محمد علي الحسيني: "وجود قوات قسد ومستقبلها مرهون بالوجود الأميركي ومصالحه في سورية"
ما هي "قوة الرضوان" التي تطالب اسرائيل بإبعادها؟
من جديد أعادت اسرائيل تسليط الاضواء على "قوة الرضوان" بصفتها أبرز وحدات "حزب الله" القتالية المتمركزة على طول الحدود الجنوبية منتظرةً الاشارة لتنطلق نحو العمق الاسرائيلي، وهي المهمة الاساسية التي أُنشئت من اجلها. وعززت تل أبيب هذا الانطباع اخيرا من خلال اعطاء الإعلام الاسرائيلي المكتوب والمرئي مساحة واسعة جدا لمستوطني الشمال الذين نزحوا الى الداخل الاسرائيلي وهم يجاهرون برفض العودة الى أماكن اقامتهم الاصلية ما لم تبادر القوات الاسرائيلية الى إبعاد أفراد "قوة الرضوان" من الشريط الحدودي الى ما بعد نهر الليطاني. واللافت ان هؤلاء اسهبوا في الحديث عن المخاوف واجواء الخشية التي تدفعهم الى رفض العودة ما لم يتحقق شرطهم.
منسوب هذا الكلام ارتفع بُعيد اتفاق الهدنة الانسانية في غزة، والذي فتح الباب أمام الحديث والتفاوض عن صفقات وتسويات محتملة وقريبة بهدف منع تكرار ما حصل في 7 تشرين الاول الماضي وبقصد ارساء معادلة استقرار طويلة الامد. كما استُتبعت هذه السردية مباشرة بأحاديث ذات صلة من نوع ضرورة اعادة النظر بالقرار الاممي الرقم 1701 والحديث عن منطقة عازلة بين الحدود الجنوبية شمالا وبين نهر الليطاني جنوبا تخلو تماما من أي وجود مسلح للحزب أو لسواه.
حيال ذلك، فان السؤال المطروح تلقائيا هو: هل ان الخشية التي يبديها الاسرائيلي من "قوة الرضوان" ويفصح عنها دوما هي في محلها؟ أم ان اثارة الامر على هذا النحو هو مجرد بروباغندا تريد تل ابيب تصويرها كأمر واقع للبناء عليه توطئة لبلوغ أهداف مضمرة؟
الاجابة على هذه التساؤلات تفترض لزاماً البحث عن طبيعة هذه القوة، وهل ان خوف اسرائيل منها وحديثا من مخاطر وجودها حقيقة أم حالة مفتعلة؟
يؤكد خبير استراتيجي آثر عدم ذكر اسمه ان ثمة قوة عند "حزب الله" تسمى "قوة الرضوان"، وهي عمليا القوة النخبوية التي تكون اكثر تدريبا وخبرة عند اي قوة عسكرية منظمة بحجم قوة الحزب. ويضيف الخبير عينه "انها قوة المهمات الخاصة التي تخضع لتدريبات متطورة وشاقة ودائمة، تزوّد خلالها العناصر المنتقاة وفق مواصفات خاصة، بتدريبات تسمح لهم باستخدام السلاح الابيض كما المدفع والصاروخ، فضلا عن اجادتهم حرب الشوارع واقتحام الدشم والتحصينات العصية".
ويتغير اسم هذه الوحدة النخبوية من جيش الى آخر، فهي قوة "كوماندوس" في الجيوش الكلاسيكية الكبيرة و"وحدات تدخل ومكافحة" عند جيش آخر، في حين ان الجيوش العربية تسميها وحدات "الصاعقة"، وهي في كل الاحوال قوة المهمات الخاصة التي يُعتمد عليها.
واللافت ان الحزب اختار أن يطلق على هذه الوحدة اسم "قوة الرضوان" بناء على اعتبارين: الاول اسم متصل بالتراث العقائدي والديني (رضوان هو حارس الجنة). والثاني انها الاسم الحركي للقيادي العسكري في الحزب عماد مغنية، ففضلاً عن صفته كأحد الآباء المؤسسين للجسم العسكري للحزب، فان مغنية كان اول من وضع نواة هذه القوة وبدأ ينتقي لها العناصر بعناية خاصة في اطار قناعة تولّدت لديه بعد حرب تموز عام 2006 بضرورة توسيع عديد الجسم العسكري للحزب وابدال اعتماده على وحدات صغيرة مدربة على العمليات الفدائية، المعتمدة مبدأ الضرب السريع للمواقع والدوريات، والاتكاء على وحدات اوسع واكثر تنوعا تكون على نموذج يخلط بين الجيش النظامي والوحدات الخاصة.
واللافت ايضا ان الحزب لم يكن هو الكاشف الاول عن وجود هذه القوة، خصوصا ان الكلام عن الاسرار العسكرية عند الحزب هو من المحظورات والمحرمات تماما. والمفارقة ان اسرائيل، قيادةً عسكرية وإعلاماً، مضت قدماً في اطلاق الحديث عن هذه القوة منذ اكثر من خمسة اعوام عندما قالت ان الحزب أعاد هذه القوة التي شاركت في الميدان السوري وأبلت بلاءً حسناً في حرب الشوارع، ومن ثم بادر الى نشرها على طول الحدود معها بانتظار اشارة من القيادة الميدانية لتنطلق نحو الجليل الاعلى المحتل. ومنذ ذلك الحين والاعلام الاسرائيلي يحفل يوميا بمقال او تصريح للقادة العسكريين عن مزايا هذه القوة وعن انشطتها وتحركاتها على الحدود، خصوصا "بعدما باتت تحت نوافذ المستوطنين تسترق السمع اليهم وتحصي عليهم سكناتهم وحركاتهم".
وسواء كان هذا الكلام من باب التهويل أو من باب لفت الانظار واظهار المظلومية، فانه فعل فعله في الوجدان الاسرائيلي وحوّلها الى قوة خارقة. وما زاد في الامر حدة ان الحزب لم ينفِ كل هذا الكلام الاسرائيلي أو يعلّق عليه طوال الفترة الماضية، لكنه استغل أحداث غزة ليرفع منسوب المخاوف والرهبة عند الاسرائيليين عندما تحدث صراحة بلسان قادته أو محسوبين عليه انه اذا كانت "حماس" المحاصرة والمحدود تسليحها قد فعلت كل ما فعلته في غلاف غزة، فكيف بالحزب وهو يملك اسلحة وصواريخ اكثر تطورا ويملك مجال حركة اوسع؟
وأياً يكن من أمر، فان الحزب المستفيد مما ينسجه العقل الاسرائيلي عنه من قدرات متطورة، فانه ماضٍ قدماً في نهج التعتيم على قواه وقدراته العسكرية، معتبرا ذلك واحدة من أوراق القوة المخبوءة عنده. وهو قد وجد نتيجة ايجابية لهذا الاداء في تفاجؤ الاحتلال بوجود انواع جديدة من الصواريخ النوعية عنده ونموذجها الابرز صاروخ "بركان" وقد استخدمها في جولات المواجهة على الحدود.
وفي الموازاة، فان ثمة مصادر على صلة بالحزب تؤكد ان كل ما تطلقه اسرائيل اخيرا من مطالبات وشروط ومنها إبعاد "قوة الرضوان" او تعديل مضمون القرار 1701عبر ايجاد منطقة عازلة، هي جزء من محاولات اسرائيل لإيهام الرأي العام عندها بانها ما انفكت ممسكة بزمام المبادرة على الحدود وانها قادرة على فرض شروطها، خصوصا امام مستوطنيها النازحين خوفا والذين يأكل الغضب والاستياء صدورهم. وهكذا، فان الاسرائيلي الذي يرى ملفات المنطقة كلها مفتوحة يعمل على دسّ ملف الجنوب بينها عسى ولعل، علما ان الوقائع الميدانية بعد 7 تشرين لا تعطيه هذه المزية اطلاقا، خصوصا ان العاصفة التي هبّت بعد 7 تشرين على المنطقة ما زالت متفاعلة. والحزب يعلم تماما ان مشكلة اسرائيل ليست فقط "قوة الرضوان" بل هي مشكلة وجودية مع الحزب ومحوره، تحاول ان تغطيها بمطالبتها بإبعاد "قوة الرضوان".
"النهار"- ابراهيم بيرم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|