أتخافون سكاكين الصوت العالي وحروب الحبر؟ (عيب)

ونصدّق وتُصدّقون بعد بأنّ أرضنا اللبنانية هي أرض الله وأول لثغة للرسل والأنبياء كانت فوقها حيث تشبك القاراتُ يديها بين الشرق والغرب فوق رؤوسنا لتثبت للدنيا بأنّ مفاصل التاريخ والحضارة وُلدت في لبنان بوّابة العالم الوحيدة على الدنيا؟

يا للبلاهة!
أيّ بابٍ وبوّابة لطالما بلدنا ساحات لا سياج لها لا من شوك ولا من ألسنة ولا من حديد... ساحات حبر وألسنٍ مائعة مستباحة...
وللساحات أعباؤها في التاريخ.
رؤساء العالم الشرقي والغربي ومبعوثوهم وسفراؤهم وقناصلهم يضحكون علينا ويتندّرون بتقاريرهم بشأننا فيتناقلون أخبارنا وبساطتنا وضمورعقولنا الضامرة وقد لا يرون فينا سوى قشور شعوب تلتذّ بالرقص في وحل التاريخ.
يقع لبنان بمئة رأس ورئيس وسط قاعات الأمم كلّها فالشاً عجزه عن تعيين رئيس جمهورية يسمح لنا بتأليف حكومة أصيلة بحكّة جسده كما يحصل في الدنيا. يبحث عن مقعدٍ يلقي فوقه جنب شعوبه المتعبة الجائعة البائرة بحكّامها بخشبهم اليابس ورؤوسهم المشقٌّقة بالعناد المذهبي الصوّاني.

المقاعد مشغولة كلّها وكلّهم رهائن حركات السبّابات وأوامر الخارج بالهمس. لم ولن يتحرّك في المكان أحد من مطرحه. يسود الضحك. ويحمرّ اللبنانيون البسطاء ومعظمهم بسط منبسطة مبسوطة أمام الزعماء... يتلبّكون.. إنتظروا وسينتظرون وسيبقى لبنانهم هذا باسطاً يديه واقفاً في الوسط ذليلاً يستعطي الخارج. سيبقى يرقص أضحوكةً في الوسط مع هؤلاء، مع أنّ نصفه قد سقط مهترئاً لشدّة الخجل والإحتقار والإنكسار.
أنّنا شعب مختوم بخاتم عشواء ومسكون بهواجس هولاكو.
فكيف ينبت الوطن؟
لا تبحثوا عن حكومات وحلول من الخارج
بل من داخل عقولكم وقلوبكم، ولو زحفت مبعوثات ومبعوثو الدنيا تحت أرض لبنان... وحتّى بحثاً في أرحام نسائكم.
أنتم من أمر بصلب المسيح وقتله وتنتظرون من بعده أن يقوم من القبر لبناء لبنانكم المسيحي؟ يضحك الحبر وأحفادكم منكم!

لقد "هشّلتم" بناتنا وأولادنا وأجيالنا من "لبّ" نعم قلبّ لبنان وأقمتم وستبقون في جوفه تتناهشون الكراسي والمآسي، ونحن ننتظر أن ييبس هذا الدم المسيحي وغير المسيحي أيضاً بين شخصين أو أكثر نزولاً نحو ذرياتهم المبعثرة.

الحبر يخاف الصلب لأنّه دم السمكة ولدت في البحر حرّةً.
نعم الحبر يعشق صلبكم لأنّ دم المسيح الذي يهرق عنكم فشل لمغفرة خطاياكم التي لوّثت الأرض والسماء.
أسمعتم بالمسيح وتنظيفه للهياكل يا زعماءنا في لبنان؟
إيّاكم ترك التباغض والتقاتل والتحقير والسباب وتهديم لبنانكم الذي تدّعون متباهين بأنه لكم ومنكم لكنّه: صدّقوني... انزلق نحو الجحيم منذ ما قبل التاريخ الميلادي للمخلّص المدمّى المرفوع أمامكم على الصليب يا أحفاد بيلاطس البنطي. والله... بيلاطس بان أرحم من جحودكم أيّها... الجبابرة.

لقد "هشّلتم" أجيالكم من لبّ لبنان وأقمتم في جوفه تتناهشون.
لكن... مع الفجر،
وبانتظاري فجر كلّ إثنين، تبدأ المخيّلة رياضتها ورسم خرائطها في انطلاقات الحبر. تتألّق الأفكار لكنّها تتعثّر بالمحيط الوطني الحافل بالأشرار، فتصبح الكتابة عشوائيّة وخيفة. عشواء تتأخّر بالنوم ومع أوّل خربشة قلم، تفتح جفونها، فتختبيء الكلمات المنتظمة المهذّبة في أصدافها، وتصبح الكتابة رغيفاُ يابساً مثل السكاكين. يوم تأكله ويوم هو يأكلك أو يقتلك، كما يحصل في منتديات الشوارع الجائعة في لبنان.
وأروح أتسلّى بالأقلام المصفوفة أمامي تتطلّع نحوي من كأسٍ فارغ، فإذا الحبر بحر والبحر رحبّ صامت يبرح بعيداً من الشواطىء وإذا الحبر حرب ترتفع فيها المشانق وتسحل الأجساد ويخطف المارة ويُنهبون عشوائيّاً وفقاً للحواجز العشوائية التي تملأ الزوايا. الدكتور نسيم الخوري