دخان أبيض رئاسي و3 مرشحين بعد قائد الجيش وسفير سابق لدى الفاتيكان
عروض أميركية تسابق الحرب و"حزب الله" يصعّد...
تواجه المساعي الدولية لوقف انزلاق الأوضاع الميدانية في الجنوب نحو الحرب، وتلافي التصعيد الواسع، جملة من التعقيدات لم تعد خافية في ظل النقاش القائم حول لبنان. أولها أن لا إمكان الآن للوصول الى اتفاق حول ترسيم الحدود البرية وتطبيق القرار 1701، ما لم يتم الفصل بين جبهتي غزة ولبنان، وهو أمر غير ممكن بفعل تناقض المواقف، وتمسك "#حزب الله" بموقفه الرافض لأي بحث أو تفاوض قبل وقف اطلاق النار في غزة وانهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع. النقطة الثانية أن كل الموفدين الذين جاؤوا إلى لبنان، خرجوا بقناعة أنه لم يعد ممكناً عودة الأوضاع إلى الجنوب لما كانت عليه قبل 8 تشرين الأول الماضي، وهو التاريخ الذي انطلقت فيه عمليات مساندة غزة بعد يوم على طوفان الأقصى.
هناك تناقض صارخ في وجهات النظر والمواقف، بين وجهة أميركية يحاول المبعوث آموس هوكشتاين تسويقها لتسوية الوضع في الجنوب، والقائمة على فصل غزة عن لبنان، ومنها البحث في استعادة الاستقرار عبر التفاوض حول ترسيم الحدود وتطبيق القرار 1701، تجنباً لحرب إسرائيلية محتملة، وبين موقف محور المقاومة الذي يشدد على وحدة الجبهات والساحات، وهذه الوجهة لها رعاية إيرانية تُستخدم في الكباش مع الأميركيين في المنطقة، وإن كانت تقبل بنقاش كل ملف على حدة.
باتت هناك قناعة أيضاً على المستوى الدولي في ما يتعلق بلبنان، أن اي بحث أو تفاوض حول الحدود والتهدئة وتوفير الاستقرار، ليس منفصلاً عن ملف الاستحقاقات الدستورية وأبرزها انتخابات الرئاسة ثم إعادة تكوين السلطة. وعلى هذا تشكل الوساطة الأميركية التي يقودها هوكشتاين والذي زار بيروت أخيراً، القاعدة الأساسية في كل المبادرات الدولية تجاه لبنان. وبمعزل عن تحذيرات الألمان والفرنسيين من ضرورة عدم التصعيد في الجنوب، وتشديد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام جان بيار لاكروا من بيروت على أنه "يجب على جميع الأطراف وقف إطلاق النار والالتزام بالقرار 1701 والعمل على التوصل إلى حل سياسي ودبلوماسي دائم"، وأيضاً ما يُحكى عن عقد اجتماع جديد لدول الخماسية مطلع الشهر المقبل للبحث في الشأن الرئاسي، كان هوكشتاين الوحيد الذي يحمل مفاتيح سرية حول التفاوض، وأيضاً القدرة على الضغط. ينطلق هوكشتاين من وجهة أميركية تسعى إلى فصل الساحات، ومنها في شكل رئيسي جبهة الجنوب، عن غزة. ولأن هوكشتاين يعرف بخبايا الأمور انطلاقاً من دوره في التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي اعتبره "حزب الله" انجازاً تاريخياً، كانت أسئلته دقيقة للمسؤولين اللبنانيين خصوصاً لرئيس مجلس النواب نبيه بري، في سياق العروض التي قدمها، ومنها ما هو مرتبط بتحولات غزة في حال تم التوصل إلى هدنة وانعكاساتها على لبنان، وما إذا كان لبنان سيبقى معلقاً بغزة وتطوراتها بعد التوصل إلى اتفاق حول الحدود. ومن أسئلة المبعوث الأميركي إيحاء بأن السير في التفاوض من أجل الاتفاق لا يتم إلا بفصل كامل للبنان عن غزة، لتأكيد التزامه بمسار جديد لا يمكن معه العودة إلى الوراء.
يبدو في المقابل أن "حزب الله" حدد سقفاً لا يتنازل عنه، فهو يعتبر أن مبادرة الأميركيين هي تسويق للشروط الإسرائيلية وفق عضو مجلسه المركزي الشيخ نبيل قاووق الذي قال في كلمة له في صيدا إن كل المبادرات الأميركية وغيرها والجهود الدبلوماسية لا تعني لنا ما لم يتوقف العدوان على غزة. ويظهر أن الموقف اللبناني الرسمي جاء متماهياً مع الحزب وذلك من خلال كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأن البحث في التهدئة على جبهة الجنوب لا يفيد، ويجب أن يكون الحل مرتبطاً بوقف اطلاق النار في غزة.
البحث في جبهة الجنوب انسحب أيضاً على الاستحقاقات اللبنانية، فثمة إشارات أميركية إلى أن وساطة هوكشتاين للتوصل إلى اتفاق حول الحدود، لا بد أن ترتبط بتسوية للرئاسة والسلطة في لبنان، انطلاقاً من أن أي التزامات لبنانية يجب أن تأتي من سلطة قائمة وقادرة على إبرام التفاهمات وترسيخ الاستقرار، وهذا يعني أن التفاوض لن يكون مع "حزب الله" مباشرة، لكن هذا الأخير سيسعى إلى استثمار تضحياته لقطفها في اي تسوية داخلية، تماماً كما حدث في الاتفاق البحري الذي نسبه لقوة الردع التي تمتلكها المقاومة ضد إسرائيل. ولذا تقدم الرئيس نبيه بري سريعاً وجدد إعلانه سليمان فرنجية المرشح الوحيد للرئاسة، وهي رسالة للأميركيين بأن فرنجية هو القادر على إدارة التفاوض حول الملفات بعد حرب غزة، فيما يتمسك "حزب الله" به كمرشح "لا يطعن ظهر المقاومة" إذا تم التوصل الى اتفاقات، ويعكس هيمنته بعد التغيرات التي حدثت في جبهة الجنوب.
وبمعزل عن السيناريوات المطروحة بعد إعادة طرح فرنجية، وإمكان إيصاله إلى سدة الرئاسة في ظل العقبات القائمة، فإن الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان، إذ توحي الأجواء الإقليمية المستجدة بأن المنطقة دخلت في مأزق جديد، أعادت الامور إلى نقطة الصفر. التصعيد في اليمن يدل على إنسداد اي أفق للتوصل الى تفاهمات، وهو أمر سينعكس حكماً على الساحات المختلفة، ومن بينها لبنان. والواضح من خلال استمرار المعركة في جبهة الجنوب، أن "حزب الله" سيكون أكثر تشدداً في الملفات الداخلية وهو يعتبر انه بات يمتلك أوراق قوة فائضة في التفاوض وفي الميدان، مراهناً على عدم قدرة الاحتلال على خوض حرب كبرى على جبهة ثانية بعد غزة. وهو قادر أيضاً على فرض شروطه من خلال التمسك بمرشحه فرنجية وأن حظوظه باتت أوفر، طالما أنه يتلقى رسائل دولية تطالبه بالتهدئة على جبهة الجنوب.
الواضح وفق المسارات أن جبهة الجنوب تبقى الساحة الرئيسية التي يمكن أن تشعل الحرب الإقليمية الشاملة، إذا نفذت إسرائيل تهديداتها، فعلى الرغم من أن ما حدث في اليمن قد يؤدي إلى تصعيد واسع في البحر الأحمر، إلا أن طهران لا ترد مباشرة في منطقة على حدودها وهي توازن في خياراتها، إلا أنها تتجنب المواجهة المباشرة. ووفقاً للوقائع، إن فك الارتباط بين جبهة غزة وجنوب لبنان، غير ممكن عملياً، ولا سياسياً، خصوصاً وأن "حزب الله" اسقط ما يسمى بالمنطقة العازلة ويستمر في عملياته الضاغطة، رغم الخسائر التي تكبدها، إضافة إلى أن جبهة لبنان بالنسبة إلى إيران هي الوحيدة التي تؤمن حالة تواصل مباشرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومع القضية الفلسطينية، واي تسوية أو حل لا بد أن يرتبط بسلة تفاهمات إقليمية تحافظ فيها على تأثيرها ودورها في المنطقة. وعليه ستبقى جبهة لبنان مفتوحة ربطاً بغزة ومعها الفراغ والاستنزاف إلى أن ينضج مسار التفاوض قبل أن تدهمنا حرب إسرائيلية باغتة...
"النهار"- ابراهيم حيدر
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|