"حزب الله" لا يُحيّد لبنان ويربط الحدود بالرئاسة؟
منذ أن اشتعلت الحرب في غزة بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي، انخرط "#حزب الله" في المعركة وحوّل الحدود الجنوبية إلى جبهة مساندة لحركة حماس وضاغطة ضمن قواعد اشتباك منضبطة، تتوسع أحياناً وتخفت وفق ما تفرضه حسابات التصعيد. فرضت الوقائع ربطاً بين غزة ولبنان، وكادت الامور أن تتطور في أكثر من محطة نحو حرب واسعة تشنها إسرائيل على لبنان في محاولة لإبعاد مقاتلي الحزب وترسانته العسكرية إلى شمال الليطاني، بعدما أدت العمليات إلى خروج المستوطنين من المناطق المتاخمة للحدود. وفي المقابل فرغت القرى الجنوبية الحدودية من سكانها بفعل القصف الإسرائيلي والغارات المتواصلة، وباتت المنطقة ساحة قتال تذكر بمرحلة ما قبل العام 1978.
اليوم ومع الحديث عن هدنة مرتقبة في غزة، ترتفع المخاوف من بقاء جبهة الجنوب متوترة ومشتعلة، إذ أن إسرائيل ترفض أن تبقى الامور على حالها جنوباً، فلا عودة بالنسبة إليها إلى ما قبل 7 تشرين الأول، وبالتالي تحاول وفق مصدر دبلوماسي متابع فرض واقع جديد، إما بحل يؤدي إلى تكريس منطقة أمنية عازلة، أو استمرار الحرب بأشكال مختلفة.
ومع احتمال الهدنة، يتبين أن إسرائيل لا تريد شمولها جبهة جنوب لبنان، فيما يصر "حزب الله" على رفض البحث في أي ملف أو ترتيبات أمنية أو التفاوض من دون وقف اطلاق نار نهائي في غزة. وعليه يبدو أن جبهة الجنوب مرشحة وفق المصدر الدبلوماسي لأن تكون ساحة غير مستقرة، خصوصاً مع المواقف التي أعلنها وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بقوله إن تل أبيب لن توقف إطلاق النار عند الحدود مع لبنان ضدّ "حزب الله" حتى لو توقف إطلاق النار في غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل تقوم بجهود مهمة في الشمال من بينها المساعي السياسية التي تهدف لتمكين سكان المستوطنات المحاذية للبنان من العودة إلى منازلهم بأمان.
واقع جبهة الجنوب يضاعف الأخطار على لبنان كله، ويعقّد في الوقت ذاته مسار الاتصالات الدولية لمنع اشتعال الحرب وفي الوقت ذاته لحل الأزمات اللبنانية المتصلة بالملف الرئاسي. فاختلاف الملف اللبناني يعود إلى أن الجنوب الذي حوله "حزب الله" الى جبهة مساندة لغزة ضمن وحدة الجبهات، هو ساحة متصلة بالإقليم، وأي حرب قد تشعل المنطقة بأكملها على الرغم من أن إيران لا تريدها، بمعزل عن تحريك أذرعتها في تنفيذ عمليات ضد الأميركيين. ولذا تتركز الرسائل الدولية على ضرورة تجنب الحرب والبدء بمفاوضات لتثبيت الاستقرار، مع رسائل واضحة لـ"حزب الله" بضرورة وقف القتال وعدم الانجرار الى الحرب كونه قد يدفع لبنان إلى منحدر خطير. ومع استمرار التهديدات الإسرائيلية تتركز الاتصالات الدولية على إبقاء الوضع الحدودي ضمن إطاره الحالي في انتظار بلورة تفاهمات عبر قنوات تفاوض خلفية تتسع نحو الإقليم. ويبدو في هذا الخصوص أن هناك رهاناً على جولة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل ولبنان في إطار استمرار المساعي لتجنب التصعيد خصوصاً وأنه سيحاول الاستفادة من أي هدنة محتملة في غزة لانسحابها على جبهة الجنوب.
لكن إقرار الهدنة في غزة إذا استكملت بنودها في ضوء الحركة الأميركية إلى المنطقة والتي يقودها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، لا تعني انتهاء الحرب لكنها ستفتح آفاقاً لإعادة تقييم الوضعين السياسي والميداني لدى إسرائيل وحماس و"حزب الله"، وما قد ترتبه من انعكاسات في المرحلة المقبلة. وإذا كان بحث الهدنة لم يتطرق إلى جبهة لبنان، إلا أن التحركات الدولية نحو بيروت وآخرها زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون والزيارة المقررة لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، وأيضاً جولة هوكشتاين، تطرح تهدئة الجبهة وإعادة الاستقرار إلى الجنوب بالتوازي مع الدعوة الى تطبيق القرار 1701 والبدء في التفاوض حول الحدود البرية بما في ذلك المطالبة بمنطقة أمنية تبعد "حزب الله" مقابل البحث في انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلة في جنوب لبنان. لكن كل ذلك اصطدم بممانعة محور المقاومة.
الرهان على زيارة هوكشتاين لا يعني أن جبهة جنوب لبنان يمكن أن تسير على سكة التهدئة، فعلى الرغم من الضغوط الأميركية على إسرائيل والتحذيرات من تصعيدها الحرب على لبنان لاعتبارات لها علاقة بأولويات الإدارة الاميركية في المنطقة وفي الوقت ذاته طمأنة إسرائيل بالعمل على ترتيبات أمنية تبعد "حزب الله" عن الحدود، فإن عدم تثبيت وقف اطلاق النار في غزة وبدء مفاوضات سياسية والبحث بحل سياسي، سيبقى جبهة لبنان مرشحة لكل الاحتمالات، وبالتالي قد يؤدي استمرار التصعيد الإسرائيلي مع تشدد بنيامين نتنياهو ورفضه لأية حلول إلى استدراج واشنطن لحرب في المنطقة كلها.
ينسحب التعقيد في ملف الجبهة الجنوبية، انطلاقاً من الحركة الدولية على الوضع في لبنان كله. فإذا كانت اللجنة الخماسية تحاول وضع الاستحقاق الرئاسي على سكة التفاوض للوصول الى تسوية، إلا أنها اصطدمت بتطورات الوضع في الجنوب، إذ يتبين صعوبة الفصل بين الملفين. وهذه النقطة يأخذها بالاعتبار الموفدون الدوليون في طروحاتهم، لكن الثابت وفق المصدر الديبلوماسي أن مساعي التهدئة والتحذيرات إلى "حزب الله"، تعني أن لا مقايضة دولية خصوصاً أميركية معه في ما يتعلق بالملف الرئاسي.
وفي وقت يرفض "حزب الله" التفاوض حول وجوده العسكري في المنطقة الحدودية، فإنه أيضاً مرتبك في ما يتعلق باستمرار المواجهة في حال الهدنة، خصوصاً وأن المفاوضات حول غزة تستبعد الإيرانيين ولا تمنحم أي دور في ذلك. وأمام التهديدات الإسرائيلية يبدو أنه سيحاول التبرير لجمهوره عما حققه بإشعال جبهة الجنوب، فيما سيركز على استمرار العمليات في منطقة محددة في الجنوب لا يستبعد المصدر الدبلوماسي أن تكون مزارع شبعا بوصفها منطقة محتلة وتختلف عن حدود الخط الأزرق. والامر ذاته ينسحب على الملفات الداخلية عبر التمسك بسليمان فرنجية.
لا يبدو ممكناً فصل مسار الجنوب عن الرئاسة وفق المصدر الدبلوماسي، وإن كانت الحركة الدولية تسعى إلى ذلك. يقول نقلاً عن أجواء دولية أنه لا يمكن منح "حزب الله" ضمانات تحت عنوان إيصال رئيس يثق به أو لا يطعن ظهر المقاومة، علماً أن الحزب يرفض التفاوض على أي ملف قبل وقف اطلاق النار في غزة. فقد بات مسار الحل وانجاز الاستحقاقات الدستورية معلقاً بالتسوية في الجنوب، في ظل الشروط المتبادلة والمطالبة بضمانات، وعلى هذا يبدو أن كلمة الفصل أميركية بامتياز، في انتظار وساطتها لما ستؤول إليه الأوضاع واحتمالات الحرب. وعلى هذا لبنان ليس محيداً عن وحدة الجبهات أو إمكان تحوله إلى ساحة استهدافات، بعيداً من خطابات النصر وشعارات حماية البلد.
"النهار"- ابراهيم حيدر
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|