متفرقات

خفض استخدام المواد الكيميائية الزراعية يعود بمنافع أكبر؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ساد الاعتقاد في الماضي بأن المواد الكيميائية هي الدواء لكلّ داء.

فقد اعتمد المزارعون في لبنان تقليديًا على الأسمدة والمبيدات الكيميائية في إدارة مغذيات النباتات أو الآفات والأمراض النباتية. وكان أغلب المزارعين يعتقدون أن زيادة كمية الأسمدة الكيميائية كفيلة بزيادة غلات محاصيلهم.

غير أنّ الأزمة الاقتصادية والمالية السريعة التفاقم في لبنان حاليًا قد حدت بهم إلى إعادة النظر في الوضع القائم. فإن معظم المدخلات الزراعية (كالمواد الكيميائية الزراعية، والبذور، والأعلاف الحيوانية، واللقاحات والمواد البيطرية الأخرى، وغيرها) مستوردة، وهي تمسي، جرّاء هبوط قيمة العملة اللبنانية، خارج متناول معظم المزارعين الذين لم يعد بوسعهم تحمل كلفة الاعتماد على هذه المدخلات التي لا تنفك أسعارها تتزايد.

ونظرًا إلى هذه الحالة من العوز والعديد من الجوانب السلبية للمواد الكيميائية، أصبح المزارعون الآن أكثر اقتناعًا من أي وقت مضى باستخدام كميات أقل من الأسمدة والمبيدات وإيجاد سبل أفضل لإدارة أراضيهم، وتحسين غلاتهم والحفاظ على مياههم.

ويقوم أحد مشاريع منظمة الأغذية والزراعة بمساعدة المزارعين على التقليل من اعتمادهم على المبيدات والأسمدة الكيميائية فيما يعالج أيضًا تلوّث حوض نهر الليطاني الأعلى بسبب المواد الكيميائية الزراعية. ويروّج هذا المشروع للإدارة المتكاملة للمحاصيل التي هي عبارة عن تقنية تقيم التوازن ما بين المتطلبات الزراعية والمسؤولية البيئية.

ويقوم السيد مصطفى خير الدين، وهو مزارع بطاطا شاب من بلدة مجدلون في منطقة بعلبك شرق لبنان، بزراعة محصوله بموجب ممارسات متوارثة في عائلته، وهو قد علم بهذا المشروع من خلال أحد جيرانه. فشارك في يوم ميداني للمشروع أقيم في نهاية موسم البطاطا في ديسمبر/كانون الأول 2020 وما لبث أن تم اختياره للانضمام إلى المشروع، نظرًا إلى اهتمامه بمعرفة المزيد عن الإدارة المتكاملة للمحاصيل.

 

خصّص هذا المشروع قطع أرض تجريبية لمقارنة الممارسات التقليدية بممارسة الإدارة المتكاملة للمحاصيل، حيث يتم زرع حقلين جنبًا إلى جنب، وفي نهاية الموسم يقوم الميسرون بمقارنة نتائجهما. FAO/Rima Seifeddine©

وقام مشروع المنظمة، الذي نُفّذ بالتعاون مع وزارة الزراعة وبتمويل من النرويج، بتدريب مصطفى و41 مزارعًا للبطاطا، على ممارسات الإدارة المتكاملة للمحاصيل.

وقد خصّص هذا المشروع العديد من قطع الأرض التجريبية للبطاطا في بعلبك لغاية المقارنة بين الممارسات التقليدية للمزارعين وبين ممارسات الإدارة المتكاملة للمحاصيل. ففي كل قطعة أرض تتم زراعة حقلين متجاورين، يتولى أحدهما ميسّر للمشروع مستعينًا بالممارسات المعتمدة للإدارة المتكاملة للمحاصيل. وعلى امتداد موسم زراعة البطاطا، يقوم الميسّر المسؤول عن قطعة الأرض بمتابعة تطور المحصول وإجراء التغييرات المطلوبة في مستويات الري وإدارة الآفات وتغذية المحصول. ويمسك الميسّر سجلاً بجميع التدخلات المنفّذة في قطعة الأرض المخصصة للمزارع وقطعة الأرض الخاضعة للإدارة المتكاملة للمحاصيل، بما في ذلك كميات المبيدات والأسمدة المستخدمة وأنواعها. وفي نهاية الموسم الزراعي، يتم حساب غلتي الحقلين (حقل المزارع وحقل الإدارة المتكاملة للمحاصيل) والمقارنة بينهما.

وقد أثبتت النتائج أنه بالإمكان التقليل من استخدام الأسمدة الكيميائية بنسبة 50 في المائة في المتوسط، وخفض رش المبيدات بنسبة 60 في المائة على الأقل مع الحفاظ على الإنتاجية نفسها، لا بل تحسينها. وتمكّن المزارعون من رؤية النتائج بأم العين في الحقل فاقتنعوا بها.

تمكّن مصطفى ومزارعون آخرون من خفض استخدامهم للأسمدة الكيميائية بنسبة بلغت 50 في المائة وللمبيدات حتى 60 في المائة، فيما حافظوا على المستوى نفسه من الغلات. وأصبح لديهم الآن دليل على أن الحد من المواد الكيميائية الزراعية لن يضر بسبل معيشتهم أو بأمنهم الغذائي. FAO/ Elie Harika©

وقد خفّض مصطفى من استخدامه للأسمدة بمقدار 100 كيلوغرام لكل دونم (حوالي 0.1 هكتار)، وهو ما يمثل انخفاضًا بقيمة 130 دولارًا أمريكيًا من حيث كلفة الإنتاج عن كل دونم، وهو واثق من عمله. ويقول في هذا الصدد: "بدعم من فريقي منظمة الأغذية والزراعة ووزارة الزراعة، أصبحنا نعرف الآن كم من المياه يتعيّن علينا أن نضيف إلى المحاصيل، وكيفية اختبار التربة. لقد أصبحنا الآن أكثر خبرة". وأضاف: "هذا العام لم أستخدم المبيدات الكيميائية سوى مرة واحدة. فأنا كنت أرش أرضي بها مرتين في العام. أما في العام المقبل فلن أرش المبيدات الكيميائية على الإطلاق! "

وأصبح الآن مزارعو البطاطا على اقتناع تام بأن استخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية بكميات أقل هو أمر ممكن من دون التسبب بأي انخفاض في إنتاجية البطاطا. وذهب المزارعون أمثال مصطفى إلى تطبيق ممارسات الإدارة المتكاملة للمحاصيل على محاصيل أخرى كالعنب الذي يزرعونه عادة بموازاة البطاطا.

ويقول أبو نزيه، وهو مزارع آخر مشارك في المشروع: "أود أن أشكر منظمة الأغذية والزراعة ووزارة الزراعة، خاصة هذا العام، نظرًا إلى الأزمات المتعددة التي نواجهها في البلاد، فضلًا عن تداعيات جائحة كوفيد-19 على القطاع الزراعي. فقد كنّا بالكاد نستطيع العمل، بيد أنّنا نجحنا في ذلك عبر اتباع تعليمات فريق المشروع."

وبغية ضمان استمرار الدعم للمزارعين، قامت المنظمة بتدريب ميسّرين للمشروع وموظفين فنيين من وزارة الزراعة على ممارسات الإدارة المتكاملة للمحاصيل. وبفضل هذه المعارف، أصبح الميسرون أكثر ثقة بأنفسهم وتمكنوا من كسب ثقة المزارعين الذين يتشاورون معهم بانتظام بشأن التحديات التي يواجهونها على أراضيهم. ويعتزم المشروع أيضًا تعميم استخدام هذه الممارسات على إنتاج محاصيل أخرى في المنطقة.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا