سنتان بلا سعد... أفول الحريرية و"لبنان الحبيب"
لم يكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري جريمة ارهابية فقط، بل كانت سياسية بامتياز، هدفت، في ما هدفت اليه، الى إلغاء الدور المتعاظم للحريري، ولاعتداله، وللتعايش الذي أرساه، وللعلاقات الدولية التي أفاد منها في رفع شأن لبنان...
يدرك الذين اغتالوه انه بانتهاء دوره، لن تتمكن الحريرية السياسية من النهوض مجدداً، لأن مراحل ما قبله، ومعه، وما بعده، لا يمكن ان تتلاقى. ولا يقتصر الأمر على الحريرية، بل يتخطاها الى لبنان كله، الذي أصابه خراب كبير، بتنا نشكّك في أن اكثره مبرمج، وفق خطة مدروسة لدفع البلد الى الهاوية، تحقَّق منها الكثير عبر الانهيار المالي والاقتصادي، وتفجير مرفأ بيروت، وربما الآتي أعظم.
في 24 كانون الثاني 2022، أي قبل سنتين تماماً، أعلن الرئيس سعد الحريري إقفال الصفحة الاخيرة من كتاب الحريرية السياسية المُكلِفة والمرهقة، بعدما ثبت له، من دون أدنى شك، ان اغتيال والده هدف الى تصفية كل الإرث الذي حمله، وان الاستمرار شهادة زور أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي، إذ إن كثرة التسويات للمحافظة على السلم الاهلي، وتجنّب الفتنة السنّية - الشيعية القاتلة، إنما أساءا اليه بشكل بالغ، ولم يعد ممكناً المضي على هذا النحو، خصوصا أنه دفع وحيداً الثمن الفادح، بعدما نجا كل أفراد العائلة، وكثيرين ممن أفادوا من والده الراحل، بأنفسهم باكراً.
قبل سنتين تماماً، قال الرئيس سعد الحريري، إنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة وإنه قرر تعليق مشاركته في الحياة السياسية. وأضاف: "من باب تحمّل المسؤولية، ولأنني مقتنع بأن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن تعليق عملي في الحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها". ولفت إلى أن منع الحرب الأهلية في لبنان والتسويات التي فرضها ذلك عليه سابقاً كان سبباً لخسارته ثروته الشخصية وصداقاته الخارجية وكثيراً من تحالفاته الوطنية.
سنتان من عمر الازمات اللبنانية، لا تعنيان شيئاً مهماً لبلد غارق في أزماته المتوالدة، لكنهما كانتا كافيتين لتأكيد ما قاله الحريري في عدم توافر المجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة. وهذه العوامل تعمقت في العامين الماضيين، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ودخول البلاد في الشغور، بل في الفراغ على كل المستويات.
لا يقاس غياب الحريري بتراجع الوضع السنّي في لبنان، وهو آيل الى تدهور اضافي، بعدما تقدمت وجوه وأسماء كثيرة غير مستحقة، بل إن الوضع تراجع على كل المستويات ولدى كل الطوائف، وزاد النفوذ الايراني الذي يقحم لبنان حاليا في حرب غزة، وهو ما عبّر عنه قبل عامين الزعيم وليد جنبلاط بتغريدة كتب فيها " قرار الحريري يعني إطلاق يد "حزب الله" والإيرانيين في لبنان".
وفي السنتين الاخيرتين، تفاقم وضع اللاجئين السوريين، وازداد الاهتراء في المؤسسات وتعطل عملها... فهل قرأ الحريري الابن، متأخراً بعض الوقت، تردّدات اغتيال والده مستذكراً إياه بالقول: "أستودع الله سبحانه وتعالى هذا البلد الحبيب لبنان وشعبه الطيّب".
البعض رأى في حركته رؤية توضحت في ظل التطورات، والبعض الآخر وصفها بالهروب من المواجهة، وآخرون اعتبروا أنه ينفّذ إملاءات خارجية... لا تهمّ الاسباب، المهم ان شيئاً كبيراً وشيئاً كثيراً تبدّل في هذا اللبنان.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|