الغارة الإسرائيلية على سيّارة الشعيتية ما زالت تتفاعل
قبل أقل من أسبوعين، أوردت الأنباء المتواترة من الجنوب خبراً عن سقوط خمسة عناصر في غارة جوية إسرائيلية استهدفت سيارة كانوا يستقلّونها أثناء عبورها على طريق فرعي يصل الشعيتية بالمنصوري المجاورة بالقرب من صور.
ولم يطل الوقت حتى كشفت حركة "#حماس" أن الضحايا الخمس هم من عناصرها وأنهم أربعة مرافقين لأحد أبرز مسؤوليها العسكريين في لبنان أبو خالد الخراز من مخيم الرشيدية القريب من صور.
واكتفت الحركة بالإعلان عن أنهم سقطوا وهم "يؤدّون واجبهم الجهادي في مواجهة الاحتلال من الجنوب اللبناني" وأنهم بذلك يلتحقون بعدد آخر من عناصرها سقطوا في مواقع شتّى على الحدود الجنوبية.
إلى هذه الحدود كان يتعيّن أن تنتهي المسألة وتُطوى القضية، لكن برزت لاحقاً سلسلسة تطوّرات دراماتيكية جعلت من هذه القضية أشبه ما يكون بـ"صندوق باندورا"، أي لغز تتناسل منه ألغاز وهو ما أبقى هذا الحدث في دائرة الضوء حتى اليوم يظهر منه بين حين وآخر وقائع جديدة أو عبر متجددة.
فبُعيد أن وارت الحركة في مخيم الرشيدية القريب قائدها خراز، تواترت أنباء من طرابلس عن إطلاق كثيف للنار شهدته أحياء من المدينة بعدما تبيّن أن اثنين من الضحايا الخمس هما من أبناء المدينة، وأكثر من ذلك فإنهما من بيتين قريبين من المدرسة السلفية خصوصاً أن أحدهما هو نجل إمام مسجد التقوى.
واقع الحال هذا فتح الباب على فيض من التكهّنات والتحليلات ترافق مع شعور بالارتياح شاع في المدينة من منطلق أنها أدّت قسطها وواجبها وقدّمت "شهيدين" من أبنائها إبان مشاركتهما في المواجهات المحتدمة مع إسرائيل في الجنوب. وبناءً على ذلك سارع البعض إلى استحضار واستدعاء رصيد المدينة في النضال التاريخي ودورها في رفد مواكب المقاومة الفلسطينية بأشكال وأنماط مختلفة من الدعم والإسناد.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ سرعان ما تبيّن أن الضحيتين الأخريين هما تركيان قدِما إلى لبنان أخيراً بنيّة المشاركة في المواجهات الدائرة على الحدود، وهو حدث غير مسبوق وينطوي ولا ريب على أبعاد عدّة.
ولاحقاً كان لزاماً على حركة "حماس" أن تجيب عن فيض من التساؤلات تتصل بكيفية مقتل هؤلاء في غارة وقعت حسب المعلومات بعد نحو ربع ساعة على مغادرتهم مخيم الرشيدية، واستطراداً تتصل بمسألة الاكتشاف الإسرائيلي لهؤلاء، ما جعلهم هدفاً سهلاً واستتباعاً كيف يسوّغ لهؤلاء الخمسة أن يستقلّوا سيارة واحدة في مناخات متوترة ويعبروا في وضح النهار طرقاً معلمة لا تبتعد إلا أقل من سبعة كيلومترات عن المراصد والمواقع الإسرائيلية على الحدود. ولم يكن وفق المعلومات نفسها قد مضى إلا وقت قصير على وصول الأربعة (الطرابلسيين والتركيين) إلى المخيم عينه ما عزّز فرضية "الخرق والاختراق" الأمنيين كما طرح فرضية زرع جهاز تعقّب في السيارة سهّل للمسيّرات الإسرائيلية المحتلة سماء المنطقة قنصهم.
ولاحقاً أيضاً أُشيع أن "حماس" قد شرعت بإجراء تحقيقات أمنية لاستجلاء حقيقة الأمر ووضع اليد على مكامن الخرق.
لكن الحركة آثرت لاحقاً الصمت، فهي لم تنفِ كل الاحتمالات والفرضيات ولم تؤكدها، بل أحاطت الحادثة وذيولها بستار من الكتمان والغموض.
وعندما توجّهت "النهار" بسؤال إلى أحد الناطقين بلسان الحركة في لبنان عما إذا كان لديها جديد تفصح عنه في هذا الصدد أجاب: "ليس لديّ أي تفاصيل عن هذه القضية سوى البيان الذي سبق للحركة أن أصدرته بُعَيد الحادث ونعت فيه الشهيد الخراز ورفاقه الأربعة جراء تعرّضهم لغارة من مسيّرة إسرائيلية".
وما زاد حرارة السؤال عن هذه الغارة، وهي الأولى من نوعها منذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" واندلاع المواجهات في الجنوب التي يسقط فيها هذا العدد من الضحايا مرة واحدة، أنها أتت قبل وقت قصير جداً من الغارة الإسرائلية على أحد منازل بلدة بيت ياحون والتي خسر فيها "#حزب الله" ستة من مقاتليه المحترفين وبينهم نجل النائب محمد رعد وقد قيل إن من بينهم قيادات من قوة "الرضوان" فانوجد على الأثر من يربط بين الحادثين من نواحٍ عدة.
وفي موازاة الحديث المفتوح عن الأبعاد والخلفيات العسكرية لغارة الشعيتية فإن ثمة حديثاً آخر عن الأبعاد السياسية المتوالية التي انطوى عليها هذا الحادث. فعلى سبيل المثال، ثمة من روّج لنبأ مفاده أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أثار هذا الموضوع إبان زيارته الأخيرة لتركيا ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعنصر الإثارة كان من منطلقين: الأول هل أنقرة على دراية بحضور تركيين في المشهد المحتدم جنوباً خصوصاً أن لأنقرة علاقات متميزة مع حركة حماس؟
والمنطلق الثاني هل ثمة توجّه واسع يبيح لـ"حماس" التمدّد أكثر في الداخل اللبناني وتحديداً على الحدود الجنوبية القابلة للاشتعال لتعود تلك الجبهة سيرتها الأولى قبل عام 1982.
والواضح أن الرئيس ميقاتي كان في الآونة الأخيرة أكثر المتلهّفين لإظهار أن لبنان لا يسعى إلى حرب أو مواجهة في الجنوب ولا يريد أيضاً التحلّل من القرار الدولي 1701. ومن المؤكد أيضاً أن الرئيس ميقاتي وهو أحد زعماء طرابلس يعرف تماماً أن المدينة منقسمة بين فئتين، واحدة متعاطفة إلى أقصى الحدود مع المقاومين في الجنوب وغزة وقد صارت تتابع الناطق بلسان قوات القسام "أبو عبيدة" وتنتظر ظهوره اليومي، وأخرى تبدو متحفّظة ومتخوّفة وترفض استعادة تجربة ماضية وتتعامل مع التجربة القتالية الحالية على أنها من صنعٍ إيراني.
وفي موازاة كل ذلك، ثمة من يسرّب أن "حزب الله" نفسه قد فوجئ بأن هناك محاولات لإدخال السلفيين إلى الميدان الجنوبي، علماً بأن الحزب كان من أبرز مشجّعي دخول مجموعات فلسطينية ولبنانية من غير نسيجه إلى الميدان الجنوبي، لأن ذلك من شأنه أن يعطي المعركة أبعاداً يرغب في تظهيرها لكونها تنفي مقولة احتكاره لميدان المواجهة مع العدوّ.
وإن كان الحزب يؤثر عدم التعليق على الحادث والمشاركة في السجال الدائر حوله، فإنه يحرص في إعلامه على إلقاء الأضواء على هذه الحادثة وأيّ حادثة أخرى تبيّن بجلاء أن ثمة شركاء آخرين له في المعركة خصوصاً أنه يراها معركة "الأمّة برمّتها".
"النهار"- ابراهيم بيرم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|