دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
التفاح "في الأرض".. والتاجر يقول للمزارع: دبّر راسك
إذا سألنا اللبنانيين اليوم عن التفاح سيجيبون بسرعة البرق: التفاح الحرام! فيلدز، بطلة المسلسل التركي، أخذت عقلهم وشاهقة، أم المكائد، يكرهونها وأندور، كا تسميها يلدز، تحولت من شريرة الى أقل شراً. لكن، ما لا ينتبه إليه لبنانيون كثر أن هناك تفاحاً لبنانياً "على الأرض" وعليه يبكي مئات المزارعين اللبنانيين صبحاً ومساء. التفاح اللبناني صورة واضحة عن لبنان المتأزم. إنه انعكاس لبلدٍ منسي يتساقط مثل حبات التفاح على الأرض ولا يجد من ينشله أو يلمه. فهل يلتفت إليه أحد قبل فوات الأوان؟
في بلدٍ "فلت" فيه "الملق" من كل الجوانب أصبح مزارعوه يجلسون تحت "فيّات" اشجار التفاح ويرندحون أغنية: يا دارة دوري فينا. حال هؤلاء حال. إنهم يبكون. الرجال، مزارعو التفاح العنيدون، يبكون على إنتاجهم. فالموسم أسوأ من سيئ والدولة، قبل التفاح، بالأرض. فالى من يشكون؟
نتابع هؤلاء. ننصت إليهم. ننظر في عيونهم وسماتهم وحركاتهم. يبدون أحياناً مثل "الروبو"، يتحركون بلا هوادة ويبقون في أمكنتهم، غير عارفين ماذا ينتظرهم غداً وبعد غد. فلا من يشكون له ولا من يأملون منه. هناك مُزارعون مجبولة أيديهم بالتراب، وهناك من يتسامرون على جثثهم، وهنالك وزارة تفكر حالياً في زراعة الزعفران ناسية أن هناك شجرة عمرها من عمر لبنان، تحدّت عبر الأزمنة الثلوج والجليد، ومكّنت سكان الجبال وموارنته من الصمود. فهل نقول الى هؤلاء: مبروك لكم إنجاب الزعفران والعوض بسلامة شجرة التفاح؟
أزمة تصريف
وما يُفاجئ هو أن من يناقشون أزمة تصريف التفاح في لبنان إنما يذهبون الى أبعد، الى إيران والمملكة العربية السعودية، والى اليمن ومصر، والى اليمين واليسار، والى الحزب الأصفر والتيار البرتقالي والى الكتائب والقوات اللبنانية والمردة... فالمسائل في لبنان، على اختلاف مشاربها، زراعية أو تربوية أو مالية أو... أو... أو... لها طابع سياسي. فكيف يُطلب من المملكة العربية السعودية أن تفتح باب استيراد تفاح لبنان الملغوم بالكبتاغون؟ وكيف يُطلب منها ومن دول الخليج إستيراد تفاح من بلد هناك من يرشقهم فيها بالنعوت والوعود؟ مزارعون قالوا ذلك ومزارعون ردوا: وما ذنبنا نحن؟ لماذا علينا أن ندفع نحن ثمن أفعال وأقوال سوانا؟
لن ندخل في تلك الجدلية بل سنسأل عن مصير شجرة التفاح ومزارعي التفاح.
إبن البترون جوزف مسعد، المزارع والكاتب في آن واحد، هو من طلب من وزارة التربية ومن أمين عام المدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر- على ما قال- تأخير بدء المدارس قليلا الى ما بعد موعد قطاف التفاح "فجميع بلدان العالم تفعل ذلك كي يشارك الأولاد في القطاف، وهذا ما كنا نفعله نحن أيضا حين كنا صغاراً، فلماذا على المدارس أن تبدأ اليوم في 7 أيلول؟". نجح مسعد ورفاقه في تأخير بدء الموسم الدراسي، لكن ماذا عن مصير أطنان التفاح المكدسة أو التي "تستوي" على أغصانها؟
يتحدث جوزف مسعد "عن صندوق تفاح يباع بسعر يتراوح بين دولارين وأربعة دولارات، فالتفاح على ارتفاع 1500 متر يباع بأربعة وعلى "الواطي" بأقل" يضيف "مشكلتنا ان لا أحد يبالي بنا، من جبة بشري الى المتن، في حين أنه في كل مرة يقترب فيها موسم التبغ "تقوم قيامة" نبيه بري. مزارعو التفاح خائفون على مصير إنتاجهم خصوصاً أنه بعد غد الخميس ستصل سرعة الرياح، بحسب الأرصاد الجوية، الى ستين كيلومتراً في الساعة وقد لا تبقى تفاحة معلقة على شجرة. ما يحصل يُشكّل أكبر جريمة في الكون. هناك ما لا يقل عن خمسة ملايين صندوق تفاح لا نعرف مصيرها. ويستطرد: صندوق التفاح سعره فارغاً خمسة دولارات وسعر تبريد الصندوق سبعة دولارات، يعني ها قد تكبدنا 12 دولاراً، من دون أن نكون قد فعلنا بعد شيئاً. تكلمت مع كثير من مزارعي العاقورة وحراجل "شي ببكي". التفاح على أمّه. والتفاحة الغولدن، مثل الصبيّة البيضاء الشقراء، إذا وقعت على الأرض "تدبغ". وصناعة الخلّ يحتاج الى مصانع وأيدي عاملة".
هل تحدث جوزف مسعد مع وزير الزراعة كما تحدث مع وزير التربية؟ يجيب: "وزير الزراعة يكتفي بفرك اليدين" ويستطرد "لا مولدات ولا أسمدة. حارة كل مين إيدو إلو. كميل شمعون، رحمه الله، صدّر التفاح الى الولايات المتحدة الأميركية واستورد بدلا منه "تشكليتس". فليفعل المسؤولون في بلادنا شيئاً".
ما رأي رئيس تعاونية التفاح في تنورين ريمون نهرا؟
يرأس نهرا تعاونية زراعية تضمّ 104 أعضاء، يمثلون بعض مزارعي تنورين. وهو يسعى الى إيجاد الحلول بدل التذمر ويقول: "عملنا خلال الشتاء الماضي على تحسين قدرتنا على التصريف لكن مشكلتنا التي واجهناها بدت ثقافية. طلبنا من المزارعين المهتمين بالتصدير أن يقوموا بفحص بساتينهم الزراعية لتحديد نسبة الترسبات الكيميائية فيها وما إذا كان إنتاجهم مناسباً للتصدير. لكن، ما واجهناه، هو أن كثيراً من المزارعين رفضوا أن يفعلوا ذلك، وفضلوا الإتكال على التاجر لإجراء الفحص وهذا خطأ كبير يقترفونه". ويستطرد نهرا بالقول: "ما يحصل أن التاجر يخلط في أحيان كثيرة التفاح، بين ما هو عالي الترسبات وبين ما هو مستوفي المواصفات، والبلد المستورد يقوم عادة بفحص عينات، فإذا صودف أن العينة التي أجرى عليها الفحوصات تحتوي على ترسبات عالية عمد الى إلغاء الشحنة كاملة وإعادتها الى مصدرها. وعندها يقول التاجر للمزارع بما معناه: روح دبّر حالك".
مزارعو التفاح يتكلون على التجار والتاجر، في أحيـــان كثيرة، فاجر.
رئيس تعاونية التفاح في تنورين يتحدث عن "أنهم دبروا في التعاونية تصريف التفاح". فكيف لهم ذلك؟ مزارعو التفاح يبكون في كل مكان فإلى أي مكان يصدرون تفاح تنورين؟ يذكرنا نهرا أن "ثقافة بعض المزارعين" منعت التعاونية من التصدير مع تأكيده أن البلاد، وعلى عكس ما يقال، تُصدّر التفاح. لكن، سؤالنا، هل تكفي الكميات المصدرة لتصريف كل الإنتاج؟ يلجأ نهرا الى أرقام المرفأ لتأكيد حصول التصدير وبينها ما تم تصديره تحت نفس الرقم الجمركي (ويضم تفاحاً وإجاصاً وسفرجلاً) منذ بداية هذه السنة: "26,260 طناً الى مصر، 3474 طناً الى الأردن، و102 طن الى ليبيا، و300 الى عمان، و653 طناً الى الكويت، و717 طناً الى الإمارات...". لكن، هل تكفي تلك الكميات لينجو المزارعون من هلاك المحصول؟ سؤال.
الأمر السيئ الآخر، هو أن التصدير الى مصر قد يتراجع أيضاً بعدما تراجعت قيمة الجنيه المصري 17 في المئة ما سيؤدي الى تقليص قدرة البلد الإستهلاكية. يعني راوح مكانك.
هناك أمرٌ آخر يثير الإستغراب وهو أن لبنان العائم على تفاح "على الأرض" يستورد تفاحاً من أوكرانيا ومن إيطاليا. فهل يحقّ لنا أن نسأل: لماذا؟ يجيب ريمون نهرا: "إما تواطؤ أو أن هناك أناساً لا يأكلون إلا التفاح المستورد".
نعود الى تنورين. ما هو البديل عن التصريف؟ يجيب رئيس تعاونية التفاح "إشتغلنا على صناعة دبس التفاح الذي يمكن حفظه وتصديره وعلى صناعة نبيذ التفاح ونفكر أيضا في صناعة القماش من زفت التفاح. أمور كثيرة نفكر بها وبدأنا في صناعة بعضها لكن لا ماكينات متطورة لدينا لذلك نعتمد أكثر على الجهد البشري".
جميل طبعاً أن يظل الشخص يحاول مواجهة التردي والتمسك ولو بقشة كي لا يسقط في القعر. لكن، يمكننا أن نعلن: أن مزارع التفاح في خطر. وأسعار التبريد نار. وكما قال جوزف مسعد "في المناطق العالية يتكلون للتبريد على الثلوج وعلى الحرارة المتدنية التي تصل الى صفر، في حين تحتاج البرادات في السواحل، حيث تصل الحرارة شتاء الى 19 درجة، الى المازوت. والمازوت نار. ويزيد نهرا على ما قاله مسعد: "في تنورين لا برادات. وفي جبة بشري هناك برادات عائلية صغيرة. وفي العاقورة براد واحد وفي منطقة دوما براد قد لا يفتح هذه السنة".
هي مشكلة تتكرر. العام الماضي مرّ. والعام الحالي سيمرّ ودائما على جثث الضعفاء، ومزارعو لبنان أكثر هؤلاء ضعفاً. هناك من طلب منا أن نزرع. هناك من قال لنا أن نتوجه شرقاً ونزرع كفايتنا من الخضار والفاكهة والضرورات "لنصمد" متجاهلاً أن المزارعين، بعدما صدّت وسُدّت في وجوههم السبل، يبكون بدل الدموع دماً. وكيف لا، وشجرة التفاح تمثل الجذور والمحصول يُشكّل الجهد ومنسوب القهر يحلّق. قولوا الله.
نوال نصر - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|