2023 عام تصريف الأعمال و... الدولة
ساعات قليلة وتُقلب الصفحة على عام مثقل بالإخفاقات والعجز عن إدارة أزمة مستفحلة منذ أكثر من أربعة أعوام، لتطل برأسها سنة لن تكون، أقله في بداياتها المنظورة، أفضل حالاً، إن لم يكن الأصح القول، إنها ستكون أكثر سوءاً وقتامة في ظل استمرار مسلسل التقهقر نحو أعماق جديدة لم يكتشفها اللبنانيون بعد!
ليست التوقعات المتشائمة حيال السنة الجديدة المولودة من رحم تراكم الأزمات والانهيارات، إلا نتيجة طبيعية لأداء سياسي ورسمي مشوب بالعجز وقلة المسؤولية وعدم الكفاءة، بحيث لم يجد أي ملف شائك طريقه إلى المعالجة، ولم يحن أوان استحقاق وجرى التعامل معه بالجدية المطلوبة، فكانت الأشهر المتناثرة على مدار العام المنقضي، الشاهد الأكبر على مسار شراء الوقت وتأجيل الاستحقاقات، بدءاً من استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية، مروراً بقيام حكومة مكتملة الصلاحيات، وصولاً إلى سلطة تشريعية مكبّلة بالمحاذير الدستورية الحائلة دون ممارسة البرلمان دوره في ظل شغور رئاسي، تعطلت تحت شعاره الحياة السياسية والممارسة الديموقراطية.
على أهمية الملف الرئاسي الذي شكل العنوان الابرز للفشل في عام ٢٠٢٣، لا يمكن التقليل من حجم المخاطر والتداعيات التي ترتبت على شغور موقع الرئاسة على عمل السلطات الأخرى، ولا سيّما السلطة التنفيذية التي دخلت في حالة تصريف الأعمال بمجرّد أن انقضت ولاية الرئيس السابق ميشال عون ولم يتم انتخاب رئيس جديد. تحولت الحكومة منذ تشرين الثاني ٢٠٢٢ إلى مستقيلة، تقبع على رفّ الانتظار إلى أن يحين موعد انتخاب الرئيس. أمر لم يحصل على مدى أكثر من عام، فكان تأثيره كارثياً على رغم رفض القوى السياسية المعطلة للانتخاب الاعتراف بأهمية الرئاسة والصلاحيات التي تتعطل بتعطلها.
لم تنجح إدارة البلاد وسط الشغور. يكفي تعداد الجلسات الحكومية لتبيان حجم التعطيل. ذلك أن الخلاف على تفسير الدستور بالنسبة إلى مفهوم تصريف الأعمال وحق الحكومة المستقيلة أن تعقد جلسات وتتخذ قرارات وتصدر مراسيم، كان موضع جدل واسع في الفترة الأولى للشغور الرئاسي، ما لبث أن تكيّف الوسط السياسي معه تحت وطأة ظروف قاهرة واستثنائية جعلت المخالفة الدستورية واقعاً تحت عنوان الضرورة.
لم يشهد عام ٢٠٢٣ انعقاد أكثر من ٢٠ جلسة حكومية من أصل ٥٠ جلسة على الأقل، بمعدّل أسبوعي، كان يُفترض بالحكومة أن تقوم فيها بدورها ومسؤولياتها في تسيير شؤون الدولة والمواطنين، وأن تواكب بمواقفها الرسمية الملفات السياسية والأمنية المطروحة التي يُفترض أن يحدّد لبنان موقفه منها. لعل أبرزها سياسة النأي بالنفس عن الصراع الإقليمي، التي خرج منها لبنان معطوباً ليدخل في عزلة عن محيطه العربي استمرّت مفاعيله في العام الماضي.
كما غاب الموقف الرسمي للبنان من حرب غزة والمواجهات بين #إسرائيل و"#حزب الله" على حدوده الجنوبية، بحيث بدا واضحاً أن لبنان لا يملك قرار السلم والحرب الذي يمسك به الحزب بيد من حديد. لم يتمكن لبنان كذلك من التزام القرارت الدولية التي بقيت حبراً على ورق واستدرجت التدخل الدولي للدفع نحو تطبيقها، ولا سيما القرار ١٧٠١ الذي سيشكل تنفيذه عنواناً بارزاً على أجندة السنة المقبلة.
الإخفاق اللبناني لم يتوقف عند هذا الحد. فالتعطيل انسحب على كل المرافق والقطاعات، في الحكومة والقضاء والمال والنقد. لم تنجح الحكومة في إقرار أي من مشاريع القوانين التي التزمت بها في الاتفاق الأولي مع صندوق النقد. لم يسلك أي من مشاريع الكابيتال كونترول، أو هيكلة القطاع المصرفي أو إعادة التوازن المالي الطريق إلى التطبيق، بل بقيت عالقة بين طاولة مجلس الوزراء والمجلس النيابي.
قد تكون الحكومة أقرت مشروعي قانوني موازنتي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤، ولكن من دون أي رؤية اقتصادية أو استراتيجية خروج من الأزمة نحو التعافي.
حتى خطة التعافي التي أقرّتها حكومة ميقاتي لم تبصر النور، بل بقيت موضع تباين وخلاف في المقاربة التي قدمتها والحلول التي اعتمدتها والتي اعتبرت استسهالاً وضرباً لحقوق المودعين في استرجاع ودائعهم، وهو الملف الذي بقي للعام الرابع على التوالي من دون حل، فيما مقصلة الاقتطاع تستنزف ما بقي من مدّخرات اللبنانيين ولا سيما صغار المودعين منهم.
رغم صدور التقرير الجنائي عن شركة "ألفاريز أند مارسال"، كان النفوذ السياسي أقوى من أن يكشف الحقائق المخيفة لحجم الفساد والتورط التي أضاء عليها التقرير. خرج حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة من مكتبه وسلم نائبه الأول وسيم منصوري بعدما أقفل الملف القضائي بسحر ساحر. ومن سلامة إلى منصوري، استمرار للسياسة النقدية عينها باستثناء قدرة ملكها منصوري ليقول لا في وجه التدخل السياسي واستمرار تمويل الدولة من دون حساب، مدعوماً بقرار سياسي حزبي من مرجعيته السياسية بتأمين نجاحه على رأس السلطة النقدية، ووقف المضاربة على الليرة لتثبيت سعر الصرف، في عملية شراء وقت لا تختلف كثيراً عن تلك التي انتهجها سلامة. استفاد منصوري من سمعته ووقوفه خارج الحلبة السياسية، متعاوناً بجدّية مع السلطة المالية، الأمر الذي افتقده سلامة.
وكما الرئاسة والمديرية العامة للأمن العام وحاكمية المصرف المركزي، بقي ملف التعيينات على مختلف مستوياتها عقدة العقد، فاستمرت سياسة إدارة المرافق بالتكليف والإنابة، وبقي الشغور يتغلغل في كل القطاعات والمؤسسات ولا سيما المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية. وحده موقع قائد الجيش سلم من تلك السياسة، ليس بفعل وعي داخلي لمخاطر الفراغ على رأس المؤسسة العسكرية، بل بسبب ضغط خارجي ألزم القوى على اختلاف مشاربها بالسير في التمديد للقائد، واستفاد من ذلك التمديد رؤساء أجهزة أمنية، فيما يبقى استكمال عقد المجلس العسكري التحدّي الآخر الذي تفتتح به سنة ٢٠٢٤ أيامها الأولى.
لم ينجُ الاستحقاق البلدي من التعطيل المنسحب على مرافق الدولة ومؤسساتها فتعطلت انتخابات المجالس البلدية والاختيارية التي كانت مقرّرة في ايار ٢٠٢٣، لترحّل إلى أيار ٢٠٢٤ بعد تمديد ثانٍ لتلك المجالس أقدم عليه المجلس في نيسان الماضي.
في أول جلسة لمجلس الوزراء في ظل تصريف الأعمال وبعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن المجلس ينعقد بحسب الدستور والنظام الداخلي لمجلس الوزراء، داعياً إلى فصل السياسة عن العمل الحكومي المطلوب لخدمة الناس. اعتبر أن الوزراء يمثلون كل الناس ومن المعيب التشكيك في وطنية أو انتماء أيّ منهم والجلسات كما أي إجراء حكومي ستكون انسجاماً مع الدستور وصوناً للشراكة والميثاق وليست تحدّياً أو استفزازاً لأي فريق. لكن الواقع أن الجلسات التي قاطعها التيار الوطني الحر ولا يزال، رفضاً للعمل الحكومي في غياب رئيس الجمهورية، عالجت أموراً وغابت عنها أمور أخرى. وفي الميزان، لم يكن تصريف الأعمال ضمن حدّه الأدنى، ولم يكن نتاجه على مستوى التحديات والاستحقاقات المطروحة التي كانت تتطلب المعالجات والحلول التي كان يمكنها لو تحققت أن توفر الحدّ الأدنى على طريق الخروج من الأزمة وسلوك مسار التعافي!
"النهار"- سابين عويس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|