خطّة مصرفيّة لفرض سعر صرف جديد للسحوبات...و القضاء الألماني في بيروت للمساعدة باستعادة أموال سلامة المحتجزة
حتّى هذه اللحظة، يستمرّ التجاذب ما بين جمعيّة المصارف ومصرف لبنان، بخصوص سعر صرف السحوبات وآليّة السحب من الودائع المصرفيّة. فيوم السبت الماضي، أصدر مصرف لبنان التعميم 166، الذي حلّ مكان التعميم 151. إذ منح المستفيدين من ذلك التعميم حق سحب 150$ نقدًا من حساباتهم المصرفيّة. مع الإشارة إلى أنّ التعميم 151 كان يغطّي الودائع غير المستفيدة من التعميم 158، أي تحديدًا "الدولارات المحليّة" التي تحرّكت داخل النظام المصرفي بعد تشرين الأوّل 2019. وعلى أي حال، جاء التعميم 166 يوم السبت الماضي ليُنهي حقبة مجحفة عانى منها المستفيدون من التعميم 151، حيث فرض التعميم السابق على المودعين سحب دولاراتهم المحليّة بالليرة وبسعر صرف 15 ألف ليرة للدولار، أي بأقل من 17% من قيمة الدولار الفعليّة، باعتبار أنّ هذه الودائع "غير مؤهلة" بمفهوم المصارف.
غنيٌ عن القول أن التعميم 166 جاء كتحدّ لإرادة الكثير من المصارف، التي رفضت فكرة منح هذه الفئة من الودائع "غير المؤهّلة" حق سحب الدولارات النقديّة. فخطورة التعميم، بالنسبة للمصارف، لا ترتبط بقيمة السحوبات الزهيدة، بل بفكرة إعادة الاعتبار لتلك الودائع كأموال ذات قيمة كاملة، تستفيد من سحوبات دولاريّة نقديّة، ولو بسقف منخفض. وهذا ما يُنهي حقبة التمييز بين الودائع غير المؤهّلة، أي ودائع التعميم 151 التي تحرّكت داخل النظام المالي بعد تشرين الأوّل 2019، وتلك المؤهّلة التي تستفيد من التعميم 158، أي الودائع المستقرّة في حساباتها منذ تشرين الأوّل 2019، والتي تستفيد أصلاً من سحوبات نقديّة بموجب التعميم 158.
الضغط على ميقاتي
المطلوب الآن الالتفاف على قرار المركزي الصادر يوم السبت، ولو بعد صدوره، والعودة إلى تحديد أسعار صرف منخفضة للسحب من فئات معيّنة من الودائع. وبخلاف ما تسرّبه المصارف، لن تكون السحوبات بالليرة مجرّد خيار إضافي للمودع المستفيد من بعض التعاميم، مثل التعميم 166. إذ بمجرّد فرض سعر صرف معيّن للسحوبات، يمكن أن يتم استبدال جزء من السحوبات النقديّة المدولرة بسحوبات بالليرة اللبنانيّة. أو قد يُفرض على المودع سحب دفعة بالليرة، إلى جانب السحوبات المحددة الآن بالدولار النقدي، ما يفرض عليه خسارة جزء من قيمة وديعته.
وهذه الخطوة مطلوبة استباقًا لمناقشة قانونيّ إعادة هيكلة القطاع، وإعادة الانتظام المالي. إذ يفترض على أساسها الشروع بتنظيم التمييز بين الودائع المؤهلة وتلك غير المؤهلة. ومعاملة هذه الودائع على قدم المساواة في تعاميم مصرف لبنان، عبر الاستفادة من حق السحب النقدي، ولو بسقوف مختلفة، لا يتلاءم مع فكرة تأهّل وعدم تأهّل الودائع.
بصورة أوضح: على المستفيدين من التعميم 166 أن يعودوا للسحب بالليرة وبسعر صرف منخفض، ولو بشكل جزئي، ليتكرّس تمييز هذه الفئة من الودائع "غير المؤهّلة"، من حيث قيمتها السوقيّة، أو قيمة السحوبات التي تستفيد منها. وهذا مطلوب طبعًا، لتشريع هذا التمييز –والاقتطاع من قيمة الودائع غير المؤهلة- في قوانين التعافي المالي لاحقًا.
في اجتماع يوم أمس، بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووفد جمعيّة المصارف، تركّز النقاش على إمكانيّة إصدار وزارة المال قرارًا لتحديد سعر صرف خاص للسحوبات النقديّة من الدولارات المحليّة. وحسب ما تسرّب من الاجتماع، تركّز النقاش حول إمكانيّة تحديد سعر الصرف هذا عند ثلاث مستويات محتملة: 15 ألف ليرة للدولار، 25 ألف ليرة للدولار، و30 ألف ليرة للدولار. وحسب الأفكار المطروحة من قبل جمعيّة المصارف، لن تحدّد وزارة المال طبيعة الحسابات التي ستستفيد (أو بالأحرى ستعاني) من سعر الصرف هذا، ولن تحدد سقف السحوبات، بل سيُترك تطبيق سعر الصرف هذا لمصرف لبنان.
بهذا الشكل، وبعد أن رفض الحاكم بالإنابة وسيم منصوري تحمّل مسؤوليّة الاقتطاع من أي وديعة، من خلال أسعار الصرف المعتمدة للسحوبات، ستكون المصارف قد التفّت وسعت لكسر قرار المركزي أولًا، من خلال تأمين غطاء حكومي لتعاميم يمكن أن تحدد أسعار صرف منخفضة لجزء من السحوبات.
وبمجرّد تأمين هذا الغطاء الحكومي، سيكون بالإمكان الضغط على مصرف لبنان لإعادة تكريس آليّة السحب بالليرة وبسعر صرف منخفض، بالاستناد إلى القرار الوزاري. مع الإشارة إلى أنّ هذه الضغوط بدأت أساسًا في الاجتماع الأخير بين ميقاتي ومنصوري، حين امتعض ميقاتي من فكرة تحديد سعر صرف السحوبات عند مستوى سعر صرف السوق، معتبرًا ذلك "خطوة غير منطقيّة".
القرار الوزاري سيغيّر موازين اللعبة
بعض المصادر المصرفيّة تشير إلى أنّ منصوري تمكّن سابقًا من مقاومة الضغوط التي حاولت الجمعيّة –ومعها ميقاتي- فرضها على مصرف لبنان، لاعتماد سعر صرف منخفض للسحوبات. إذ برّر منصوري موقفه من زاوية قانونيّة، باعتبار أن خطوة من هذا النوع ستمثّل اقتطاعاً غير قانوني من قيمة الوديعة، وهو ما لا يرغب المصرف المركزي بتحمّل مسؤوليّته.
غير أن المصادر نفسها تؤكّد أن منصوري سيكون في موقع أضعف تجاه المصارف، إذا ما استحصلت المصارف على غطاء قانوني من الحكومة نفسها، بخصوص سعر الصرف المعتمد للسحوبات. إذ لن يكون بإمكان منصوري المُحاججة بأنّ المصرف المركزي يرفض تحمّل مسؤوليّة الخطوة، طالما أن سعر الصرف محدد أصلًا من وزارة المال، الوصيّة بحسب القانون على المصرف المركزي.
بطبيعة الحال، سيكون بإمكان المصارف المحاججة بأنّ هذه الخطوة ستمثّل إضافة لتعاميم المركزي، وليس تراجعًا عنها، أي أن المودع يمكن أن يستفيد من التعاميم القائمة، كما يمكن أن يستفيد من سعر الصرف الجديد بعد فرضه. غير أنّ هذه الحجّة بعيدة قليلًا عن التحليل المنطقي للأمور.
إذ بمجرّد إقرار القرار الوزاري، سيكون بالإمكان فرض سحوبات نقديّة بالليرة وباقتطاعات وازنة من قيمة الوديعة، على نحوٍ إلزامي، إلى جانب كل سحب بالدولار النقدي، تمامًا كما كان حال التعميم 158 في السابق قبل تعديله. أو يمكن العودة لفرض بعض السحوبات بالليرة بشكل كامل، كما كان حال التعميم 151. كما يمكن تقسيم سقف السحوبات الحالي، الممنوح للمستفيدين من التعميم 166، بين دفعة بالليرة ودفعة بالدولار النقدي.
إشكالات قانونيّة حول الخطوة
ثمّة قدر لا ينتهي من الإشكالات، المرتبطة بقانونيّة الخطوة. فميقاتي يناقش الفكرة حاليًا –كإحتمال- بوصفها إجراءً مؤقّتاً وانتقالياً، بانتظار إقرار قانون الكابيتال كونترول في المجلس النيابي، والذي يفترض أن يحدد أصول تنظيم السحوبات المصرفيّة. كما يحاول البحث في بعض الاجتهادات الشائعة داخل مجلس النوّاب، التي ترى أن تحديد أسعار الصرف، بكل أشكالها وأصنافها، هو من صلاحيّة وزارة الماليّة بالتنسيق مع مصرف لبنان. وهذا الاجتهادات تنطلق من غموض الواقع القانوني المرتبط بسعر الصرف. فمسألة تحديد سعر الصرف مازالت مربوطة –في قانون النقد والتسليف- بآليّات قديمة عفا عليها الزمن.
على أي حال، إذا كانت تحديد سعر الصرف الرسمي والموحّد من مهام وزارة الماليّة، بالتنسيق مع السلطة النقديّة في مصرف لبنان، كما يدّعي البعض، فتحديد سعر صرف خاص للسحوبات ليس حتمًا من صلاحيّة الوزارة، ولا حتّى من صلاحيّات مصرف لبنان. فتحديد سعر صرف منخفض للسحب من الودائع، يعني تلقائيًا فرض نسبة اقتطاع معيّنة منها، وهو ما يتجاوز اختصاص أي جهاز ضمن السلطة التنفيذيّة.
في النتيجة، يبقى على الرأي العام أن يترقّب مدى استعداد ميقاتي للتجاوب مع مسعى جمعيّة المصارف، بعد الاجتماع الأخير يوم الإثنين الماضي. كما يبقى انتظار مدى جديّة حديث ميقاتي عن قرب إحالة مشروع قانون الكابيتال كونترول محدثًا إلى المجلس النيابي، تمهيدًا لقوننة جميع القيود الفروضة على السحوبات، بما فيها تلك التي يمكن أن تتم بالعملة المحليّة وبموجب أسعار صرف متعدّدة.
من ناحية أخرى،
الذي بات جليًّا، أن التحقيقات الأوروبية -وتحديدًا الألمانية- في ملف حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، شارفت على نهايتها. وفي حال تكرر سيناريو المراوغة والتعطيل الذي حصل سابقًا حول مسألة تعيين محامين في فرنسا لحفظ حقوق لبنان، فإن الدولة اللبنانية ستخسر جميع حقوقها في المانيا أيضاً.
تأخر الدولة
في التفاصيل، خصّص رئيس الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية (BKA)، هولغر مانش، زيارة رسمية إلى قصر عدل بيروت يوم أمس الإثنين 5 شباط، للقاء المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، عارضًا عليه المساعدة القضائية، وللاستفسار حول أسباب تأخر الدولة اللبنانية في رفع دعوى قضائية في ألمانيا ضد سلامة، لحفظ حقها من الأموال المحتجزة هناك بعد انتهاء التحقيقات.
تألف الوفد الألماني من رئيس الشرطة الجنائية الفيدرالية الألمانية، ونائبة المدير العام، ومجموعة من المسؤولين عن قضايا الإرهاب وتبييض الأموال والمخدرات. وأجرى الوفد زيارات رسمية للمدير العام لقوى الأمن الداخلي، عماد عثمان، ووزير الداخلية، بسام المولوي. أما وجهته الأخيرة فكانت داخل قصر عدل بيروت، حيث اجتمع مع القاضي غسان عويدات والقاضية ميرنا كلاس.
مساعدة قضائية ألمانية
وأكد مصدر قضائي رفيع لـ"المدن" أن هولغر مانش، أبلغ القضاء اللبناني جهوزية ألمانيا للتعاون مع الدولة اللبنانية في حال رفعت الأخيرة دعوى ضد سلامة في ألمانيا لحفظ حقوقها من أموال سلامة المحتجزة. وعليه، سيقدّم القضاء الألماني جميع الأدلة والمستندات التي يحتاجها القضاء اللبناني، وسيطلعه على جميع التحقيقات التي أجراها سابقًا، وسيقدم جميع الأدلة لمساعدته برفع الدعوى في ألمانيا.
وحسب معلومات "المدن"، فإن أموال سلامة المحتجزة في ألمانيا تبلغ حوالى 140 مليون دولار أميركي، إضافة إلى مجموعة من العقارات والأملاك الأخرى التي تعود لسلامة وعائلته.
والمعروف، أن النيابة العامة التمييزية ليست مسؤولة عن رفع هذه الدعوى في ألمانيا، إنما هي من اختصاص هيئة القضايا في وزارة العدل، التي يتوجب عليها التحرك سريعًا وتعيين أي محامٍ لمتابعة قضية سلامة في ألمانيا، تمامًا كما فعلت حين تم تعيين المحاميين Emmanuel Daoud، وPascal Beauvais، للقيام بمهام تمثيل الدولة اللبنانية والدفاع عنها أمام المحاكم الفرنسية، في الدعوى المرفوعة ضد رياض سلامة، وشقيقه رجا سلامة، وصديقته آنا كازاكوفا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصيغة النهائية لإعطاء عقد وكالة للمحامين، لمعاونة رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل قد منح "رسميًا" في الثامن عشر من كانون الأول الفائت، وذلك بعد سلسلة طويلة من الاعتراضات بين الحكومة اللبنانية ووزارة العدل حول أسماء المحامين.
"إفلاس واضح"
كما أوضح مصدر قضائي بارز أن القاضي عويدات أحال مضمون المساعدة الألمانية على هيئة القضايا في وزارة العدل، المتمثلة بالقاضية هيلانا اسكندر، حيث من المفترض أن تجتمع اسكندر بمانش. وتابع المصدر، بأن هناك بعض العراقيل في تقديم الادعاء في ألمانيا، وأبرزها عدم قدرة الدولة اللبنانية على دفع تكاليف وأتعاب المحامين في ألمانيا.
مع الإشارة إلى أن هذه المشكلة تتكرر مجددًا. إذ لم يكن لبنان قادرًا على تعيين أي محام في فرنسا للدفاع عن الحق اللبناني، وتمكن أخيرًا من تعيين الوكلاء القانونيين بعدما عرضوا تقديم أعمالهم مجانًا. وعلى ما يبدو، فإن الدولة اللبنانية بانتظار أي عروض وخدمات مجانية من المحامين للدفاع عنها في ألمانيا.
أما محليّا، فقد جُمّد ملف سلامة القضائي بسبب استخدام سلامة لألاعيب قانونية ومخاصمة جميع الهيئات الاتهامية الناظرة في ملفه، وأصيب الملف بشلل تام ولم يتمكن قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي بلال حلاوي من استعادة الملف من الهيئة الاتهامية، لمتابعته.
ويظهر واضحًا اليوم، أن الدولة اللبنانية المفلسة والتي تسبّبت سياسات سلامة داخل المصرف المركزي بانهيار اقتصادها وعملتها الوطنية منذ عام 2019، ليست قادرة "ماديًا" على استعادة حقها من أمواله، وبالتالي سيكون عليها انتظار أي عرض مجاني للتمكن من استرداد المال العام!
وبالرغم من تأخر لبنان في تقديم الدعوى، إلا أن مصادر "المدن" أكدت أن هيئة القضايا في وزارة العدل تتابع هذا الأمر منذ فترة. وتواصلت مع بعض مكاتب المحاماة في ألمانيا، ومن المتوقع أن تباشر بتقديم الدعوى في ألمانيا قريبًا، إذ يتم حاليًا التباحث حول اسم المحامي الذي سيعيّن هناك للدفاع عن الدولة اللبنانية من دون أن تتكلف الدولة اللبنانية بأي مبلغ مالي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|