بورتريه لـ"الخماسية": هكذا ستصنع رئيساً
تنتهج اللجنة الخماسية المنبثقة عن بيان نيويورك الثلاثي، حراكاً جديداً في سبيل مؤازرة لبنان. تعتمد في نشاطها على بروتوكول عمليّ مختلف. بقي تشخيص الحالة اللبنانية ذاته وعلاجها هو نفسه، في حين تغيّرت طريقة العلاج، وأسلوب التعامل، وفقاً للطريقة التي تلائم الظروف الراهنة، وبما يخدم سرعة الوصول إلى الحلّ النهائي عبر جمع القوى المؤثّرة محلياً وإقليمياً ودولياً، تفادياً للأصعب، وهو الحرب.
تركّز دول الخماسية في عملها على دعم لبنان عبر نوعين اثنين من الستاتيكو لا ثالث لهما:
1- الستاتيكو الأوّل: محاولة العودة في لبنان إلى مرحلة ما قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) والعدوان على غزة، من الناحية الأمنيّة والسياسية. تجتهد الخماسية في نشاطها على تحييد لبنان بالحدّ الأدنى من تأثيرات طوفان الأقصى. تولي ناحية الاستقرار الأمنيّ أهمّية كبيرة، لعلّها تساعد على تحقيق المناعة السياسية. تحفّز على التسريع في عجلة إعادة تكوين السلطة، وفي إنهاء شغورها وشللها، لأنّ ذلك من وجهة نظرها هو الترياق الوحيد المتمّم للاستقرار الأمنيّ. لذلك تعمل على تثبيت الحالة اللبنانية والرجوع بها إلى الفترة التي سبقت الحرب في فلسطين المحتلّة، مع فارق وحيد فقط هو الدفع باتجاه تطبيق القرارات الدولية بشكل كامل، بالطريقة التي تفيد وتحمي الساحة اللبنانية، وتعيد للدستور واتفاق الطائف احترامه، مع الحرص على عدم انتهاج معيارية التوازن السلبي في عدم تطبيق القرارات الدولية، خاصة على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلّة، وحصر الشراكة الدولية عن طريق مؤسّسات الدولة اللبنانية فقط.
2- الستاتيكو الثاني: مساعدة لبنان في أن يكون جاهزاً وقادراً على الاستجابة والتعاون والامتثال لأيّ خطة عمل إقليمية ودولية جديدة. تنظر الخماسية إلى لبنان باعتباره جزءاً أساسياً من المنظومة الأممية وعضواً مؤثّراً لا بديل عنه في التشكيلة العربية. لذلك ينكبّ الجهد الخماسي بالتعاون مع كلّ الأطراف المهتمّة على تقديم الإمداد إلى لبنان لتدعيم مناعته السياسية، لكي يبقى بلداً مستقرّاً ونافعاً غير مهدّد إقليمياً وعربياً، يبسط سيادته على كامل رقعته الجغرافية ومتعاون صريح، من بوّابة دولة القانون والمؤسّسات، عبر احترام الدستور وعدم التطاول على النظام السياسي بحصريّة السلطتين السياسية والأمنيّة بيد الدولة فقط.
تأسيس 3 "مسلّمات" لبنانية
تحاول اللجنة الخماسية تحقيق هاتين الإشكاليّتين من خلال التوصّل إلى ثلاث مسلّمات، وهي:
1- محلّية: تنطلق هذه المسلّمة من ضرورة احترام التوازنات المحلية الدقيقة. تتعلّق بشكل مباشر بطبيعة المجتمع اللبناني واحترام تعدّديته في المجالين السياسي والانتخابي. تنادي هذه الرؤية بعدم إمكانية تجاوز المزاج السياسي للمجتمع اللبناني وانتخاباته الأخيرة التي نتجت عنها الصيغة الشكليّة الآنيّة للمجلس النيابي، والتي عكست من خلال العملية الانتخابية والاقتراعية الديموغرافيا المجتمعية اللبنانية تشريعيّاً. يعتبر البرلمان السلطة التشريعية ومحور انطلاق العملية السياسية في النظام اللبناني. إنّه الناخب الوحيد لرئيس الجمهورية. حيث لا يمكن ولا يجوز انتخاب رئيس جمهورية يناقض وينافي هذا المنطق.
2- إقليميّة: تترجم الخماسية هذه التوليفة من خلال دعم وتثبيت الارتكاز الدقيق المساعد والمكرّس لثبات الـ"إيكوسيستم" والتوازن البيئي الإقليمي. تسعى اللجنة الخماسية إلى أن يكون لبنان عضواً إيجابياً في المرحلة المقبلة. تعمل على تذليل كلّ المطبّات والمنعطفات، وعلى امتصاص الصدمات التي من شأنها أن تعرّضه للأذى وأن توقعه في خطر الحروب الشاملة. تتبع في ذلك السياسة الواقعية التامّة، عبر أسلوب الخطوة القصيرة تليها خطوة أقصر، دون مبالغات. تعرف الخماسية أنّ المنطقة العربية والشرق أوسطية مقبلة على تحدّيات إقليمية وعمليّة جمّة، وهي على مشارف تسوية شاملة دقيقة جداً وحسّاسة، لذا تساعد لبنان لكي يكون مهيّأ ومتحضّراً ومتحسّباً لكلّ هذه الاستحقاقات بشكل تنفيذي وحقيقي لكي لا يقع على هامشها، أو يكون ضحيّتها. تستنبط ذلك من خلال خطّة حذرة توائم بين الظروف الواقعية في البيئة اللبنانية والأساسيّات الإقليمية للخطّة الشاملة الإقليمية، من خلال الدمج المفيد والمرحلي وعلى القطعة عبر حلحلة الأمور التي تعتبر مدخلاً استقراريّاً غير مهدّد للتوازنات المحلية ولا حتى الإقليمية. يتلخّص هذا المسعى في الحفاظ على الصيغة اللبنانية الحاليّة واتفاق الطائف الذي هو خطّ أحمر إقليمي ودولي أخرج لبنان من تحاربه وتقاتله إلى مرحلة سلمه ومدنيّته، فلا بديل عنه. مع التشديد على احترام الدستور والقوانين الوطنية والقرارات الدولية.
3- دوليّة: يتجسّد هذا الزخم في الاحتكام دولياً إلى حقيقة واحدة فقط تتجلّى في الحفاظ على الفكرة اللبنانية ونهائية الكيان لكلّ مواطنيه، عبر حماية قدسيّة العيش الواحد المشترك ضمن الجناحين المؤسّسين. يتبلور هذا النسق في تقديم كلّ الدعم إلى الدولة، لكي تنجح في امتحانها وتحقّق عبورها السليم إلى دولة المؤسّسات في تعاونها مع المجتمع الدولي ولمساعدتها على تطبيق القرارات الدولية. إذ يضع المجتمع الدولي والعربي نصب عينيه أن يكون لبنان بلداً لائقاً بتاريخه أوّلاً، ومفيداً ونافعاً أمميّاً وعربيّاً. حيث تنعكس هذه الإجراءات بشكل جوهري على نجاعة وتطبيق الدستور اللبناني، ومؤازرة الدولة على بسط سلطاتها على كامل الأراضي اللبنانية.
تصفير الخلافات... وتوحيد الخطوات
تتحلّى اللجنة الخماسية بواقعية سياسية مطلقة. تنسجم في حراكها مع قراءة متوازنة ومتكاملة لمختلف موازين القوى المحلّية اللبنانية والإقليمية والدولية. لا تهوى المبالغات ولا حتى الاستفاضة السياسية غير المجدية. هي حذرة جداً في مبادرتها وسعيها. تتبنّى الحلّ القائم على تأمين مصلحة الدولة. تحترم الجميع وتتعامل مع الكلّ، لكن لا يهمّها الأفراد ولا الأحزاب ولا تنزلق إلى درك المكاسب الشخصانية. اتّخذت اللجنة الخماسية نسقاً جديداً مسرعاً ومجدّاً أكثر في البحث عن الحلول. انطلقت بتحفيز مختلف مع بداية العام الحالي. تصلّبت في توثيق متانتها وثقلها عبر أسلوبين اثنين:
1- الأسلوب الأوّل: تصفير الاختلافات والتباينات فيما بين أعضائها. ابتعدت عن كلّ الأسماء. والتحمت أكثر بالمواصفات. خفّفت من المبادرات والشطحات الفردية التي تركت بصمتها السلبية على نشاطها وتأصيلها اللوجستي على الرغم من كلّ مقصدها الإيجابي. حيث خسرت مزيداً من الوقت والقدر، وظهر تنافر بين دول وأعضاء المجموعة، الأمر الذي انعكس على إطالة أمد الشغور. لهذا تأجّل الحلّ وأدّى هذا إلى مزيد من استفحال الأزمة اللبنانية.
2- الأسلوب الثاني: التوحيد الكامل لجميع خطوات اللجنة الخماسية. حيث أضحت اللغة واحدة واللقاءات موحّدة أو شفّافة، سواء أكانت ثنائية أم جماعية. يجمع المندوبين رابط تنسيقي موحّد من دون نفور، لخدمة المسألة اللبنانية بشكل سريع، تحت سقف البيان الثلاثي فقط.
سوف يظلّ التوازن هو الحاكم الجوهري والأصلي للصيغة اللبنانية. لذلك يتمّ فصل لبنان عن الحرب الدائرة، فلا حلّ إلا بالحفاظ على النظام السياسي الحالي. لا مكان للغلوّ ولا الغلبة لأحد. لا يوجد مكان لأحلام بعض فئات المعارضة في القفز فوق الدستور والطائف نحو صيغة جغرافيّة جديدة. ومن غير المسموح لفريق الممانعة والحزب في أن يكون لبنان ممانعاً وأن يكون الحلّ معرقلاً لاستمرارية الدولة ومفهومها. وعليه، فإنّ انتظار نتائج الحرب في فلسطين المحتلّة من قبل فريق الممانعة والحزب في محاولة لاستثمارها في الداخل اللبناني هو أمر غير واقعي أبداً. سوف تُصرف نتائج الحرب داخل فلسطين المحتلّة فقط، وفي الخارج على مستوى التوازنات الإقليمية بين اللاعبين الأصليين. أمّا في لبنان فالطائف هو المستمرّ. ستكون نهاية الحرب وتسويتها المرتقبة المدخل الأساسي والعملي لحلّ الدولتين من جديد على الرغم من كلّ الصعوبات الاستراتيجيّة والتكتيكيّة التي تكتنفها، مع تبلور جديد للسلطة الفلسطينية.
لا تقدّم اللجنة الخماسية نفسها على أنّها بديل عن السلطة والأفرقاء اللبنانيين. تصف نفسها بأنّها عامل مساعد ومذلّل ووسيط بين الأطراف اللبنانيين من قياديين وأحزاب وشخصيات. تواكب مفاعيل الحراك الدولي والعربي في مسألة عدوان غزة، وتحضّر الساحة اللبنانية. تنطلق في عملها من الحرص الشديد على لبنان الدولة.
جدّدت الخماسية من طريقة تعاطيها التفصيلي. زخّمت خطواتها عبر مروحة سياسات تشبيكيّة مختلفة قوامها التوازن وعدم تجاوز الفعّاليات. تتّخذ من البيان الثلاثي في نيويورك قبل عام المرجعَ الأوّل والأساسي لأيّ حلّ في الأزمة اللبنانية. يحترم هذا البيان الدستور والقوانين اللبنانية ويسعى إلى تحقيقها عبر نفحات إضافية وتكتيكية معاونة. يشدّد على التوازن والاحترام الشديد لموازين القوى وتناغماتها المحلّية والإقليمية والدولية. وتصرّ اللجنة على أنّ الحلّ في لبنان لا يكون إلا من خلال التوافق والتسوية اللبنانيَّين المنسجمين مع الدستور والقوانين والقرارات الأممية. لا تكترث بالتطرّف في المواقف البازاريّة. تريد من الجميع التنازل والتقدّم إلى ساحة مشتركة تضمن الدولة وتصون المؤسّسات فقط. لذا هي طرف ويد ممدودة واحدة تنتظر اليد الثانية من الطرف اللبناني. حيث لا يُعتبر فشل الخماسية فشلاً لها، وإنّما فشل إضافي للبنان الدولة وهتك ممنهج لمنطق السلطة فيه.
د. محيي الدين الشحيمي - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|