إقتصاد

لبنان وموجبات مؤتمر تغير المناخ

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

كتب العميد المتقاعد غازي محمود في القناة الثالثة والعشرين:

لا بد من أن يُشكل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ COP28 في مدينة إكسبو دبي الاماراتية، مناسبةً للبنان للالتفات الى مسألة إنتاج الطاقة الكهربائية والعمل على أن تكون مصادرها الرئيسية من الطاقة النظيفة والمتجددة وبشكل متزايد سنة بعد سنة. ولا بد من أن يُشكل المؤتمر حافزاً للبنان للعمل على الحد من التلوث الناتج عن الانبعاثات التي تُسببها وسائل النقل ومعامل انتاج الطاقة الكهربائية، سواءً من المولدات الخاصة أو من المعامل الحرارية التابعة لشركة كهرباء لبنان. 

وبينما تتسبب الصناعات الثقيلة في الدول الصناعية بالانبعاثات الملوثة، تتميز الصناعات اللبنانية في كون معظمها صناعات خفيفة لا تُنتج انبعاثات ذات أهمية بشكل مباشر. إلا أن المشكلة تكمن في الطاقة الكهربائية التي تحتاجها هذه الصناعات والتي تُشكل القوة التشغيلية الأساسية لهذه المعامل، ما يجعل من الانبعاثات التي تنتج عن توليد الطاقة الكهربائية باستخدام المولدات العاملة بالـ fuel oil، مصدراً للانبعاثات وليس الصناعة بحد ذاتها. وفي الوقت الذي تراجعت فيه الانبعاثات من معامل كهرباء لبنان بسبب تراجع انتاجها للطاقة الكهربائية، زادت المولدات الخاصة ساعات التشغيل الامر الذي زاد من حجم الانبعاثات وعمَّم التلوث على مساحة لبنان في الوقت عينه. 
وفي حين لحظت خطة العمل الوطنية لكفاءة الطاقة (National Energy Efficiency Action Plan, NEEAP) التي أعدتها وزارة الطاقة في العام ٢٠١٠، السبل الكفيلة بتحسين كفاءة استخدام الطاقة وتوسيع نطاق مصادرها النظيفة والمتجددة، لتصل نسبة تغطية استهلاك الطاقة الأولية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية والطاقة المائية، الى ١٢٪ في العام ٢٠٢٠ على ان ترتفع هذه النسبة الى ٣٠٪ بحلول العام ٢٠٣٠. تخلف لبنان عن الإيفاء بتعهداته والتزامه مقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، وبقيت مساهمة الطاقة النظيفة والمتجددة عند أدنى مستوياتها. 

 فعلى الرغم من الخطة الطموحة، لم تتخطَ حصة الطاقة المتجددة من الطاقة الكهربائية المستهلكة في العام ٢٠١٤، نسبة الــ ٤٪ وما مجموعه الــ ٤٠٠ ميغاواط من الطاقة الكهربائية. موزعة على الطاقة الكهرومائية ٢٩٣ ميغاواط، الطاقة الحيوية ٧ ميغاواط (مطمر نفايات الناعمة) وصفر ميغاواط من طاقة الرياح. فيما اقتصرت حصة الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية بين عامي ٢٠١٢ و٢٠٢٠، على إنتاج ١٠٠ ميغاواط ساعة من الكهرباء.

ولم ترتفع قدرة لبنان على انتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية إلا بين عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢١ مع اضافة ١٠٠ ميغاواط، أي ما يُعادل حجم القدرة التي تم تركيبها على مدى العشرة اعوام التي سبقتها. وذلك جراء الازمة المالية والاقتصادية التي عصفت بلبنان، واعلان كهرباء لبنان في ٢٣ أيلول من العام ٢٠٢١، عن انقطاع التيار عن جميع أنحاء البلاد إثر نفاد كامل مخزونها من الوقود. وكان على اللبنانيين الانتظار حتى مطلع العام الحالي ٢٠٢٣، لتعود كهرباء لبنان الى تزويد اللبنانيين بـ ٤ ساعات من الكهرباء، بعد إقرار حكومة تصريف الاعمال خطة وزارة الطاقة.

أما إنتاج لبنان الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية فقد وصل في نهاية العام ٢٠٢٢ الى ما يُقارب الـ ٧٥٠ ميغاواط، ومن المتوقع ان يتضاعف هذا الإنتاج ليتخطى عتبة الـ ١٥٠٠ ميغاوات في نهاية العام الحالي ٢٠٢٣. ومع هذه الحجم من الإنتاج تُغطي الطاقة الكهربائية المنتجة باستخدام اشعة الشمس قُرابة الـ ٥٠٪ من حاجة لبنان الاجمالية من الطاقة الكهرباء، مما يُساعد على تقليل الاعتماد على الكهرباء الحرارية وانبعاثاتها الملوثة للبيئة، كما تنتفي معها الحاجة الى معامل حرارية جديدة. 

فقد أدت الزيادة في قدرة الطاقة الشمسية المستخدمة الى تراجع حاجة لبنان الاجمالية من الطاقة الكهربائية، حيث أصبحت لا تتعدى اليوم الـ ١٧٠٠ ميغاواط. وكان لبنان يحتاج الى ١٠٠٠ ميغاواط لتغطية الفارق بين حاجته الاجمالية من الطاقة الكهربائية والتي كانت تبلغ قبل الازمة الاقتصادية ٣٢٠٠ ميغاواط، وبين قدرة معامل كهرباء لبنان الحرارية والكهرومائية والتي تبلغ قُرابة الـ ٢٢٠٠ ميغاواط ساعة، وهي لم تعمل يوماً بكامل طاقتها لتغطية حاجة لبنان من الطاقة.

وفي الوقت الذي كان يُمكن تشغيل معملي الزهراني ودير عمار بالغاز الطبيعي المنخفض الانبعاثات وليس بالفيول وحسب، اقتصرت استفادة لبنان من الغاز العربي في تشغيل معمل دير عمار وإنتاج الطاقة الكهربائية في العام ٢٠٠٩. وذلك بعد انجاز وصلة البداوي من خط الغاز العربي، الا أنّ العملية لم تدم الا لأشهر معدودة فقط بسبب اعتبارات مالية وجيوسياسية وتقنية ليس المجال هنا مناسباً لذكرها. أما اليوم فيتطلع لبنان الى اللحظة التي يُباشر فيها باستخراج النفط والغاز من قعر مياهه الإقليمية، فيضمن بذلك أمن امداداته ويُخفض من فاتورته النفطية الباهظة ويُخفض أيضاَ من الانبعاثات. 

كما اهملت الحكومات المتعاقبة المعامل الكهرومائية حتى انخفض انتاجها الى أقل من النصف فيما توقف بعضها الآخر عن العمل (معمل حراش ومعمل رشميا على سبيل المثال، وانخفض انتاج بعضها الآخر الى أقل من النصف)، ما عرقل التوصل الى حلول مستدامة للطاقة الكهربائية. وجُل ما في الامر اليوم، أنه يُصار الى إعادة تأهيل معمل رشميا بهبة من USAID، في حين تستمر المعامل المتبقية على حالها في ظل العجز الذي تعانيه مالية الدولة وتقاعس القيمين عن تأمين مصادر تمويل مناسبة. 

وفيما اقتصرت خطة وزارة الطاقة على زيادة ساعات التغذية بالطاقة الكهربائية، لتصبح ٦ ساعات بدلاً من أربعة وذلك اعتباراً من مطلع تشرين الاول الماضي، تتم التغذية من دون الإعلان عن برنامج محدد لساعات التغذية وتوزيعها الجغرافي. ومن الأهمية بمكان المضي قُدُما في تنفيذ خطة زيادة التغذية بالطاقة الكهربائية، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية وتدني القوة الشرائية لموظفي القطاع العام من عسكريين ومدنيين، وعجز الأكثرية الساحقة منهم عن تأمين البدائل المناسبة إن لجهة الاستفادة من الطاقة الشمسية أو لجهة الاستفادة من المولدات الخاصة.

وجدير بالذكر أن انتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الحيوية يُساهم في حل أزمة النفايات، هذه الازمة التي كبدت الخزينة العامة مبالغ طائلة وابقت على الازمة دون حل. في حين أنه كان يُمكن استخدام النفايات التي يُنتج منها لبنان مئات الاطنان يومياً في إنتاج الطاقة الكهربائية منها، على غرار ما هو حاصل في مطمر الناعمة. أما القيمون على البلد ففضلوا الإبقاء على أزمة النفايات من دون حل والإبقاء على أزمة الكهرباء على حالها، لان هذه الحلول تحول دون عمولات تلزيم النفايات وصفقات الفيول وغيرها. 

أما توجه اللبنانيين الى التوسع باستخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية، فيجب ألا يُثني كهرباء لبنان عن الاستمرار في إنتاج الطاقة الكهربائية وتوفيرها بأسعار مدروسة تؤمن استدامة الإنتاج ولا تُحمل من يُسدد فواتيره أعباء المتهربين من الدفع. والمطلوب العمل على وضع استراتيجية وطنية للتغذية بالطاقة الكهربائية تقوم على مجموعة من المرتكزات، وتهدف الى تأمين استدامة الإنتاج والتغذية وذلك من خلال:

-    إعادة تأهيل وتطوير المعامل الكهرومائية والعمل على استحداث معامل كهرومائية جديدة.
-    التشجيع على استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة من الطاقة الشمسية والهوائية والحيوية.
-    تخفيض استهلاك الطاقة في الإدارات والمؤسسات العامة وترشيد استهلاك المواطنين.
-    تشجيع المنتجين على تزويد الشبكة العامة بفائض الطاقة المتجددة وبأسعار مناسبة. 
-    حث المستهلكين على رفع كفاءة استخدام الطاقة الكهربائية في المباني والتجهيزات. 
-    تنسيق مصادر الطاقة الكهربائية على اختلافها واستثمارها بشكل متكامل.

ويتطلب تنفيذ هذه الاستراتيجية اعتماد إجراءات عملية، لا سيما منها ما يتعلق بتكامل مصادر انتاج الطاقة الكهربائية، وكفاءة استخدامها سواء كانت معامل مؤسسة كهرباء لبنان الحرارية والكهرومائية، أو المولدات الخاصة المنتشرة في المدن والبلدات على امتداد لبنان، او مشاريع إنتاج الطاقة المتجددة من الطاقة الشمسية والهوائية والحيوية. إذ يجب أن تتعامل الخطة مع كافة مصادر الطاقة على أنها قدرات وطنية، الامر الذي يقتضي تناسقها لتفعيل استخدامها ورفع انتاجيتها.
بناءً على ما تقدم، إن حل ازمة لبنان المالية والاقتصادية في خضم الازمات السياسية والأمنية التي تهدد لبنان، بات امراً صعباً حت لا نقول مستحيل. إلا انه لا يجوز التسليم بهذا الواقع ويجب العمل على التغلب عليه، ذلك أن فك الترابط بين هذه الازمات يُسهّل حلها والتغلب عليها. وأزمة الطاقة الكهربائية واحدة من هذه الازمات التي قد يُساهم حلها في التقدم خطوات في حل باقي الازمات، لا سيما الازمة المالية من خلال الوفورات ووقف الهدر، وحل الازمة الاقتصادية عن طريق تشجيع الاستثمارات.

بقلم:غازي محمود عميد متقاعد، دكتوراه في الاقتصاد، باحث في اقتصاديات الطاقة

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا