في حال تحرير سعر الصرف: معضلة في سداد ما تبقّى من قروض على القطاع الخاص
تابعت التسليفات الممنوحة من المصارف للقطاع الخاص بالعملات الاجنبية تراجعها إلى حوالى 7,9 مليارات دولار في نهاية أيلول 2023، وفق تقرير جمعية المصارف، موزعة بين 6,8 مليارات دولار للقطاع الخاص المقيم ومليار دولار للقطاع الخاص غير المقيم. بالمقارنة مع 8,1 مليارات دولار في نهاية آب 2023 و10,2 مليارات دولار في نهاية كانون الاول 2022. علماً انها كانت قبل اندلاع الازمة في 30 ايلول 2019 تبلغ 38 ملياراً و296 مليون دولار، لكنها تقلّصت تدريجيا منذ اندلاع الازمة في تشرين 2019 بسداد معظمها بالعملة المحلية وفقاً لاسعار صرف مختلفة تقلّ كثيراً عن سعر السوق الموازية، الامر الذي تحاول ان تستدركه الحكومة مؤخراً بعد فوات الأوان لتعود وتقترح بعد 4 سنوات فرض ضريبة على من سدد قروضه على اسعار صرف أقلّ من قيمتها الحقيقية.
جزء يسدد بالدولار
وكان مصرف لبنان وبدءاً من شباط 2023، فرض بموجب التعميم الوسيط رقم 656 الصادر بتاريخ 20 كانون الثاني 2023 ان يسدد المقترض غير المقيم دينه بالدولار النقدي بهدف تحصيل ما تبقى من تسليفات لغير المقيمين بالعملة الاجنبية.
204 تريليونات ليرة
ومع ما تبقى من قروض ممنوحة للقطاع الخاص، تكون نسبة التسليفات بالعملات الاجنبية إلى الودائع بالعملات الاجنبية قد بلغت 8,6% في نهاية أيلول 2023. ولدى احتساب قيمة التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص المقيم بالعملات الاجنبية، على سعر الصرف الرسمي المعتمد في القطاع المصرفي (15 الف ليرة) تصبح قيمتها توازي بالعملة المحلية 103.5 تريليونات ليرة، تضاف اليها تسليفات القطاع الخاص غير المقيم التي تحتسب وفقا لسعر صرف السوق (89000 ليرة) اي حوالى 89 تريليون ليرة، والتسليفات الممنوحة للقطاع الخاص بالليرة البالغة 12496 مليار ليرة في نهاية أيلول 2023، لتصل القيمة الاجمالية لتسليفات القطاع الخاص لدى المصارف الى حوالى 204.996 تريليونات ليرة.
التسليفات المستعملة
ووفقا لتلك المعادلة، تكون تسليفات القطاع المالي المستعمَلة ارتفعت بنسبة 311.49% سنويّاً مع نهاية الفصل الأوّل من العام 2023 لتتجاوز عتبة الـ204.55 تريليون ليرة، مقابل حوالى 49.71 تريليون ليرة في الفترة ذاتها من العام 2022 بحيث أدّى تغيير سعر الصرف الرسمي في شهر شباط إلى تضاعف القيمة المعادلة بالليرة اللبنانيّة للقروض المعنونة بالدولار الأميركي بتسعة أضعاف، وفق تقرير بنك الاعتماد اللبناني الذي اشار الى التسليفات المستعمَلة الحائزة على تخفيضٍ من الإلتزامات الخاضعة للإحتياطي الإلزامي بلغت 163.6 تريليون ليرة وشكَّلت حصّة الحسابات المكشوفة (overdraft) 40.29 % (82,42 تريليون ل.ل.) من مجموع القروض المستعمَلة، تبعتها القروض مقابل تأمينات عقاريّة بنسبة 36,50% (74.66 تريليون ل.ل) والقروض مقابل كفالات شخصيّة بنسبة 14,28% (29.22 تريليون ل.ل. ) للذكر لا للحصر.
كيف تتوزع؟
وقد تركزت التسليفات الممنوحة من القطاع المالي، على قطاع التجارة والخدمات بالأخصّ بنسبة 35,73% (73.09 تريليون ل.ل) تلاه قطاع المقاولات والبناء بنسبة 24,87% (50.87 تريليون ل.ل) وقطاع الأفراد بنسبة 15,55% (31.81 تريليون ل.ل)، الصناعة 12,74% (26,05 تريليون ل.ل)، الوساطة المالية 6,48% (13,25 تريليون ل.ل) الزراعة 1,69% ( 3,44 تريليونات ل.ل). أمّا في ما يتعلّق بعدد المقترضين، فقد تصدّرت قروض الأفراد القائمة، بحيث شكّلت حصّة 79% من إجمالي عدد المقترضين، تبعها قطاع التجارة والخدمات (14.26%) وقطاع الصناعة (4.34%).
6.9 مليارات دولار
وبما ان التسلفيات الممنوحة بالليرة لن تتأثر مع تحرير سعر الصرف او اعتماد سعر موحّد عند حوالى 90 الف ليرة في موازنة 2024، فان تسليفات القطاع الخاص غير المقيم هي الاخرى لن تتأثر كونها تسدد منذ شباط 2023، بالدولار النقدي. وبالتالي فان قروض القطاع الخاص المقيم بالعملات الاجنبية والبالغة 6.9 مليارات دولار هي التي ستتأثر مع اعتماد سعر صرف يوازي 6 أضعاف ما كانت تحتسب عليه (90 الف ليرة مقابل 15 الف ليرة) وهي التي ستكون مجهولة المصير بحيث انها موزعة بين قروض شخصية وسكنية وتجارية وعقارية وغيرها، مما يدعو للتساؤل: هل سيتم التمييز بين تلك القروض واسعار الصرف المعتمدة لتسديدها؟ وكيف سيؤثر ذلك على القطاعات المنتجة المقترضة مثل التجارة والصناعة والزراعة ؟ هل ستتحمّل تلك الاعباء الاضافية في زمن الركود الاقتصادي؟
تنتمي للفئتين الثالثة والرابعة
في هذا الاطار، اكد الوزير السابق والمصرفي آلان حكيم ان التسليفات المتبقية الممنوحة للقطاع الخاص (7,9 مليارات دولار) هي بمعظمها تنتمي الى الفئة الثالثة والرابعة اي انها مصنّفة متعثرة ومستعصية التحصيل. وتعتبرها المصارف في ميزانياتها expected credit losses (ECLs)، اي خسائر. علماً ان جزءاً ضئيلاً من تلك التسليفات تقابلها رهون وضمانات، غير انها لم تطبق في الوقت الحاضر، موضحاً في هذا السياق، ان اصحاب القروض مقابل رهن عقاري سبق ان سددوا تسليفاتهم من اجل فكّ الرهن العقاري عن املاكهم، وهو ما يعتبر اعادة استملاك عقاري على سعر صرف الـ1500 ليرة.
وشرح لـ»نداء الوطن» ان جميع المقترضين من القطاع الخاص بعد اندلاع الازمة وانهيار سعر الصرف، سارعوا الى تسديد قروضهم وعقدوا تسويات مع المصارف لتسديدها دفعة واحدة بالاتفاق بين الطرفين على اسعار الصرف او طريقة التسديد (لولار، شيكات مصرفية وغيرها) وبالتالي، ما تبقى من تسليفات وقروض تعود للافراد والمؤسسات المتعثرة التي لم تستطع تسديد قروضها.
سداد منعدم حالياً
واوضح حكيم ان تحصيل القروض وتسديد اقساطها بشكل شهري منعدم حالياً لدى المصارف التي باتت تشترط مؤخراً التسديد بالدولار النقدي فقط، ما جعل معظم القروض مستعصية التحصيل، باستثناء التسويات القليلة جدّاً التي تحصل بين المصارف والعملاء. لافتاً الى ان القروض السكنية والشخصية قد سددت بمعظمها في السابق.
واشار الى انه في حال تحرير سعر الصرف او اعتماد سعر صرف موحد عند 90 الف ليرة او غيره، فان مصير تلك القروض سيبقى ذاته، وستبقى مصنّفة كخسائر على المصارف ECLs.
الوقت مبكر
في المقابل، اعتبر رئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل ان الوقت ما زال مبكراً للحديث عن تداعيات تحرير سعر الصرف، وهو الامر الذي يراه بعيد التطبيق حالياً في ظلّ الشغور الرئاسي والشلل الحكومي وتعطيل جلسات مجلس النواب التشريعية بالاضافة الى الوضع السياسي والامني غير المستقرّ، شارحاً لـ»نداء الوطن» ان قرار تحرير سعر الصرف لا يأتي منفرداً لانه يدخل ضمن الشروط المسبقة للبرنامج الاولي الذي وقعه لبنان مع صندوق النقد الدولي والذي يفرض توحيد اسعار الصرف المتعددة، أي عملياً اطلاق مصرف لبنان منصة بلومبيرغ كخطوة اولى في هذا الاتجاه، علماً انه كان مقرراً اطلاقها اواخر العام الحالي وتم ارجاؤها للعام المقبل نتيجة التطورات الامنية.
مدعاة للتروي
واعتبر غبريل ان احد الاسباب التي تدفع مصرف لبنان للترويّ في اتخاذ قرار تحرير سعر الصرف، هو الضخ الهائل للسيولة النقدية بالليرة في السوق الذي سينتج عن عملية تحرير سعر الصرف وتأثيرها على امكانية الحفاظ على استقرار سعر الصرف الحالي. لذلك شدد على ان هذا القرار يجب ان يكون ضمن سلّة اجراءات وقوانين مواكبة له في ظل وجود ارادة سياسية حقيقية للسير به، مستبعداً حصوله قبل تفعيل المؤسسات الدستورية والادارية وانتخاب رئيس للجمهورية واستعادة مجلس النواب دوره التشريعي والشروع في الاصلاحات المطلوبة، وبالتالي يمكن الاستنتاج ان هذا القرار مؤجل ولن يحصل في المستقبل القريب.
ليست هالكة
واوضح غبريل ان محفظة قروض القطاع الخاص بالدولار تراجع حجمها بحوالى 81 في المئة منذ اندلاع الازمة اواخر 2019، ولا تعتبر جميعها ديوناً هالكة او متعثرة رغم وجود اشكاليات حول جزء منها بسبب التأخر في السداد وغيره، إلا انها بشكل عام تسدد شهريا بـ»اللولار»، ولم يعمد أصحابها لتسديدها دفعة واحدة على غرار التسليفات التي عقدت اتفاقيات بين اصحابها والمصارف لتسديدها كاملة وفق اسعار صرف مختلفة.
مصير القروض السكنية والشخصية
وفيما اكد ان محفظة القروض بالدولار تشمل قروضاً سكنية وشخصية بالاضافة الى تجارية وعقارية وصناعية وغيرها، اشار الى ان المصارف ترفض تسديد تلك القروض دفعة واحدة وتفرض تسديدها بشكل شهري، علماً ان اصحاب القروض السكنية او الشخصية الذين لا يملكون حسابات مصرفية بالدولار (اللولار) سبق ان اصدر مصرف لبنان تعاميم بشأنهم تخوّلهم تسديد قروضهم على سعر الصرف الرسمي عند 1500 ليرة. وبالتالي فان تحرير سعر الصرف، إن حصل، يجب ان يكون موضوع بحث بين مصرف لبنان والمصارف على ان يواكبه تعديل للتعاميم المرتبطة بتلك القروض لتحديد كيفية تسديدها، وبالتالي لا يمكن استباق الامور لتحديد مصير تلك القروض، علماً ان اصحاب القروض الشخصية الذين يملكون حسابات مصرفية بالعملة الاجنبية واصحاب القروض غير الفردية يقومون بتسديدها باللولار إن من ودائعهم او عبر الشيكات المصرفية.
المصدر: نداء الوطن
الكاتب: رنى سعرتي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|