إيران وأميركا تنسحبان من سوريا... وتنتخبان رئيساً في لبنان؟
يُنقل عن الراحل جان عبيد قوله إنّ الرئاسة في لبنان هي "مرسوم إلهيّ"، لا نعرف ما سيُكتب عليه قبل أن يُكتب. ولهذا علينا أن ننتظر حتّى اللحظة الأخيرة.
فلننظر قليلاً إلى الخلف. فعلى مرّ العهود، نام كثيرون بثياب بعبدا، واستيقظوا بثياب الخيبة.
كان سليمان فرنجية رئيساً بدل حميد فرنجية، الذي كان أقوى المرشّحين. وشارل حلو بدل عبد العزيز شهاب، بعدما رفضه الرئيس المصري جمال عبد الناصر قائلاً: "ده شهاب بشهاب... ما يصحّش".
ثمّ كان أمين الجميّل رئيساً بعد اغتيال شقيقه بشير، والياس الهراوي رئيساً بعدما كانت الرئاسة لرينيه معوّض.
هكذا هي الرئاسة في لبنان: بنت تسوية اللحظات الأخيرة. واليوم تطغى الضبابية في عملية غربلة الأسماء. فبينما تحكم المشهد ثنائية سليمان فرنجية أو جوزف عون، تبقى الرئاسة مرهونة بخواتيمها وفق متغيّرات كبرى في المنطقة بدأت بمنعطف تاريخي كبير كرسّه تاريخ 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023).
من غزّة إلى لبنان وسوريا
من غزة إلى لبنان وسوريا، عنوان المفاوضات بات أكثر من واضح. هي ثلاث دول منكوبة، كلّ منها بظروف مختلفة. لكنّ ما هو مشترك فيها هو المدّ الإيراني، إن عبر الحرس الثوري في سوريا، أو الحزب في لبنان، أو جناح حماس الإيراني في غزة.
في هذا المنعطف التاريخي يُعاد خلط الأوراق، لترجمة انحسار النفوذ الإيراني ودخول الجانب السعودي على خطّ إعادة الإعمار، في سياق رؤية وليّ العهد بن سلمان الذي تحدّث عنها بوضوح في القمّة العربية الأخيرة في جدّة. إذاً هي "إعادة إعمار المنطقة".
غزّة: مسار سعوديّ أميركيّ مصريّ
في انتظار نجاح المبادرة الفرنسية المستجدّة وإعلان الهدنة الطويلة نسبياً، كلامٌ في الكواليس عن اقتراب وقف الحرب في غزة. فمن يحضّر المسرح لمستقبل القطاع؟
هناك مفاوضات أميركية سعودية سبق أن وضعت الخطوط العريضة للحلّ. مصر حاضرة دائماً في مواجهة جنون بنيامين نتانياهو بعدما عبّرت القاهرة عن جهوزيّتها لمواجهته عسكرياً في رفح. إلا أنّ ذلك لا يكفي من دون إيران والمقاومة الفلسطينية التي لم تقُل كلمتها بعد.
ما قالته إيران فقط أنّها لا توعز إلى أيّ من حلفائها في المنطقة بأيّ تحرّك عسكري، في محاولة للقول إنّ الهجوم على القاعدة الأميركية في الأردن لم يكن بأمر منها. وهذا يعني أنّ إيران مدركة للمسار المتحوّل في المنطقة وتتعامل معه ببراغماتية مطلقة بحثاً عن صرف نفوذ لها على طاولة المفاوضات الجارية. وفي الوقت الذي تحاك لغزّة خريطة جديدة فإنّ لبنان ليس بعيداً عنها أبداً.
لبنان: الخماسيّة تنتج رئيساً هادئاً..
يقول مرجع ماروني مطّلع على عمق التحرّك الرئاسي للّجنة الخماسية، إنّ حركة السفراء الخمسة تمهّد لضغط دولي في توقيت سيكون قريباً لانتخاب رئيس الجمهورية، خصوصاً أنّه سيرافق انتهاء المرحلة الثالثة من الحرب في غزة ودخولنا في الهدنة الطويلة. وبالتالي فإنّ الأشهر المقبلة يرجَّح أن تشهد رئيساً في لبنان تحدّده موازين القوى الجديدة.
يعود بنا هذا الكلام إلى مضمون ما قالته اللجنة الخماسية في لقائها مع الرئيس نبيه بري، حين شدّدت على ضرورة فصل الرئاسة عن تطوّرات الحدود وحرب غزة. وفي هذا الفصل لا منطق في السياسة، لأنّ الحزب يرفضه تماماً. لذلك فإنّ التفسير الوحيد لكلام الخماسية، التي تدرك أنّ الاستحقاق الرئاسي هو جزء من "البازل" في لبنان، أنّ الفصل يعني موقفاً ثابتاً بعدم المقايضة في السياسة، وأنّ الرئاسة لن تخضع في مفهوم الدول لأيّ تنازلات في الثوابت التي وضعتها هذه الدول النافذة في بلادنا. وربّما أكثر من يتمسّك بهذه الثابتة هي المملكة العربية السعودية التي أصبحت تتقدّم الحراك اللبناني، بالتنسيق مع الجانب الأميركي.
لبنان دولة منكوبة أخرى على المتوسّط، ولا حياة ستعود إليها إلا من خلال معادلات قوى جديدة في السلطة. من هذا المنطق، يتحدّث مرجع سياسي عن سقوط مقولة "الرئيس القوي" مسيحياً لمصلحة "الرئيس الهادئ" الذي يلتزم صلاحياته، ويكون على مسافة واحدة من الجميع، لا طرفاً في الصراع كما حصل في عهد الرئيس ميشال عون، أو ما يمكن أن يحصل في عهد فرنجية.
كذلك الحزب لا يريد أن يتحمّل مسؤولية فشل أيّ عهد مقبل. وبالتالي هو أيضاً حريص على أن يحظى الرئيس المقبل بدعم خليجي ودولي. فإذا كان فرنجية فهذا جيّد له، وإذا لم يكن فرنجية فلا مانع لدى الحزب، على حدّ قول المرجع السياسي، شرط أن لا يكون عدوّاً للمقاومة.
سوريا: أميركيّ - إيرانيّ
سوريا واحدة من الدول المنكوبة التي يجوع شعبها بسبب الحصار وبسبب تمركز القوات الأميركية على المساحات المزروعة بالقمح والعائمة على منصّات البترول.
يقول مرجع مقرّب من السوريين إنّ دمشق لا تريد أن تعادي إيران، لكنّها لا تستطيع أن تتحمّل الصراع الإيراني - الأميركي على أرضها. فمصلحتها تقضي بانسحاب إيران من سوريا وانسحاب الولايات المتحدة من حقول النفط والقمح لتعود سوريا إلى الحياة. وهذا لا يمكن أن يحصل إلا بمفاوضات سياسية تدعو إليها المملكة العربية السعودية التي أمسكت سوريا بيدها وأعادتها إلى الجامعة العربية. وهذا يدلّ على دور سعودي مقبل في سوريا والمنطقة. وبالفعل أعلنت رويترز أمس أنّ إيران ستسحب ضبّاطها من سوريا، في تطوّر كبير واستراتيجي، فسّره أحد العارفين بأنّه جزء من "الدفاع السلبي"، وذلك خوفاً من ضربات أميركية لإيرانيين في سوريا ردّاً على قصف ميليشيات إيرانية القاعدة الأميركية على حدود الأردن وسوريا والعراق.
فهل يكون الانسحاب الإيراني من سوريا مقدّمة للانسحاب الأميركي، فتكون التسوية بعودة سوريا إلى الحضن العربي ضمن التسوية الكبرى، وعودة لبنان إلى حضن الشرعية الدولية خلال السنوات المقبلة؟
الأكيد أنّ المساحة الجغرافية الممتدّة من فلسطين المحتلّة إلى سوريا، باتت مساحة ناشطة بالتحوّلات السياسية الضخمة. وباب التحوّلات مفتوح لاستحقاقات تحتاج إلى سنوات مقبلة كي تتظهّر نهاياتها. وبداياتها ستكون من لبنان الذي سيشهد انتخاب رئيس من خارج هذه الطبقة السياسية، ليفتتح مساراً جديداً سيسير نحوه لبنان بعد انتهاء حركة اللجنة الخماسية وعودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان...
جوزفين ديب - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|