الصحافة

أسبوعُ «يا أبيض يا أسود» حكومياً

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يكتسب الأسبوعُ الطالع لبنانياً أهميةً كبرى على المساريْن المالي والسياسي، وسط رصْدٍ لَما ستحمله الأيام القليلة المقبلة على صعيد تبيان الخيْط الأبيض من الأسود في ملف تشكيل الحكومة الجديدة، وإذا كان عبور «على الحافة» المرتقب لموازنة 2022 باعتبارها «أهون الشرور» سيُستكمل بإنجاز رزمة قوانين إصلاحية شَرْطية لبلوغ اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي وذلك قبل أن تدخل البلاد رسمياً مدار الانتخابات الرئاسية ما أن يُحدَّد موعد أول جلسةِ «لا انتخابٍ» ستستجرّ جلساتٍ وصولاً إلى «ولاية الشغور» ابتداء من 1 نوفمبر المقبل.

وإذا كان مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر اختصر الانهيار الشامل في «بلاد الأرز» مستعيناً بوصفٍ ورد في تقرير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأن ما جرى في لبنان هو «أكبر كارثة اقتصادية من صنع بشر في العالم»، فإن لا شيء في بيروت يوحي حتى الساعة بأن شيئاً ما سيتغيّر في كيفية مقاربة الأطراف الوازنة محلياً للملفات الرئيسية التي تُعتبر مفصليةً لجهة إما وضْع الوطن الصغير على سكة النهوض وإما تعميق الحفرة التي يتقلّب فيها منذ نحو 30 شهراً.

وفي هذا السياق، وفي حين سيأتي الإقرار المرجّح لمشروع موازنة 2022 اليوم في البرلمان في سياق مُفاضَلةٍ بين «سيئ وأسوأ» وليس على قاعدةِ جعْلها الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الإصلاحية، فإن التوقّعات باستيلاد الحكومة المنتظَرة منذ أكثر من 3 أشهر تُقاس بميزان تَرَقُّب شغور في سدة الرئاسة الأولى بعد 36 يوماً ومحاولةِ الأفرقاء المعنيين تعزيزَ «خطوط الدفاع والهجوم» في هذا الاستحقاق الذي بات مُسَلَّماً أنه لن يجري ضمن مهلته الدستورية التي ينقضي هذا الأسبوع الشهر الأوّل منها.

وفيما ستُشكّل زيارةُ الرئيس المكلف نجيب ميقاتي للقصر الجمهوري خلال الساعات الـ 48 المقبلة وربما غداً الاختبارَ الحقيقي لكل المناخاتِ التي شاعتْ حيال انفراجٍ وشيك (بحلول نهاية الأسبوع) على صعيد تأليف حكومةٍ منقّحة عن التي تصرّف الأعمال حالياً وذلك بدفْعٍ قوي من «حزب الله» لتَفادي أن يكون بلوغ الشغور الرئاسي في ظلّ حكومة غير مكتملة المواصفات بمثابة «ِشيكاً على بياض» لفوضى دستورية وربما أمنية قد «يتناتش أوراقَها» أطراف عدة ويتم توظيفها في أكثر من اتجاه لا يتحكّم به الحزب، فإنّ انتظاراً يسود لتأثيراتِ المواقف البارزة بإزاء الوضع اللبناني واستحقاقاته التي صدرت عن عواصم ثقل دولي وعربي.

وبعد البيان الأميركي - السعودي - الفرنسي الذي حدّد السقفَ الذي يعتمده هذا الثلاثي حيال الانتخابات الرئاسية «بموعدها الدستوري» باعتبارها ضمناً مَدْخلاً لإصلاح التموْضع السياسي الإقليمي للبنان، كما بإزاء إعادة الاعتبار لمنظومة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والناظمة لمسألة سلاح «حزب الله» وبسط الدولة سيادتها على أراضيها، لم يكن عابراً الموقف المباشر الذي أطلقه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي كرّس رؤية الرياض للأزمة والحلّ في لبنان بوصْفها من شقّيْن متلازميْن إصلاحي مالي وإصلاحي سياسي ذات صلة بإلحاق بيروت بالمحور الإيراني وتحويل «بلاد الأرز» منصة لشحنات مخدرات إلى الخليج العربي كما لاستهداف أمنها واستقرارها عبر دعم «حزب الله» للحوثيين.

وأكد بن فرحان «دعم المملكة لسيادة لبنان وأمنه واستقراره»، مشدداً على «أهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلُّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وألا يكون لبنان نقطة انطلاق للإرهابيين أو لتهريب المخدرات والأنشطة الإجرامية الأخرى التي تُهدد أمن المنطقة واستقرارها»، كما على أهمية «بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع أراضي لبنان بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف».

وجاء هذا الموقف فيما كانت السعودية تستعيد حضوراً في المشهد اللبناني عبر حركةٍ للسفير وليد بخاري بدأت في اتجاه قادة سياسيين استطلاعاً لآفاق الملف الرئاسي وتوضيحاً لمقاربةِ المملكة لهذا الاستحقاق وتحديداً لمواصفاته التي تعتبرها كفيلةَ وكافيةٍ لتفعيل دعمٍ مالي للدولة اللبنانية، واستُكملت باستضافته السبت القسم الأكبر من النواب السُنّة الـ 24 الذين شاركوا في لقاء دار الفتوى الذي وَضَعَ الانتخابات الرئاسية في سياقٍ وطني انطلاقاً من «الأَهمية الفائقة لمنصب رئاسة الجمهورية في لبنان بالذات، فالرئيس المسيحي، رمز وواقع للعيش المشترك، وينظر إليه العرب باعتراف وتقدير للتجربة اللبنانية لأنه الرئيس المسيحِي الوحيد، في العالم العربي وهو في النظام السياسي اللبناني رأْسُ المؤسسات الدسْتورية القائمة».

 

وبدا واضحاً الصدى الإيجابي الكبير الذي لقيه موقف مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان في مستهلّ اللقاء، كما البيان الختامي، لدى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي غمز من قناة محاولةٍ لافتعال مشكلة مسيحية - سُنية انطلاقاً من الانتخابات الرئاسية والملف الحكومي.

وسأل «لماذا يفضّلُ البعضُ تسليمَ البلادِ إلى حكومةٍ مستقيلةٍ أو مُرمَّمةٍ على انتخابِ رئيسٍ جديدٍ قادرٍ على قيادةِ البلادِ بالأصالة؟ ألا يعني هذا أنَّ هناك مَن يريد تغييرَ النظامِ والدستورِ، وخلقَ تنافسٍ مصطَنعٍ بين رئاسة الُجمهوريّةِ ورئاسة الحكومةِ، فيما المشكلةُ هي في مكانٍ آخر وبين أطرافٍ آخَرين؟ ونسأل: مَن يستطيع أن يُقدِّمَ سبباً موجِباً واحداً لعدمِ انتخابِ رئيس»؟

واعتبر الراعي في عظة الأحد «أنّ أي سعي لتعطيل الاستحقاق الرئاسيّ يَهدِفُ إلى إسقاطِ الجُمهوريّةِ مِن جهةٍ، ومن جهة أُخرى إقصاءِ الدورِ المسيحيِّ، والمارونيِّ تحديداً عن السلطةِ من جهةٍ أخرى. لذا، إذا كان طبيعيّاً من الناحيةِ الدستوريّةِ أن تملأَ حكومةٌ مكتملةُ الصلاحيّات الشغورَ الرئاسي، فليس طبيعيّاً على الإطلاق ألَّا يَحصلَ الاستحقاقُ الرئاسيُّ، وألّا تنتقلَ السلطةُ من رئيسٍ إلى رئيس.

وليس طبيعيًّا كذلك أن يُمنعَ كلَّ مرّةٍ انتخابُ رئيسٍ كي تَنتقلَ صلاحيّاتُه إلى مجلس الوزراء. فهل أصبح الاستحقاقُ الرئاسيُّ لزومَ ما لا يَلزَمُ؟ لا، بل هو واجبُ الوجوبِ لئلّا ندخلَ في مغامراتٍ صارت خلفَ الأبواب».

وسأل «ألم تَجرِ الانتخاباتُ النيابيّةُ منذ أشهرٍ قليلةٍ وفاز نوابٌ متأهِّبين لانتخابِ رئيس؟ ألا تَستلزمُ الحياةُ الدستوريّةُ والميثاقيّةُ والوطنيّةُ انتخابَ رئيسٍ يَستكملُ بُنيةَ النظامِ الديموقراطِّي؟ ألا يَستدعي إنقاذُ لبنان وجودَ رئيسٍ جديدٍ يُحيي العلاقاتِ الجيّدةَ مع الدولِ الشقيقةِ والصديقةِ والمنظمّاتِ الدولية؟ ألا يَستوجِب التفاوضُ مع المجتمعِ الدُوَليِّ وعقدُ اتفاقاتٍ ثنائيّةٍ أو جماعيّةٍ انتخابَ رئيس؟ ألا تقتضي الأصولُ أن يُلبّيَ لبنان نداءاتِ قادةِ العالم لانتخابِ رئيسٍ يقودُ المصالحةَ الوطنيّة، ويرمّم وحدة البلاد؟ ألا يحتملُ أن يؤدّيَ عدمُ انتخابِ رئيسٍ إلى أخطارٍ أمنيّةٍ واضطراباتٍ سياسيّةٍ وشللٍ دستوريّ»؟

وأضاف: «بأي راحة ضمير، ونحن في نهاية الشهرِ الأوّل من المهلةِ الدستوريّةِ لانتخابِ رئيسٍ للجمهوريّة، والمجلسُ النيابيُّ لم يُدعَ بعدُ إلى إيِّ جلسةٍ لانتخابِ رئيسٍ جديد، فيما العالمُ يَشهدُ تطوراتٍ مهمة وطلائعَ موازينِ قوى جديدةٍ من شأنها أن تؤثّرَ على المنطقةِ ولبنان»؟

وتابع: «صحيحٌ أنَّ التوافقَ الداخليَّ على رئيسٍ فكرةٌ حميدةٌ، لكنَّ الأولويّةَ تبقى للآليّةِ الديموقراطيّةِ واحترامِ المواعيد (...) إن انتخابَ الرئيس شرطٌ حيويٌّ لتبقى الجُمهوريّةُ ولا تَنزلِقَ في واقعِ التفتّتِ الذي أَلمَّ بدول محيطة. لا يُوجد ألفُ طريقٍ للخلاص الوطنيّ والمحافظةِ على وِحدةِ لبنان بل طريق واحد، هو انتخاب رئيس للجمهوريّةِ بالاقتراعِ لا بالاجتهادِ، وبدونِ التفافٍ على هذا الاستحقاقِ المصيريّ».

وإذ أكد أنّ «الدساتيرَ وُضِعَت لانتخابِ رئيسٍ للجُمهوريّة، لا لإحداثِ شغورٍ رئاسيٍّ. فهل الشغورُ صار عندنا استحقاقًا دستوريًّا، لا الانتخاب»؟ اعتبر أنّ «لبنان يحتاج اليوم كي ينهض حيّاً إلى حكومةٍ جديدة تخرج عن معادلة الانقسام السياسيّ القديم بين 8 و 14 مارس، وتمثّل الحالة الشعبيّة التي برزت مع انتفاضة 17 اكتوبر (2019)، ومع التنوّع البرلمانيّ الذي أفرزته الانتخابات النيابيّة 15 مايو الماضي».

وأضاف ان «الظروف تتطلّب حكومة وطنيّةً سياديّةً جامعةً تَحظى بصفةٍ تمثيليّةٍ تُوفّرُ لها القدرةَ على ضَمانِ وِحدةِ البلادِ، والنهوض الاقتصاديّ، وإجراء الإصلاحات المطلوبة.

فلا يُمكن والحالة هذه أن تبقى الحكومةُ حكومةً فئويّةً يَقتصر التمثيلُ فيها على محورٍ سياسيٍّ يتواصلُ مع محورٍ إقليميٍّ. ولا تستقيم الدولة مع بقاء حكومة مستقيلة، ولا مع حكومة مرمّمة، ولا مع شغور رئاسيّ، لأنّ ذلك جريمة سياسيّة وطنيّة وكيانيّة».

وسام أبوحرفوش وليندا عازار- "الراي الكويتية"

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا

فيديو إعلاني