هل فقرنا يستنزف بيئتنا؟
غابات وأحراج هجرتها الطيور بعدما عرّتها الفؤوس وقضت عليها المناشير، أنهارٌ نفقت أسماكها جراء النفايات والمياه المبتذلة أو السامة التي تصب في مجاريها قبل أن تأخذ أوساخها إلى الشاطئ، نباتات قابلة للأكل اختفت بعد اقتلاعها من الجذور، سيارات هرمة لا يتوافق احتراق وقودها مع أدنى معايير البيئة، وغيرها... فهل الفقر في لبنان عامل مساهم في تدمير البيئة؟
فيما تشير بعض أصابع الاتهام الى الطبقة الفقيرة في لبنان على أنها مسؤولة بشكل مباشر أو غير مباشر عن المساهمة في تدمير البيئة، لعدة أسباب تتعلّق بالسلوكيات المعيشية لهذه الطبقة وحاجاتها الغذائية والحياتية. تأتي دراسة أعدها الخبير الاقتصادي لوكاس تشانسيل وصدرت عن كلية باريس للاقتصاد لتؤكد أن ما يحصل في العالم هو عكس ذلك بالضبط. «فأفراد الطبقة ما فوق المتوسطة يشكّلون 10 بالمئة من مجموع سكان الأرض يتسببون بنصف التلوث العالمي. بينما يسبب نصف سكان العالم الفقراء 12% من التلوث». وفقاً لما نقلته إذاعة مونت كارلو الدولية على موقعها الإلكتروني.
لحظت الدراسة أن الفرد الواحد من هذه الفئة يتسبب بانبعاثات تصل الى 1.6 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً. فضلاً عن أساليب العيش المؤثرة سلباً، مثل الارتكاز على مصادر اللحوم للوجبات اليوميّة، استخدام كميات كبيرة من المياه، استهلاك كميات أكبر من الوقود جرّاء التنقلات (براً وبحراً وجواً)، الحصول على كميات كبيرة من الألبسة، الفائض في وسائل التدفئة والتبريد، وغيرها.
ثم انتقلت لتصنيف الدول، فجاء فيه أن الدول الأغنى في العالم تتسبب بمستويات عالية من التلوث، فالولايات المتحدة والدول الأوروبية مسؤولة عن إنتاج 42% من التلوث العالمي، بالرغم من أن سكان هذه الدول لا يشكلون أكثر من 10% من عدد سكان العالم. في حين نشر الموقع الرسمي للأمم المتحدة un.org أن مدن العالم مجتمعة تستهلك 78% من طاقة العالم، وتُنتج أكثر من 60% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، رغم أن مجموع مساحاتها لا يصل الى 2% من مساحة سطح الأرض.
في لبنان، وفق اختبار أجرته الهيئة اللبنانية للطاقة الذريّة على جسيمات من هواء بيروت في العام 2017، تأكَّد أنه يحتوي على مواد سامة ومسرطنة. ليأتي بعد ستة أعوام تصنيف عالمي للتلوث ويُسقِط لبنان الى المرتبة الثالثة للبلدان الأكثر تلوثاً في العالم بعد منغوليا ومينامار، من خلال ما نشره world of statistics على صفحته على منصة X في 15 تموز الماضي.
تلك المرتبة «المتقدّمة» رتَّبت على بلاد الأرز فاتورة صحية باهظة، وقد أعلن وزير البيئة ناصر ياسين في خلال ورشة عمل أقامتها الوزارة بالتعاون مع مؤسسة هانز زايدل في آذار الماضي، أن الكلفة الصحيّة الناجمة عن تلوّث الهواء تبلغ 900 مليون دولار أميركي سنوياً، سببها الانبعاثات من المولدات والسيارات القديمة.
هل المسؤولية على الفقراء؟
رئيس جمعية الأرض - لبنان، بول أبي راشد، يرفض إلقاء اللوم على فقراء لبنان، فبرأيه أن من يقطع أشجار اللزّاب المعمّرة ويبيد مساحات شاسعة من الجبال هو «مافيات» منظّمة، مدعومة أو محميّة بشكل أو بآخر من سياسيين متنفّذين. أما من يجمعون بعض الحطب للتدفئة اليوميّة فهم لا يشكلون خطراً كارثياً على الطبيعة.
ويتابع، أن الجشع وانعدام المحاسبة وتلكؤ الدولة عن القيام بواجباتها هي التي تساهم في تدمير بيئتنا، وتنعكس سلباً على الفقراء، فيصبحون ضحيّة لما يحصل. إن التقصير الذي يبدأ من العنصر الأمني ويتدرج وصولاً الى الوزير المسؤول يفسح المجال أمام التربّح اللامشروع على حساب البيئة.
ذلك الفساد المستشري الذي وضع فئة من الناس فوق المحاسبة سيؤدي حكماً الى إضرار وخيمة بالبيئة إذا استمرّ الوضع كما هو عليه، ويحرم الأجيال القادمة من استدامة الثروات التي باتت مهدّدة بشكل كبير. فبالإضافة الى غض النظر عن الملوّثات الضخمة (كالمصانع التي لا تستوفي الشروط المفروضة، والكسارات، والمقالع، وغيرها)، والتي قد تحرم الفقراء من شرب الماء النقي المجاني، واستنشاق الهواء النظيف، والأكل الطبيعي الصحيّ، سمحت بردم البحر في عدة أماكن من الشاطئ لغايات ربحية تتعلق بأفراد، دون الاهتمام بحق الناس بالاستجمام المجاني على الشاطئ، أو بمئات الصيادين الذين يعتاشون على ما يصيدونه من البحر يومياً.
يتوافق رأي أبي راشد مع رأي البروفيسور ميشال بريش المتخصص بعلوم البحار، حيث يُبرِّئ الفقراء من جريمة إيذاء البيئة، وبرأيه أن تلوث الشاطئ اللبناني الذي يؤدي الى تدمير الموائل الطبيعية، وبالتالي القضاء على الثروة السمكية والسياحية، يعود الى ثلاثة أسباب: الصرف الصحي الذي يصب دون تكرير، النفايات الصلبة التي تنتشر من المكبات أو التي تحملها الأنهار، ومخلفات المصانع. تقع مسؤولية معالجة هذه الملوثات الخطيرة على عاتق الدولة فقط، أما المواطن فما عليه إلا التحلي بثقافة «دولتي كبيتي».
لكن قبل تبرئة الفقراء بشكل كامل وتام أجرينا اتصالاً مع رئيس جمعية اليد الخضراء، زاهر رضوان، لنستطلع رأيه. فقال لـ»نداء الوطن، بين فقر المواطن وفقر الدولة آثار بيئية مشتركة، منها ما هو سلبي ومنها ما هو إيجابي.
التبعات السلبية عديدة وواضحة للعيان، أما الإيجابية الوحيدة لفقر خزينة الدولة، فكانت عدم قدرتها على تأمين الكهرباء من المعامل التي تستخدم الفيول أويل، مما جعل المواطنين يبحثون عن البديل المقبول، فكانت أنظمة الطاقة الشمسية هي الحلّ، وحلَّ لبنان بين الدول الأكثر استخداماً لهذه الأنظمة.
يتابع، بالرغم من أن اللبناني لديه تجارب ناجحة في حماية البيئة والاعتماد على مواردها المستدامة، لكنها بقيت تجارب محليّة، مناطقيّة أو خاصة وغير معمّمة. وبقي للأزمة الاقتصادية الدور الأبرز في استنزاف الطبيعة اللبنانية والاعتماد في الكثير من الأحيان على ما توفره من غذاء، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة الفقر فيه. وكان النزوح السوري قد سبق الأزمة وجوداً، فزاد الطين بلّة، وتسابق المواطن والنازح على مصادر الغذاء الطبيعية، وراحوا يجمعونها بنهم، فاقتلعوا النباتات من جذورها، مما أدى الى خطر فقدان بعضها نهائياً مثل الزعتر والقصعين والقرصعنة.
من هم أعداء البيئة الحقيقيون؟
يقول زاهر رضوان، خلال فترة انتشار فيروس كورونا تنفست الأرض الصعداء بعدما توقفت المصانع وتراجعت حركة المرور والنقل. حتى الغيمة السوداء التي كانت تعلو بيروت خفتت، وما زالت حتى اليوم أقلّ مما كانت عليه قبل فترة الحجر بسبب فيروس كورونا، لذلك يرى أن النشاط الإنساني هو العدو الحقيقي للبيئة. فهو مسؤول عن عاملين بارزين من أصل ثلاثة: التلوث، بكل ما يحمل من مكونات، كالنفايات والانبعاثات والصرف الصحي والضوضاء. ثم الحصاد العشوائي، من قطع أشجار وقلع نباتات وصيد بري وبحري. ليبقى على مسؤولية الطبيعة سبب واحد هو التغيّر المناخي، وقد لا يبرّأ الإنسان منه بشكل كامل كونه مسبباً للاحتباس الحراري. أما بالنسبة للبنان، وبخلاصة ما ذكره الخبراء أعلاه، فإن أبرز مسببات الخطر على البيئة هي:
الفساد المستشري في الدولة. انعدام الخطط المستقبلية القابلة للتنفيذ. انعدام المحاسبة أو الاستنسابية في ضبط المخالفات. الإهمال الرسمي. الجشع وعدم الاكتراث بحقوق الغير. النشاط الإنساني غير المنضبط.
بحسب الدكتور مصطفى غرايبة من جامعة البلقاء التطبيقة – الأردن: «لم يتوصل علماء البيئة الى تعريف دقيق ومحدّد للمفهوم العلمي للتلوث البيئي، وأيّاً يكن التعريف فإن المفهوم العلمي للتلوث مرتبط بالدرجة الأولى بالنظام الإيكولوجي. حيث أن كفاءة هذا النظام تقلّ أو تصاب بشكل تام عند حدوث تغيير في الحركة التوافقيّة بين العناصر المختلفة».
في شهر أيلول من العام 2014 أجرت وزارة البيئة تقييماً بيئياً لأثر النزوح السوري على لبنان، تم بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وبمساعدة تقنيّة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. أجري باحتساب عدد النازحين على أنه مليون وثمانمئة الف نازح، وأظهر ما يلي:
الأثر على المياه: تدهورت جودة المياه حتى سجلت رقماً أعلى بعشرة أضعاف عن القيم الإرشاديّة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
كمية المياه المبتذلة تراوحت بين 34 و56 مليون متر مكعب. وزادت نسبة التلوث الناتجة عن الطب البيولوجي، حيث وصلت الى 40 ألف طن.
كمية النفايات الصلبة الناتجة عن النازحين قاربت 324 ألف طن.
الأثر على الهواء: زادت الانبعاثات الملوثة للهواء بنسبة 20%.
الأثر على النُّظم الإيكولوجيّة: زيادة الكثافة السكانيّة من 400 الى 520 نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، أي بزيادة نحو 37%.
كما شكل توسّع المخيمات تعدياً حتمياً على الأراضي الزراعيّة. وارتفع عدد المجمعات الفقيرة من 30% الى 45%، مما أثر سلباً على استخدام الأراضي والنُّظم الإيكولوجية فيها. فبحسب مفوضيّة اللاجئين، 95% من النازحين يعيشون في فقر مدقع.
نعود ونذكّر أن الأرقام والنسب المذكورة في التقييم تستند الى مليون وثمانمئة ألف نازح، وبالتالي إذا كان عدد النازحين السوريين قد تخطى هذا الرقم بعد تسعة أعوام، فتكون الأرقام والنسب قد تضخمت أكثر.
عبدالله عبد الصمد - "نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|