الإمارات تدين قرار الحكومة الإسرائيلية التوسع بالاستيطان في هضبة الجولان المحتلة
المصارف والمودعون في مواجهة عقيمة والسلطة هي الرابح...
فتحت مصارف لبنان فروعها وصناديقها بعد أسبوع من الإضراب الذي دعت اليه جمعية المصارف، استنكاراً للإقتحامات التي طاولت العديد من فروعها، وفتحت معها مجددا النقاش الذي لم يُغلق منذ نشوء الأزمة الاقتصادية، حول حجم المسؤولية التي تتحملها المصارف في الإنهيار، والمدى الذي على المودعين الوصول اليه في الضغط وتحميل المسؤولية للمصارف فقط. ويعرف القاصي والداني أن ما ضاع من جنى أعمار الناس ومدخراتهم، أهدرته السلطة السياسية والطبقة الحاكمة منذ سنين على مشاريع وعقود لا جدوى إقتصادية منها، ولا رؤية مستقبلية للنمو تظللها، وعلى دعم لمؤسسة كهرباء فشلت في تأمين الكهرباء، وجيش من الموالين تم حشوه في المؤسسات والإدارات الرسمية، يقدم الخدمات الانتخابية والسياسية لولاة أمره ونعمته.
صنعت الثورة الشعبية بخطابها التغييري وشعاراتها الغاضبة صورة نمطية لمصارف لبنان وضعتها في مصاف المتآمرة والناهبة لحقوق الناس وودائعها. وتنامى هذا الشعور وكبرت الصورة بعد استفحال الأزمة، وتزايد ضيق الناس وحاجتهم الملحّة الى ودائعهم إما لطبابة أو لتعليم أو ربما لهجرة، وتزايدت معه أجواء التوتر بين عملاء المصارف والعاملين فيها، وارتفع منسوب العنف الى اليوم الذي سقطت فيه 7 فروع مصرفية في قبضة مقتحمين نالوا بالقوة والتهديد مطالبهم تقريبا بعد مفاوضات وتسويات أمنية وقضائية.
في مواجهة هذا العنف "الممسوك نسبيا" تختبئ مصارف لبنان ومعها جمعيتها خلف الوقت، في انتظار مستغرَب لم يثبت جدواه. فلا هي استطاعت ردع المودعين (ولن تستطيع) عن ممارسة العنف "المشروع" في زمن الثورات، ولا جهدت للتواصل معهم لإرساء قاعدة تفهّم وتفاهم متبادل لإعادة بناء ثقة تحمي ما تبقى من قطاع مصرفي، ليتمكن من النهوض مجددا، وتاليا لحماية الودائع وإبقائها على قيد الحياة وعدم تذويبها في خطط حكومية لا يعلم أحد كيف ومتى تتبدل بنودها وأهدافها من يوم الى آخر.
يعرف مصرفيّو لبنان وكذلك إقتصاديّوه، ان ما يحصل بين المصارف والمودعين هو مواجهة عقيمة، لا رابح فيها، بل تدمير ممنهج للمصارف، وأن المودعين والمصارف ذبيحتان عند جزار واحد هو الدولة. كما يدرك هؤلاء أن المشكلة نمت وكبرت في رحم الجشع المشترك، بين مصارف طمعت نسبيا بالفوائد المرتفعة من جهة، والدولة التي اتكأت على أكتاف الإستدانة المفرطة من المصارف ومصرف لبنان من جهة أخرى، لتمرير أزماتها، ولتمويل مصالحها الحزبية والسياسية، وفساد إداراتها، وأهملت جميع المشاريع والخطط الإصلاحية، الى أن وقع المحظور، وسقطا معا في حفرة، جذبا معهما المودعين اليها. ويدرك هؤلاء ايضا أن لا امكانية للخروج من قعر هذه الحفرة، إلا بتبديل اثنين: طبقة سياسية شرهة وفجعة لابتلاع كل تمويل ومساعدات عينية أو نقدية، لا يمكن السماح لها مجددا بإدارة الإنقاذ، وهي بمختلف مواقعها وشرائحها المسؤول الأول، والمسبب الأكبر لأسوأ أزمة إقتصادية مرت في تاريخ لبنان الحديث. والتبديل الثاني هو لذهنية إقتصادية لا تزال تعيش المراعاة السياسية ومصالح النافذين فيها، والإنتقال الى بناء نظام عصري يعيد تشكيل البنية التحتية للإقتصاد بدءا من المصارف لحمايتها من الإفلاس والشطب، وحماية الودائع معها من التذويب الممنهج، والتمسك بالنظام الاقتصادي الليبرالي الحر، وإقرار القوانين والتشريعات العصرية، التي تستجيب لمتطلبات الخروج من الإنهيار وتتماهى مع شروط المؤسسات والصناديق الأممية، وتمنيات الدول الصديقة والشقيقة، التي تبغي المشاركة في الإنقاذ من دون الوقوع في فخ فساد الطبقة السياسية والتسيّب المالي والقانوني المستشري في البلد.
تعيش جمعية المصارف في ركن إنتظار خطط الحكومة، فيما تختبىء فروعها المصرفية خلف أسوارها المستحدثة من باطون وحديد، خائفة من مودع خائف هو بدوره على يومه وغده ولقمة عيشه، وما تبقى من قيمة لوديعته وجنى عمره، فيما الدولة تتحلل وتتسلل الى خارج المسؤولية. وأول الأسئلة التي تُطرح بعجب، هو عن سبب الصمت والجمود الذي تعيشه جمعية المصارف، وانكفائها عن المبادرة الجريئة الى محاورة المودعين ومعهم اللبنانيون، وشرح الظروف والمسببات التي أدت بالوضع الى السقوط، لإخراج المصارف من اللعبة القذرة التي يمارسها أهل السلطة في شيطنة المصارف، ووضعها في مواجهة المودعين بمفردها، إنقاذا لمواقعهم ومصالحهم السياسية. وآخر الأسئلة هو: هل تعي جمعية المصارف أن مشروع تدمير القطاع المصرفي واستبداله برمته بخمسة مصارف فقط، لا يزال على قيد الحياة، وأن بعضا من "محللين" و"ثائرين" نطقوا جهارا أو مواربة بذلك، وأنه إذا لم يبادر أحد الى إعادة ربط حبل الثقة بين المودعين والمصارف، فعلى الودائع والمصارف الرحمة والسلام؟
"أمن ذاتي"؟
أمس، عادت المصارف الى العمل بشكل محدود "عبر قنوات يحددها كل مصرف"، وهذا إن دل على شيء، فهو، برأي خبير المخاطر المصرفية والباحث في الإقتصاد محمد فحيلي، يدل على "غياب ارادة المبادرة لدى المصرفيين، وفقدان الرغبة في إقرار الإصلاحات وتنفيذها من السلطة السياسية الحاكمة". ونصح فحيلي المودعين بوقف العمل بالتجمعات القائمة حاليا للدفاع عن حقوق المودعين، والانصراف إلى تشكيل البديل الفعال والفاعل عبر روابط تجمع المودعين بكل مصرف على حدة.
وبما أن مصرف لبنان استمر بفتح أبوابه أمام المصارف، استطاعت الأخيرة تقديم خدماتها للزبائن وفق القنوات التي تتناغم مع قدرة كل مصرف كل على حدة. إذاً، فعليا أقفلت المصارف أبوابها يوما واحدا (19 أيلول)، فيما تم استدعاء الموظفين إلى عملهم في اليوم التالي، وإن كانت الفروع أبقت أبوابها مقفلة أمام عملاء السحوبات النقدية واستُبدل ذلك بالصراف الآلي. لذا لم يكن إقفال أبواب المصارف يترك آثارا كبيرة، وهو ما كان واضحا ايضا حتى على سعر الصرف في السوق الموازية، إذ توازياً مع تأمين السيولة من ليرة ودولار عبر الصراف الآلي، إستمرت المصارف بتقديم كل الخدمات المتوافرة عبر الصراف الآلي، إضافة إلى المتابعة في فتح اعتمادات للتجار وتحقيق تحاويل من والى الداخل.
مصادر مصرفية ألقت اللوم على جمعية المصارف التي لم تبادر من اليوم الاول للأزمة الى محاورة المودعين والعمل معهم ليكونوا صفا واحدا في مواجهة ما يحاك ضدهم، بل وضعت نفسها بمواجهتهم. واكدت ان الأوان لم يفت وتاليا عليها إطلاق عجلة التفاوض وترميم الثقة معهم بغضّ النظر عن اي خطة تعافٍ قد تطرحها الحكومة.
وبرأي فحيلي، فإن "العودة عن الإقفال وفتح أبواب فروع المصارف سيكون خجولا وخاضعا لكل أنواع الضوابط الأمنية التي تظهر فروع المصارف كمراكز مخابرات وليست كفروع لمؤسسات مالية. على أمل ألا تتحول هذه العودة المحدودة إلى نوع من أنواع الإستنسابية والإنتقائية في خدمة الزبائن، وهذا يتظهر على مستوى الفرع وليس بقرار من الإدارة العامة".
ويقول: "الواضح أن الوضع الأمني في فروع المصارف بات يهدد بالخطر. أولا لما له من تداعيات سلبية على أي محاولة للإنقاذ والتعافي الإقتصادي، وثانيا، الخوف من أن تتحول بهورات أحد مودعي "ما يؤخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" إلى مستنقع من الدم، وكأنه لا يكفي ما تتسبب به زيارة المودع لفرع المصرف من قلق وضغوط نفسية بسبب الضوابط والتغيير في قواعد الإشتباك كل يوم، لتصبح السلامة مصدر قلق إضافيا، وفي هذا لا لوم على المصرفي"!
ويبدو واضحا ان لجوء بعض المصارف الى حماية نفسها بواسطة شركات أمنية خاصة، دليل على أن المفاوضات بين وزارة الداخلية وجمعية المصارف لم تفضِ الى اتفاق حتى الآن، بسبب ما سمّاه فحيلي "غرور أو جهل الطرفين بأهمية الوطن وضرورة تفوق الأخير على أي اعتبار آخر أو مصلحة خاصة"، ودعا "كل مواطن صالح الى أن يرفض الأمن الذاتي للمصارف ودعمها للجوء إلى أصحاب الإختصاص - قوى الأمن والقضاء - لتأمين الحد الأدنى من الأمن لموظفي الفرع وعملاء المصرف خلال ساعات العمل".
"النهار"- سلوى بعلبكي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|