دفع “3.5 مليون” – لم يتم تحديد العملة – في شهر حزيران 2022.
يتوزّع هذا المبلغ لإنجاز ثلاث مهام:
الأولى، “وعد بتغيير القاضي (1 مليون)”، الثانية، “وعد بتسريع القضية في ليون لصالحنا (1 مليون)” (وكان سلامة قد رفع دعوى ضد X لاتهام كاذب في ليون)”، والثالثة، “رسوم مدفوعة مقدماً في أيار/ مايو 2022 قبل الاتفاق الرسمي الذي تم عقده في آب/ أغسطس 2022 (1 مليون)”، بالإضافة إلى “رسوم متنوعة” بقيمة “0.5 مليون”.
“في آب 2022، يتوجب دفع مبلغ “1.350 مليوناً” – منها “0.350 مليون” لـ “رسوم متنوعة” مقابل “وعد بوقف أي ملاحقة لبنانية أو فرنسية بأي وسيلة (محاكمة، اتصالات قضائية، معلومات قد تضر بقضيتنا) في بيروت أو في باريس”، كتبت الحويك.
حتى 11 أيلول/ سبتمبر 2022، تقدمت الحويك بتقرير حول “اتفاق لمدة 6 أشهر يتوقف على التسليم: دفع مليونين كل 15 من الشهر لمدة ستة أشهر”. ثم، في 15 أيلول، تم تنفيذ هذا الاتفاق للمرة الأولى: “الدفع الإجمالي الأول 2.6 مليون”، بما في ذلك “تكلفة مليونين شهرياً في أيلول” و “0.6 مليون كمصاريف متنوعة”.
ووفقاً لحسابات المحققين، كانت ميزانية إجمالية مخططة بقيمة 20.45 مليون. ووفقاً للحويك، بدأت العملية في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أثناء غداء مع “مجموعة” غامضة، أعضاؤها معرفون بأسماء الأشخاص الأولى: “أوليفيا، كريستوف، ولوران”. يبدو أن اثنين من الوسطاء، “ه” و “و”، متورطان في العملية.
في مذكرة مؤرخة في 9 أيلول 2022، تلخص المصرفية “محاور” المهمة على النحو التالي:
“المحور رقم 1: نقل القاضية من خلال ترقية. سيتم إعطاء اسم القاضي الجديد قبل 15 يوماً من التعيين. سيتم تعيين القاضي الجديد في تشرين الأول/ أكتوبر. […] المحور رقم 2: تغيير أولويات النيابة العامة. […] المحور رقم 3: تخريب الملف. […] النهج هو إسقاط مصداقية المحاكمة من خلال مجموعة من الشوائب في الإجراءات […] يجب أن تكون الطريقة التي يتبعها المحامي هي مهاجمة الشكل وليس المضمون”.
الأولوية التالية هي إضعاف الأطراف المدنية، خصوصاً المدعية الأولى، وهي منظمة Sherpa . المحور رقم 4: سحب الاعتماد (الموافقة) من Sherpa […] الآن. هذه عملية معقدة، لكنهم قد فعلوا ذلك سابقاً”.
خلال استجوابها من القضاة في 30 حزيران الماضي، حددت الحويك فقط أحد الوسطاء، السيد “و”، وهو سياسي اتصل بالحاكم وقال له “يمكنني مساعدتك في فرنسا لتخفيف الهجوم عليك، سواء كان قضائياً أو سياسياً، على جميع الصعد، ولدي اتصالاتي”، قالت الحويك خلال جلستها أمام القاضي. “قال لي الحاكم: لماذا لا نتحدث معه لنرى ما يريد؟”.
“هذا السيد هو وئام وهاب”، أوضحت. وئام وهاب، صحافي سابق، شغل بشكل مؤقت منصب وزير البيئة في لبنان، ومعروف بكونه مقرباً من المخابرات السورية، وأسس حزباً موالياً لسوريا، وهو تيار التوحيد العربي.
“اتصل بي عندما كنت في باريس منذ آذار/ مارس 2022 حتى كانون الأول/ ديسمبر 2022″، أضافت الحويك. “في كل مرة يتصل بي، كنت أكتب كل ما يقوله. لقد قمت بتدوين خطة العمل التي اقترحها، والمبالغ التي يجب دفعها، ولكن توقف ذلك عند هذا الحد”.
القاضيان أود بوريسي وكليمانس أوليفييه لا يوافقان على هذا التفسير، ويسألان المصرفية: “جزء من المذكرات يتعلق باستراتيجيات إغلاق، تخريب، وتدمير الملف، بخاصة من خلال ضمان نقل القاضية مقابل مليون يورو. تتم الإشارة إلى مدفوعات متنوعة مقابل إيقاف الإجراء الحالي. هل يمكنك شرح ذلك؟”.
“يأتي ذلك في السياق نفسه”، أجابت الحويك. “أي أنني على الهاتف، أكتب كلمة بكلمة كما قال لي، وأنقلها إلى الحاكم. ليست هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها الأشخاص لتقديم المساعدة في هذا الشأن”. وأمام القاضي، تؤكد الحويك أن هذا الأمر لم يسفر عن أي نتيجة. “قلت للحاكم إنها أشياء فارغة”.
مع ذلك، كتبت مستشارة رياض سلامة في مذكراتها، عبارة paid till now أي مدفوع حتى الآن، قبل أن تقوم بسرد جزء من المبالغ: 3 ملايين + 0.5 مليون (حزيران) ومليون + 0.350 مليون (آب). “العبارة ‘مدفوع حتى الآن’ كانت تشير إلى ما يجب أن يتم دفعه وليس إلى ما تم دفعه بالفعل”، حاولت أن توضح. لقد قمت بتسجيل الملاحظة، ولكن لم يتم دفع أي شيء”.
“أين الوعود؟”
وفقاً لرسائل نصية تم تقديمها في الإجراءات القانونية، كان رياض سلامة، الذي غادر منصبه في تموز الماضي، يأمل بأن تكون التحقيقات قد تعطلت. في 13 أيلول/ سبتمبر 2022، أرسل الحاكم رسالة عاجلة إلى مروان خيرالدين، مدير بنك “الموارد”، الذي تم وضعه قيد التحقيق أيضاً في القضية في نيسان/ أبريل 2023، قائلاً إنه يشعر بالقلق من أن يتم إرسال أوراق قضائية فرنسية إلى بيروت.
“مساء الخير، آسف لإزعاجك،” يكتب رياض سلامة. “هل يمكنك من فضلك تحويل هذه الرسالة إلى صديقنا. لقد علمت أن ملفاً مكوناً من 30 صفحة أرسله القاضي الفرنسي إلى لبنان. حوّله وزير العدل إلى عويدات (غسان عويدات، النائب العام لدى محكمة التمييز). ردَّ عويدات وأرسله عبر وزارة الخارجية إلى القاضي. أين الوعود والتعهدات؟”.
يجيب مروان خيرالدين: “نعم فوراً”، ثم يكتب: “إنه (الصديق المشار إليه أعلاه) يعتقد أنه يتعلق بالملف الذي ننتظر نسخة منه في الأيام المقبلة. على أي حال، سيتصل بباريس غداً لإعلامنا بالأمر”.
يرد رياض سلامة قائلاً: “يُرجى إخباره بأن الملف قادم من فرنسا. جاءت الإجابة من لبنان. كان التعهد بأنهم لن يتركوا ملفاً يأتي من فرنسا”. تبدو واضحة هنا نيّته إذاً بعرقلة الإجراءات.
الصديق المشترك بين سلامة وخيرالدين، والذي من المفترض أن يمنع وصول الملف إلى لبنان، هو السيد “و” والذي زوّد الحويك بالمعلومات، أي وئام وهاب. “وئام ومصادره قالوا لرياض سلامة إن كل شيء قد تم حله”، كما قال خيرالدين خلال التحقيق في 14 نيسان الماضي. “أعتقد أنه كان يرغب فقط في جني بعض الأموال”.
وفقاً لخيرالدين، اتصل وهاب شخصياً بحاكم المصرف المركزي ليقول له إنه قد “وجد مساراً لحل كل شيء”، “كل المشكلات القانونية في فرنسا ولبنان”. خيرالدين قال إنه لم يصدق ذلك كثيراً، وإن وهاب “لم يكن جاداً”، ولكن كانت لديه “مصادره”.
“كل ما قلته لرياض سلامة، نقلته عن وئام، لكنني كنت لا أثق فيه، لذلك واصلت ربط رياض سلامة بوئام حتى يتسنى لي القول للحاكم أن ينسى وئام لأنه لن يستطيع فعل شيء”، قال خيرالدين.
في الواقع، لم تتحقق الخطة على أي حال، ولم تمنع نقل الملف إلى لبنان، أما القاضية التي كانت الهدف الرئيسي للمؤامرة، فظلت في منصبها.
“ميديا بارت” سألت وهاب عن حقيقة تورطه في هذا المشروع، ونفى بدوره أي تورط فيه، وأكد أنه “نصح رياض سلامة بتغيير محامييه، لتوظيف مكتب محاماة أكثر براعة”، وهذا كله من خلال الوسيط خيرالدين.
رفض سلامة في ما يبدو “المقترح”، “إلا أن باقي القصة تشبه فيلماً هندياً رأيته للمرة الأولى”، يقول محامي رياض سلامة في باريس السيد بيير-أوليفييه سور، “بصرف النظر عن رياض سلامة، لم ألتقِ بالأفراد المذكورين أبداً، ولم ألتقٍ ماريان الحويك في حياتي أيضاً”.
“إن مثل هذه العملية لا يمكن أن تثير سوى الاستنكار”، قال أوليفييه سور. تحت تهمة إصدار مذكرة اعتقال دولية، لم يتم الاستماع إلى الحاكم السابق من قضاة التحقيق، أكد المحامي. يُفترض أنه بريء، وكذلك الحويك وخيرالدين.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|