دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
في الــ2023... رياض سلامة مطارد عالمياً ومحميّ محلياً من المنظومة السياسية والقضائية الفاسدة
حتى في أسوأ كوابيسه، لم يتصوّر حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، أنه بعد أيام من خروجه من البنك المركزي سيدرج على لوائح العقوبات الأميركية. كانت سذاجة منه وممّن يحميه محلياً الاعتقاد أن الأميركيين سيحمونه الى ما لا نهاية. إنه المصير المحتوم لشخص متّهم دولياً بقضايا اختلاس وتبييض أموال وفساد وإثراء غير مشروع. ومع ذلك خرج في الأول من آب من مصرف لبنان وسط همروجة مفتعلة من موظفين ومنتفعين وقفوا معه على رصيف المصرف لالتقاط «السلفي»، وكيل المديح له على وقع ضربات طبل وزغاريد مضحكة. غادر ملوّحاً بيده ومردّداً «قلبي معكم»، فيما كان نواب الحاكم الأربعة وعلى رأسهم وسيم منصوري يعقدون مؤتمراً صحافياً في الطابق السابع من مبنى البنك المركزي ويتبرّأون نسبياً من بعض أفعاله وتركته الثقيلة.
كل السيناريو الذي جرى مع سلامة منذ الانهيار في تشرين الأول 2019 وحتى 31 تموز 2023 (نهاية ولايته)، كان عكس ما سعى لتحقيقه على مدى ثلاثة عقود من إدارته السياسة النقدية في لبنان، وضمناً حلم الانتقال من كرسي المركزي الأول الى كرسي بعبدا الأول. هي أحلام راودته طيلة سنوات وسعى لتحقيقها عبر شراء الجوائز العالمية والترويج الإعلامي لإنجازاته الخارقة، ومحاباة المنظومة السياسية وأصحاب القرار فيها ليكونوا عوناً له في تحقيق طموحه الرئاسي، حتى لو اضطرّ الى استخدام مخطط بونزي احتيالي على حساب المودعين تحت ذريعة استقرار سعر النقد.
صحيح أن رياح الانهيار جرت بما لا تشتهي سفنه، وكشفت كل الجرائم والارتكابات التي قام بها خلال ولايته، وانتهى به الأمر كمطلوب من الإنتربول الدولي، إلا أن الواقعية تقتضي الاعتراف بأنه نجح ولا يزال في الفرار من قبضة القضاء الأوروبي بفضل ارتهان معظم القضاء اللبناني للمنظومة السياسية، التي تبادل سلامة وإيّاها الخدمات والمصالح. كما اشترك مع المصارف في جريمة تبديد أموال المودعين، ووصل أغلب الشعب اللبناني الى خط الفقر بعدما انهارت الليرة وخسرت 98% من قيمتها. فالخدمات التي قدّمها سلامة للمنظومة السياسية- الاقتصادية- القضائية يقبض ثمنها حالياً على شكل حماية، كونه ومنذ بداية تولّيه منصبه ذراعها المالية وكاتم أسرارها ومنظم صفقاتها ومهرّب أموالها الى الخارج عند وقوع الأزمة، وربّما قبلها.
سنة 2023 والتي قضى منها سلامة 7 أشهر في سدّة الحاكمية، كانت حبلى بالملاحقات القضائية استناداً الى اتهام سابق من سويسرا تابعته دول أوروبية أخرى ضد سلامة وشقيقه رجا، على أنهما اختلسا أكثر من 330 مليون دولار من مصرف لبنان بين عامي 2002 و2015. وفي آذار 2022 أعلنت وكالة التعاون في مجال العدالة الجنائية التابعة للاتحاد الأوروبي تجميد نحو 120 مليون يورو (130 مليون دولار) من أصوله في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا، في ما يتصل بقضية قال ممثلو الادعاء إن سلامة مشتبه في تورّطه فيها.
ويمكن القول إنه في 2023 ضاق الخناق حول عنقه في أكثر من محطة، لكنّه لم يحاكم ويسجن بعد. فبناءً على التدقيق السويسري كانت بدأت دول أوروبية منها فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وليختنشتاين تحقيقاتها الخاصة، في ما إذا كانت عشرات الملايين من الدولارات من الأموال التي يشتبه في اختلاسها من مصرف لبنان قد جرى غسلها في أوروبا. وتوجّه محققون أوروبيون إلى لبنان في 2023 ثلاث مرّات: الأولى في كانون الثاني لاستجواب شهود والحصول على أدلّة إضافية، والثانية في آذار لاستجواب سلامة، والثالثة في أيار لاستجواب شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك.
بالتوازي مع تحرّك القضاء الأوروبي، حاول القضاء اللبناني منذ 2022 قطع الطريق على أي محاكمة أوروبية لسلامة في الخارج، فقام بفتح تحقيقه الخاص بعد تلقّيه طلب تعاون قضائي سويسرياً تحت بند سيادة القضاء اللبناني، معلناً أن السلطات اللبنانية تنظر بدعوى مماثلة بحق سلامة للأسباب القانونية نفسها، وستلاحقه في لبنان وتحاكمه، وتطلب بالتالي من القضاء الفرنسي (وغيره) إحالة الملف إليها لمتابعته.
قاد التحقيقات الأولية بناء على طلب المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات القاضي جان طنوس، لكنه واجه عقبات من بينها، بحسب تقارير، تدخّل رئيس الوزراء نجيب ميقاتي لمنعه من الوصول إلى بيانات من البنوك (نفى ميقاتي هذه التقارير، لكنه عاد وقال لاحقاً إنه لا يغيّر ضباطه في المعركة لتبرير عدم إزاحة سلامة من منصبه!). كما منع عويدات القاضي طنوس من حضور اجتماع في باريس في 2022 مع المدّعين الأوروبيين الذين يحقّقون بشأن سلامة، حسبما ذكرت «رويترز». لكن طنوس أنهى تحقيقاته في حزيران 2022 وأحالها إلى عويدات، الذي أحال القضية بدوره إلى الادّعاء في بيروت لتوجيه تهم منها الإثراء غير المشروع والاختلاس وغسل الأموال والتهرّب الضريبي الى سلامة وشركائه، لكنّ قاضي التحقيق زياد أبو حيدر تنحّى عن القضية ثم اسُتبعد لاحقاً بعد شكوى من سلامة.
حاولت السلطة (السياسية القضائية) المماطلة في تعيين بديل عن أبو حيدر لكسب الوقت، لأن التحقيق اللبناني قد يعني تأخير التحقيق الأوروبي، الى أن أعلن عويدات في كانون الثاني 2023 أنه يعتزم تعيين مدّع عام جديد لتولي القضية. في 23 شباط 2023 وجّه المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش المكلّف بالقضية، اتهامات لسلامة بغسل الأموال والاختلاس والإثراء غير المشروع. بعد توجيه التهم، تم نقل القضية إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا لمراجعتها بالكامل قبل تحديد أي جلسات، علماً أن جلسات التحقيق بدأت في تموز 2023. وتجنّب أبو سمرا حتمية توقيف سلامة.
وأصدرت فرنسا عبر القاضية الفرنسية المكلفة بالتحقيق في أموال وممتلكات حاكم مصرف لبنان في أوروبا، أود بوريسي، مذكرة توقيف في 16 أيار بعد تغيب سلامة عن جلسة استماع في باريس، وأصدر الإنتربول النشرة الحمراء الخاصة بسلامة في الأسبوع نفسه ثم تبعتها كل من ألمانيا ولوكسنبورغ. وفي 24 أيار قدّم سلامة إفادته أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان بشأن مذكرة التوقيف الفرنسيّة الصادرة بحقّه، وفي نهاية الجلسة قرّر قبلان إطلاق سراحه مع إبقائه رهن التحقيق، ومصادرة جوازات سفره لمنعه من مغادرة البلاد.
في الموازاة، ادّعت الدولة اللبنانية ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر في 15 شباط 2023، ضد كلّ من سلامة وشقيقه رجا وماريان الحويك وكل مَن يظهره التحقيق، تبعاً لادّعاء النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، وطلبت توقيفهم وحجز أملاكهم وتجميد حساباتهم وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين حفاظاً على حقوق الدولة. كما طلبت في الخاتمة أيضاً، إصدار القرار الظني في حقّهم تمهيداً لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات في بيروت، لإنزال أشدّ العقوبات في حقهم لخطورة الجرائم المدّعى بها في حقّهم، محتفظة بحق تحديد التعويضات الشخصية. فضلاً عن إصدار القرار بوضع إشارة هذه الدعوى على عقارات المدّعى عليهم لمنعهم من التصرّف بها.
بحلول تموز استجوب أبو سمرا سلامة 3 مرات، 12و 18 تموز و2 آب، في جرائم «اختلاس أموال عامة والتزوير وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي»، وجرى الاستجواب في حضور وكيل الدفاع عن سلامة ورئيسة هيئة القضايا هيلانة اسكندر. في جلسة 2 آب أنهى أبو سمرا استجواب سلامة وتركه رهن التحقيق، بانتظار استجواب شقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك، إلا أن اسكندر سارعت إلى استئناف قرار ترك سلامة أمام الهيئة الاتهامية، وعلى الأثر قبلت الهيئة الاتهامية المناوبة هذا الاستئناف وحدّدت جلسة لاستجوابه، لكنّ الأخير لم يحضر الجلسة زاعماً عدم تبلّغه أصولاً موعدها، فتقرّر إرجاؤها إلى موعد لاحق وإعادة تبليغه بواسطة هيئة اتهامية ثانية كانت قيد المناوبة في العطلة القضائية. وفي موعد الاستجواب الجديد المحدّد انتقل الملف إلى الهيئة الاتهامية الأصيلة بعد انتهاء العطلة القضائية، وقبل موعد الجلسة الثانية بدقائق، تقدّم وكيل سلامة بدعاوى مخاصمة ضدّ الهيئات الاتهامية الثلاث التي تعاقبت على الملفّ، ما أجبر الهيئة الأصيلة أيضاً على رفع يدها عن الملفّ بانتظار بتّ دعاوى المخاصمة.
واستند وكيل سلامة في ادّعاءاته إلى أن «الهيئة الاتهامية، وبمجرّد قبول الاستئناف المقدّم من هيئة القضايا، تكون خالفت القانون، لأنه لا يحقّ لها كمرجع استئنافي لقرارات قاضي التحقيق أن تتصدّى للملفّ، وتحدّد جلسة وتستدعي المدّعى عليه (رياض سلامة) للمثول أمامها من أجل استجوابه والتوسّع بالتحقيق طالما أن استجوابه ما زال قائماً أمام قاضي التحقيق. كما أن الهيئة لا يمكن أن تضع يدها على الملفّ إلّا بعد أن ينهي قاضي التحقيق استجواباته ويصدر القرار الظني». وعلى أثر دعاوى المخاصمة للهيئات التي تعاقبت على الملفّ، سارع الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف إلى تعيين غرفة الاستئناف التي ترأسها القاضية رولا الحسيني لتصبح هيئة اتهامية تبتّ بملفّ سلامة، إلّا أن سلامة أقدم عبر وكيله القانوني على تقديم دعوى مخاصمة ضدّها، ما دفع القاضية الحسيني إلى التنحّي عن الملفّ، إلى أن وقعت المفاجأة بدعوى مخاصمة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله.
في 20 كانون الأول 2023، أي بعد نحو 4 أشهر على تعليق ملف التحقيق ضده، عاد اسم سلامة إلى التداول عقب إصدار محكمة الاستئناف برئاسة القاضي نسيب إيليا، قراراً يلزم سلامة بالتعويض على الدولة اللبنانية ممثّلة بهيئة القضايا بمبلغ ستة مليارات ليرة. وكانت هيئة القضايا تبلّغت بتقدّم محامي سلامة بطلب ردّ عضوين في الهيئة الاتهامية هما القاضيتان رلى الحسيني وكارلا شواح لأسباب عدة من بينها انتسابهما إلى نادي القضاة. وقد ردّت رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة اسكندر على الدعويين مؤكّدة أن لا عداوة شخصية للقاضيتين مع سلامة، فضلاً عن أن نادي القضاة شخصية معنوية. وطلبت تغريم سلامة بتعويض للدولة بسبب «المماطلة وسوء النية باستعمال الطعن وتعطيل التحقيق، ما أصاب الدولة بخسائر». وعليه، حكمت محكمة الاستئناف أخيراً على الحاكم السابق بدفع تعويض للدولة قدره 3 مليارات ليرة عن كل طلب ردّ.
من الشواهد على حماية القضاء لسلامة بدلاً من محاكمته، ما جرى في 23 آب عندما قدّم النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات مطالعة بشأن تقرير شركة الفاريز أند مارسال حول التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، فاتحاً باباً جديداً من أبواب النقاش حول كيفية التعاطي القانوني مع الارتكابات التي حصلت في مصرف لبنان، (التي أوردها التقرير) وأدّت الى الانهيار الحالي ومحاسبة الجهات المسؤولة عنها، من دون أن تشكّل وسيلة لكسب الوقت والمماطلة يستفيد منها المتهم الأول أي سلامة. ما يدفع لأخذ هذه الفرضية بالحسبان هو أن عويدات أحال في مطالعته تقرير التدقيق الجنائي (كل بحسب الصلاحية والاختصاص) الى كل من النيابة العامة المالية والنيابة العامة الاستئنافية في بيروت، وهيئة التحقيق الخاصة لإجراء التحقيق واتّخاذ ما تراه مناسباً. وأكدت مصادر قانونية أن عويدات يطلب التوسّع في التحقيقات لتشمل 10 جهات على الأقل ومئات الأشخاص.
ولم يكمل رياض سلامة الأشهر الأخيرة من ولايته مكتوف الأيدي، بل سعى بكل جهده لإلحاق المزيد من الخسائر بالدولة اللبنانية والمودعين هرباً من مسؤوليته. ففي 21 شباط 2023 تضمَّنَت الميزانية نصف الشهرية التي أصدرها مصرف لبنان ملاحظة حول وجود نحو 16.5 مليار دولار ديناً لصالح المصرف المركزي على الدولة، متراكمة منذ العام 2007. في التفاصيل، ومنذ العام 2004 زاد معدّل شراء الحكومة الدولارات من مصرف لبنان بواسطة ليراتها الموجودة في حسابها الجاري داخل المصرف. لكن في العام 2007 قرّر سلامة تسجيل عمليات الشراء على أنها ديون بالدولار على الدولة. هذه القيمة لم تكن تظهر في ميزانية المصرف المركزي سابقاً إلا تحت بند «موجودات أخرى». كما لم تكن تتبنّاها الدولة في موازناتها السنوية كديون عليها واجبة السداد للبنك المركزي.
وحديث «الموجودات الأخرى» يطول لأن سلامة كان يخفي خسائر مصرف لبنان تحت هذا البند. وعندما اكتشفت شركة لازار ذلك في 2020 (وكان صندوق النقد قد اكتشفها وحذّر منها أيضاً) أنكر أنها خسائر وساعدته في ذلك لجنة تقصي حقائق برلمانية. لكن ذلك لم يغيّر شيئاً في القضية، فعاد سلامة واعترف بالخسائر وسجل منها في 2023 أكثر من 42 مليار دولار تحت بند صندوق تثبيت سعر الصرف. وهو يريد بذلك تحميل الدولة المسؤولية بعدما كان ينكر تلك الخسائر لا بل يوزّع أرباحاً سنوياً على الدولة اللبنانية. علماً أن التدقيق الجنائي أظهر أن الخسائر أتت أيضاً من الهندسات المالية التي كانت في مصلحة المصارف دون غيرها.
الحديث عن الخسائر التي ألحقها رياض سلامة بالدولة والمودعين، يقود الى عرض ما حقّقته منصة صيرفة من أرباح كبيرة للمنظومة السياسية والمصرفية والتجارية قدّرها البنك الدولي بنحو 2.5 مليار دولار، قبل إلغائها مؤخراً من قبل مصرف لبنان. إذ أثبتت المنصة أنها فشلت بشكل متواتر في تحقيق أي هدف كان مرجواً منها يوم تأسيسها في أيار 2021، حيث حدّد السعر عليها بـ12 ألف ليرة للدولار الواحد لكنه ارتفع أكثر من ذلك حتى وصل 140 ألفاً في آذار الماضي قبل أن يعود الى 90 ألفاً، ما يعني إخفاقها في لجم صعود الدولار. وذلك الفشل أورث تضخماً. ففي آخر أرقام إدارة الإحصاء المركزي بلغ التضخم ما نسبته 251.5 في المئة على أساس سنوي في تموز الماضي، وسجل في 2022 نحو 171,21 بالمئة، في حين أنّ معدلات التضخم السنوي عن السنوات السابقة كانت كالآتي: 2021: 154,8 بالمئة، العام 2020: 84,9 بالمئة، العام 2019: 2,90 بالمئة.
ويسجل الخبراء أنه في غياب قانون لضبط السحوبات والتحويلات (كابيتال كونترول)، ساهمت المنصّة بخروج الدولارات من لبنان. فمعظم ما كان يضخّ عليها يذهب للتجار والمستوردين ويجد طريقه الى الخارج وتحديداً للاستيراد وتحويلات أرباح. ومن الأدلّة على إخفاقها أيضاً أن مصرف لبنان كان يشتري الدولارات من صيارفة بسعر السوق، مع عمولة للشركات المتعاقدة معه لتأمين العملة الصعبة، ثم يضعها على المنصّة بأسعار أقل بنسب تراوح بين 15 و30 بالمئة، حسب تطوّر الأسعار في السوق السوداء، ووصلت الفروقات في بعض الأحيان أعلى من 30 بالمئة، وهذا الفارق مع العمولات كان يسجّله مصرف لبنان في ميزانيته خسارة.
ويلفت الخبراء أيضاً الى أن مصرف لبنان كان يضطر أحياناً، للتصرف بدولارات مما بقي لديه من احتياطي (هو عملياً ما تبقى من أموال المودعين)، ويعتبر ذلك خسارة أيضاً إذا لم يستطع تعويض ما صرفه من الاحتياطي. وهذه الخسارة تضاف الى سابقتها لتفاقم حجم الفجوة الهائلة في حسابات البنك المركزي.
ما يمكن تسجيله في خانة المنصة، أن مصرف لبنان سمح للمودعين وموظفي القطاع العام بالإفادة منها، في محاولة منه ومن المصارف للتعويض عليهم قليلاً مما خسروه، لكن الإفادة الكبرى كانت للمصارف والمصرفيين بمئات ملايين الدولارات.
أمعن رياض سلامة في زيادة تداعيات الانهيار سوءاً من خلال تطبيق استمرّ في 2023 لمجموعة تعاميم سبق أن أصدرها مثل التعميمين 151 تاريخ 21/4/2020 (إجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية). والتعميم 158 الصادر بتاريخ /6/2021. فالتعميم 151 كرّس استمرار الهيركات على السحوبات المصرفية بما يزيد على 80 بالمئة (احتساب الدولار على 15 ألف ليرة بينما سعر دولار السوق السوداء 90 ألفاً تقريباً). أمّا بالنسبة إلى التعميم 158 دولار الذي يمنح المودع 300 أو 400 دولار شهرياً فهو زهيد لا بل حوّل حق السحوبات الى ما يشبه الإعانة او الإعاشة وحوّل المودعين الى متسولين. كما أنه كرّس اللاعدالة بين حسابات قسمها سلامة بين مؤهلة وغير مؤهلة. ويذكر أن تلك التعاميم هي في سبيل الكابيتال كونترول بينما سلامة ادّعى أول الأزمة أن ضبط السحوبات والتحويلات يحتاج الى قانون. لكنه مارس ذلك بلا أي قانون باستنسابية وعشوائية مشوبة باللاعدالة والاستنسابية والعشوائية وألحق بالمودعين أبشع الأضرار والظلم.
في 19 نيسان 2023، أصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يحمل الرقم 165 يتعلق بعمليات التسوية الإلكترونية العائدة لـ»الأموال النقدية»، وقد أثار هذا التعميم جدلاً واسعاً على اعتبار أنه يمهّد لشطب أموال المودعين، وهدفه إدخال الفريش دولار إلى مصرف لبنان، ومجرّد تطبيقه يعني شرعنة وجود أموال جديدة وأموال قديمة. في المقابل شرح الخبراء أن «التعميم يخفّف من مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتصنيف لبنان السلبي من قبل مؤسسات التصنيف العالمية لأنه يعيد العمل الى الشيكات والدفع الإلكتروني والتحويلات الصحيحة»، قد يكون هذا التفسير صحيحاً لكن التعميم بحد ذاته خطوة ترقيعية في ظل استمرار الهروب من حل جذري للأزمة المصرفية والاقتصادية في لبنان. وأصدر البنك الدولي قبل أيام تقريراً يؤكد فيه فشل ذلك التعميم في الحدّ من اقتصاد الكاش الذي تحوّل مرتعاً لتبييض الأموال.
باسمة عطوي -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|