محليات

أيلول طرفو بالمرفأ مبلول

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب سيمون سمعان في “المسيرة” – العدد 1732

أيلول طرفو بالمرفأ مبلول

شركات عالمية تتنافس على إعادة إعماره… ودفن الحقيقة!

خلال الأسابيع الماضية، عاد الحديث عن أن إعادة إعمار مرفأ بيروت ستبدأ خلال أيلول المقبل على أسس حديثة وبمواصفات عالمية. ولهذا الغرض كان وزير الأشغال العامة والنقل علي حميه، التقى سفيرة فرنسا آن غريو وعددًا آخر من سفراء الدول المهتمّة، للبحث في إعادة إعمار المرفأ. وأشار إلى أن اللقاءات والإتصالات تجري على قدم وساق، وهو قرار لا رجعة عنه. بالتوازي يجري البحث عن شركات تبدي استعدادها لتمويل إعادة الإعمار، لأن تأمين التمويل ودفاتر الشروط ينبغي أن يسيرا في شكل متلازم، خصوصًا أن المخطط التوجيهي العام للمرفأ وإعداد الإطار القانوني الجديد لقطاع المرافئ في لبنان، قد شارفا على الإنتهاء. وفي صيف العام الماضي كانت شركات دولية مختلفة أبدت اهتمامًا بإعادة إعمار المرفأ بموجب خطط حديثة، تلحظ التطورات الحاصلة في مفهوم النقل الدولي والمرافئ، والنواحي الهندسية الخاصة بمرفأ بيروت، والدور المنتظر أن يلعبه كنقطة نقل استراتيجية منافسة على الحوض الشرقي للبحر المتوسط. فما الجديد على هذا الصعيد؟ وهل ستبدأ إعادة الإعمار حقًّا في وقت قريب؟


ترتدي مسألة إعمار مرفأ بيروت طابعًا خاصًّا جدًّا. فهي ليست عملية توسعة أو تجديد تقليدية، وليست تطويرًا بهدف المنافسة، وطبعًا ليست إستثمارًا جديدًا لدولة تملك صندوقًا سياديًا وتنهض بقطاعاتها ومرافقها الحيوية إلى عالم أفضل. مرفأ بيروت يملك من النوستالجيا ما لا يملكه مرفأ في شرقي المتوسط أو في العالم ربما، وتجاريًّا كان الأول في المنطقة على رغم الحرب والدمار وغياب الدولة، واستراتيجيًّا له موقع فريد سواء لناحية الغاطس أو حركتي الترانزيت والمسافنة. أما ما يُعطي إعادة إعماره طابعها الخاص، فهو تعرّضُه لانفجار بالغ القوّة، في ظروف سياسيّة مهترئة، وأمنيّة مضطربة، وقضائية مشوّشة، وإنسانية بالغة الأسى.


والأدهى أن الحديث عن إعادة إعمار المرفأ ترافقَ مع العمل على هدم ما تبقى من الأهراءات شاهدًا على جريمة العصر، وكأن الهدف من الإعمار مسح آخر الأدلّة، وليس إعادة المرفأ الراقد إلى دوره الرائد. وكانت الحكومة اتخذت في نيسان الماضي قرارًا كلّفت بموجبه مجلس الإنماء والإعمار الإشراف على عملية هدم الأهراءات، ووزارتي الثقافة والداخلية بإقامة نصب تذكاري تخليداً لذكرى شهداء الإنفجار. لكن في منتصف آب الحالي تراجعت عن قرارها، ونقل زوار رئيس الحكومة عنه قوله «إنه بعد سقوط صوامع من الجزء الشمالي تم تعديل قرار مجلس الوزراء الذي قضى بهدم الأهراءات كلياً، وحصر الهدم بما تبقّى من الجزء الشمالي فقط، فيما سيجري العمل على حماية الجزء الجنوبي كمعلم يُخلِّد ذكرى فاجعة 4 آب، مع ما يتطلّبه ذلك من إجراءات عملية سريعة». غير أن صوامع الجزء الشمالي راحت خلال آب الحالي تتساقط تباعًا.


وما يهم اليوم لدى المتضرّرين والشركات والمستوردين وسائر المواطنين، هل إن إعادة الإعمار جدّية وقريبة وكيف ستتم؟ وهل يمكن لحكومة منحلّة فاقدة المصداقية دوليًا ومحليًّا أن تُنجز هكذا مهمّة؟ وقبل كل ذلك، هل هي صادقة في المضي في هذا المشروع الضخم، وما هو المستجد من معطيات؟

 

خطط ومشاريع.. على الورق

يؤكد الخبراء أنه لا يمكن التخلي عن دور مرفأ بيروت المنافس على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وأن الوقت قد حان لإختبار جدية الدراسات والمشاريع التي تقدّمت بها شركات عالمية ومحلية على حد سواء. هناك عروض لبناء المرفأ، لكن أحدًا لن يدفع دولاراً واحداً، كما يقول وزير الأشغال علي حميّة، الذي يشير إلى أنّ «ورشة إعادة إعمار مرفأ بيروت ستنطلق في أقرب وقت على أساس مخطّط توجيهيّ يتم من خلاله استثمار كلّ متربع مربّع فيه. فما هي تفاصيل المخطّط؟ ومن أين تأتي الأموال لتنفيذ المشروع؟

المخطط بات شبه جاهز في وزارة الأشغال لكن غياب مجلس الوزراء يحول دون عرضه وإحالته إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره، كونه يتضمّن نواحي متعددة وليس إنشائية فقط. كما يقول أحد متابعي المشروع في وزارة الأشغال. ويضيف أن المشروع سيُقسم إلى مراحل، والتّوقيت لم يُحدّد نهائيًا وإن كنّا نتوقعه قريبًا، بعد إنجاز دفتر الشروط.


وزارة الأشغال كشفت عن أن «شركة هولنديّة هي التي فازت بالمناقصة لتنفيذ مشروع إعداد المخطط التوجيهي للمرفأ». وأشارت إلى أنّ «البنك الدوليّ وافق على أن يكون المخطّط على مساحة مليون و500 ألف متر مربّع». لكن اللافت أن الوفد الألماني الذي زار بيروت مؤخرًا لم يلتقِ وزير الأشغال بشأن مرفأ بيروت، على الرغم من طلب رئيس الحكومة ذلك من الوفد. ويقول حمية إنه لن يوقّع على أي إتّفاق خارج إطار المرفأ، كاشفاً عمّا وصفه بـ»مشروع «سوليدير» ثانٍ في مار مخايل يخطّط له الألمان»، مشددًّا على أنّ هذا الأمر غير وارد، كما أنّ تغيير موقع المرفأ غير وارد لأنّه إذا أُزيل من مكانه الحالي، «طار المرفأ».


لماذا طرح تغيير الموقع؟ ولماذا الحديث عن سوليدير أخرى؟ صاحب شركة إنشاآت كبرى يقول «إن ثمّة من يحاول تفريخ مشاريع على ضهر مشروع إعادة إعمار المرفأ. وقد تمتد هذه المشاريع لتحيي مخطّطًا قديمًا كان تحمّس الألمان لإنجازه، وهو المساحة البحرية التي يشغلها مكب برج حمود لتتحوّل إلى مشروع سياحي، وكذلك الأمر بانسبة إلى مساحات محيطة بالمرفأ وصولًا إلى منطقة مار مخايل. لكن الأمر استُبعِد في الوقت الحاضر لتكاليفه العالية والعقَد الداخلية التي تعترضه، ولعدم تشتيت التركيز على إعادة إعمار المرفأ عبر التوسّع إلى مشاريع موازية».

والمعلوم أنه كان قد أُعلن سابقاً أن مجلس إدارة المرفأ وافق على مشروع رئيس نقابة المقاولين ورئيس شركة «أبنية» مارون الحلو، ومؤسِّس محطتي الحاويات في مرفأي بيروت وطرابلس أنطوان عماطوري، لإعادة تأهيل المرفأ. وكان من المفترض أن يرفعه مجلس الإدارة الى وزير الأشغال في الحكومة السابقة ميشال نجّار لأخذ موافقته، لكن صُرِف النظر عنه وبقي في الأدراج. ومشروع الحلو – عماطوري يحتاج إلى فترة تراوح ما بين 3 و6 أشهر لدراسة الجدوى والدراسات المالية والهندسية. ويقضي بحصول الشركة على مدخول المرفأ على ما بين 3 سنوات إلى 4 سنوات، بدل تكاليف الإعمار، وتسليم المرفأ بعدها للدولة.


المشروع الآخر الذي برز الى الواجهة في وقت سابق، تمثّل بإعلان ثلاث شركات ألمانية خاصّة هي كوليير (Colliers)، وهامبورغ بورت (Hamburg port consulting)، وفرونهوفر (Fraunhofer)، عن مشروعها بكلفة إجمالية قُدرت بأكثر من 20 مليار دولار.

وفي السياق، طرح المدير الإقليمي لشركة CMA CGM الفرنسية جو دقاق، مشروعًا وصفه بـ»المتكامل» من 3 مراحل لإعادة إعمار المرفأ وتوسيعه وتطويره وحويله إلى «مرفأ ذكي»، متحدثا عن ضرورة إعادة بناء الأحواض والمخازن المدمّرة من جراء الإنفجار والتي تراوح تقديرات كلفتها بين 400 و600 مليون دولار.


كذلك، كانت شركات صينية أبدت إهتماماً بمشروع إعادة إعمار المرفأ، وكذلك شركات تركية وهولندية. وتوازياً عملت إدارة المرفأ على مخطّط يتضمّن إنشاء مبانٍ موحّدة للإدارات الرسمية وإعادة إعمار محطة الركاب وتوسيع المنطقة الحرّة. وقُدّرت كلفة هذا المشروع بنحو 400 مليون دولار.

 

إعادة البناء واستعادة الدور

الشركات جاهزة والمشاريع مكتملة، لكن في لبنان هذا الأمر ليس كافيًا لوضع عملية إعادة الإعمار موضع التنفيذ. ثمّة عوائق عديدة وكبيرة تحول دون انطلاق إعادة الإعمار تبدأ بالترتيبات القانونية والإدارية وأي دور منتظر للمرفأ، ولا تنتهي بالتحقيقات القضائية وتحركات أهالي ضحايا تفجير الرابع من آب. تتراكم كل عوامل التأخير هذه فيما البلد غير الناعم بأيٍّ من أنواع الأمن البديهية، يفقد أمنه الغذائي في ظل حاجته الملحّة لبناء أهراءات ما زالت مشاريع قيد العرض والتداول.

في هذا الإطار يقول مسؤول معني في وزارة الأشغال إن «الوزارة في انتظار توقيع العقد مع البنك الدولي. وهي تعمل على مسارات ثلاثة:


الأول إضفاء هويّة قانونية جديدة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت، تشكّل حافزاً لجذب الإستثمار من القطاع الخاص على نحو يضمن زيادة الإيرادات، وتحسين الخدمات مع إضافة خدمات لم تكن موجودة»، لافتا إلى أن «الهويّة الحالية هي إدارة موقتة للمرفأ، لا ترعى الشراكة مع القطاع الخاصّ». ويلفت إلى أن «الوزير حميّة كان أكد على الشراكة مع القطاع الخاص وليس الخصخصة، وشدد على ألّا نيّة لبيع المرفأ أو أصول الدولة لا من قريب أو بعيد، وكان حاسمًا لناحية إبقاء ملكية أرض المرفأ للدولة، ولكن يمكن تشغيله من القطاع الخاصّ على أساس الشراكة التي تشجّع الإستثمار».

المسار الثاني يتعلق بإعداد مخطط توجيهي جديد يتعلق بدور المرفأ والخدمات التي ستُضاف إليه والذي على أساسه تنطلق عملية إعادة إعماره. ويهدف المخطّط التوجيهي للمرفأ الى الإستثمار الأصلح والأمثل المبنيّ على معايير عالمية ليتمكّن لبنان من إستثمار كلّ متر مربّع في هذا المرفق الحيوي. وهذا الأمر يجب أن تضعه شركات متخصّصة»، كاشفاً أنه «في شباط الماضي عُقد لقاء مع البنك الدولي لتوقيع عقود تم بموجبها تكليف الشركة الهولندية إعداد المخطط التوجيهي والهويّة القانونية للمرفأ.

أما المسار الثالث فهو الدور الذي ستلعبه إدارة جديدة جديرة للمرفأ في السنوات الثلاثين المقبلة في ظل التغييرات الجيوسياسية في المنطقة كالتحالفات والتطبيع والتغييرالسياسي، لا إدارة موقتة استمرّت 25 عاما وفشلت في تحقيق قيادة سليمة للمرفأ الذي كان مكانًا للتنفيعات والصفقات والخدمات الأمنية التي أوصلته إلى الكارثة المتعددة الرؤوس المتوّجة بانفجار الرابع من آب.

 

تحدّي الرّيادة والسّيادة

لطالما كانت المرافئ اللبنانية وأبرزها مرفا بيروت، صلة الوصل بين الشرق والغرب. فحول هذا المرفأ قامت مدينة وامتدت سكك الحديد إلى العالم العربي ونشطت حركة الترانزيت. وعُدّ مرفأ بيروت أحد شرايين الاقتصاد اللبناني، بوصفه أكبر نقطة شحن بحرية في البلاد، تمر عبرها قرابة 70 في المئة من حركة التجارة الصادرة من وإلى لبنان. وارتبط المرفأ مباشرة مع 56 ميناء في قارات ثلاث، واستقبل وصدّر بضائع بالتعاون مع 300 مرفأ حول العالم. وفيما ضم 16 رصيفًا والعديد من المستودعات وصوامع لتخزين القمح، قُدر عدد السفن، التي ترسو فيه بـ3100 سفينة سنويًا.

التحدّي اليوم أن يستعيد المرفأ دوره المفقود هذا لا أن يستعيد حلّة جديدة ومساحات أوسع. والتحدي أن يعود منافسًا على الرغم من تحوّل قسم كبير من الترانزيت العربي إلى مرفأ حيفا بعدما فتح التطبيع هذا الممر، وانكفأت بيروت عن الدورين التجاري والجيواستراتيجي، وأن تكون تلك المروحة بين الشرق والغرب. والتحدي الأكبر ليس بناء منشآت المرفأ وعلى أية مساحة بل من يُمسك بأمن المرفأ فلا يعود قاعدة لطعن السيادة وتسهيل الأعمال الحربية لأهداف خارجية، وصولًا إلى تشكيله سببًا لنسف آخر مداميك القضاء هيبةً ونتائج.

فهل ستلحظ عملية إعادة الإعمار كل هذه الأسس والبنود؟ وهل تبدو الظروف جاهزة للمباشرة خلال أيلول 2022؟ مرجعية قانونية متابعة لمسار الملف شكّكت في «إمكان أن تكون عملية إعادة الإعمار قد نضجت وبتنا قريبين من التنفيذ، لأن هناك العديد من العوائق لم تذلل بعد»، معتبرة أننا ذاهبون إلى مزيد من التعقيد في الأسابيع والأشهر المقبلة ما ينسف أي مسعى حتى لو كان جديًّا للمباشرة السَّلِسة بالمشروع». وتخوفّت من أن يكون «إرتفاع الحديث عن إعمار قريب مجرّد خدعة لتبرير هدم الأهراءات، إذ لا مؤشر عمليًّا على قرب المباشرة بالأعمال. إنما يبدو أن الأمرين باتا وراءنا، أي أنه لا هدم ولا إعادة بناء».

فمع توالي سقوط أوراق روزنامة الأيام الأخيرة من آب، كان يتوالى سقوط الصوامع التي انتظرت جلاء التحقيق فلم تنجح، وليس واضحًا ما إذا كان سقط قبلها أم سقطت من دونه؟ وارتقبت إعادة البناء فلم تلق غير الأمل والإنتظار المكسور.. وثمّة من يبني على ذلك ليفضّل تأخير إعمار المرفأ والوصول إلى مشروع رائد مع سلطة موضع ثقة، على البناء اليوم مع سلطة فاقدة الثقة مسلوبة السيادة. ليعود المرفأ واجهة حضارية للبنان ومرفقًا حيويًّا لا ممرًّا لأدوات الموت وأداةً بيد قاتلين! ويسأل: في حال حصلت إعادة الإعمار مِن دون إستعادة الدولة سيادتها على المرفأ، مَن يضمن ألّا يُعاد وضع اليد على عنبر 12 حديث البناء، ودخول روسوس أخرى مع قصة خيالية جديدة، ونترات أمونيوم ينفجر بالمرفأ والبلد والناس؟

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا