تقرير لـ"Foreign Affairs" يكشف كيف أعادت غزة توحيد الشرق الأوسط؟
رأت مجلة "Foreign Affairs" الأميركية أنه "من الواضح أن الحرب في قطاع غزة لم تعد مقتصرة على إسرائيل وحماس. فحزب الله وإسرائيل يتبادلان إطلاق النار بشكل شبه يومي منذ 8 تشرين الأول، كما واغتالت إسرائيل عدداً من كبار الشخصيات في الحزب. أما في البحر الأحمر، فهاجم الحوثيون بلا هوادة السفن التجارية، مما استفز الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لضرب أهداف الحوثيين في اليمن.
إذاً، هناك خطر حقيقي من أن يؤدي هذا الأخذ والرد إلى صراع عسكري أميركي مباشر مع إيران. وكما لاحظ الكثيرون، فإن بؤر التوتر هذه تظهر المدى المتزايد لما يسمى بمحور المقاومة.
لكن الأمر الأقل ملاحظة هو المدى الذي أدى به هذا الصراع الأوسع إلى طمس الانقسامات الطائفية التي غالبًا ما شكلت المنطقة. إذاً الحرب في غزة تحدت التوتر الطائفي التاريخي: فالأغلبية الساحقة من الفلسطينيين من المسلمين السُنّة، وحركة حماس نشأت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية السُنّية الأكثر أهمية والتي تمتد جذورها إلى مصر. فكيف وجدت حماس بعضاً من أقوى حلفائها في الجماعات والأنظمة التي يقودها الشيعة في إيران والعراق ولبنان وسوريا واليمن؟".
وبحسب المجلة، "بعيداً عن محور المقاومة، يكمن التفسير في المكانة الخاصة التي احتلها تحرير فلسطين منذ فترة طويلة بين السنة والشيعة العاديين، وكيف حولت الحرب هذه المشاعر إلى قوة موحدة قوية.
والحقيقة أنه حتى عندما تندلع التوترات الطائفية في أماكن أخرى، فإن محنة الفلسطينيين ظلت لفترة طويلة بمثابة نقطة التقاء مشتركة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، بينما واصل القادة العرب السنة صفقات "التطبيع" مع إسرائيل وتجاهلوا القضية الفلسطينية بشكل متزايد، أصبحت الحكومة الإيرانية وحلفاؤها الشيعة الداعمين الأساسيين للمقاومة الفلسطينية المسلحة.
وفي المقابل، فإن التحولات الإقليمية، بما في ذلك التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية في آذار 2023، ومحادثات السلام الجارية بين الحوثيين والسعودية وبين اليمنيين، والديناميات المتغيرة في العراق ولبنان، جعلت الانقسام الطائفي أقل بروزاً بكثير".
وتابعت المجلة، "والآن، بعد ما يقرب من أربعة أشهر من الحرب الكارثية، أدى الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى إيقاظ جبهة إسلامية تضم الجماهير العربية السُنّية، التي تعارض بأغلبية ساحقة التطبيع العربي، والجماعات الشيعية المسلحة التي تشكل قلب قوى المقاومة الإيرانية.
بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها، يشكل هذا التطور تحديًا استراتيجيًا يتجاوز بكثير مواجهة المجموعات العراقية والحوثيين بضربات مستهدفة. فمن خلال الجمع بين منطقة مقسمة منذ فترة طويلة، تهدد الحرب في غزة بمزيد من تقويض النفوذ الأميركي، وعلى المدى الطويل، يمكن أن تجعل العديد من المهام العسكرية الأميركية غير قابلة للاستمرار.
وتثير هذه الوحدة الجديدة أيضًا عقبات كبيرة أمام أي جهود تقودها الولايات المتحدة لفرض اتفاق سلام من أعلى إلى أسفل يستبعد الإسلاميين الفلسطينيين".
لعبة يمكن لإيران أن تفوز بها
وبحسب المجلة، "على الرغم من أن البعض في الشرق الأوسط انتقد مجموعات المحور الإيراني بسبب توسيع نطاق الحرب، إلا أن استطلاعات الرأي ووسائل التواصل الاجتماعي العربية تظهر دعمًا عربيًا كبيرًا لحماس وعقيدتها في المقاومة المسلحة. وتظهر الاستطلاعات نفسها أيضًا انخفاضًا كبيرًا في دعم الولايات المتحدة والأنظمة المرتبطة بها ارتباطًا وثيقًا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ففي المملكة العربية السعودية، تظهر استطلاعات الرأي الآن أن نسبة ساحقة من السكان، أكثر من 90%، تعارض إقامة علاقات مع إسرائيل. وليس من الصعب أن نفهم كيف تشكلت هذه التصورات. ففي حين أن الحكومات العربية الموالية للغرب ليس لديها الكثير لتظهره في ما يتعلق بجهودها لوقف الحرب، فقد تمكنت إيران وقواتها المحورية من تصوير انفسهم كقادة إقليميين وداعمين اساسيين للفلسطينيين. وخير مثال على ذلك هي جماعة أنصار الله.
كانت الجماعة في السابق مجموعة متمردة غير معروفة في شمال اليمن، وتمكنت من إغلاق الشحن التجاري عبر مضيق باب المندب، حتى في مواجهة القصف الأميركي والبريطاني المستمر. وقد اكتسبت الحرب المضطربة التي يشنها الحوثيون سمعة سيئة بين السكان العرب الذين لم يدعموهم من قبل أو يدعموا السياسات الأوسع للمحور. وبهذا المعنى فإن الحرب في غزة جلبت قدراً أعظم من الوحدة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي ربما أكثر من أي صراع آخر شهده العالم الإسلامي في العقود الأخيرة".
ورأت المجلة أن "التصرفات الأميركية الحالية في الحرب في غزة، بما في ذلك الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل والإجراءات العسكرية والدبلوماسية التي تهدف إلى كسب المزيد من الوقت لإسرائيل، قد تسرع من تحقيق هدف إيران المتمثل في تكثيف جهودها لطرد القوات الأميركية من المنطقة، حيث أن هناك الآن دعماً متزايداً على مستوى المنطقة لمقاومة الغرب وإسرائيل. وفي الوقت نفسه، فإن العديد من المنتقدين المحليين لقوى المحور ليس لديهم أي فرصة لتحقيق مكاسب طالما أن هذه الشبكة قادرة على تصوير نفسها على أنها الداعم الحقيقي للفلسطينيين في لحظة صعبة للغاية. من خلال دعمهم لحماس واستعدادهم لتصعيد المقاومة المسلحة حيث ظلت الحكومات العربية متفرجة إلى حد كبير، اكتسب أعضاء المحور قدراً كبيراً من النفوذ في مختلف أنحاء الشرق الأوسط".
وختمت المجلة: "بات من الواضح على نحو متزايد أنه سيكون من المستحيل بالنسبة لواشنطن أن توقف التصعيد الإقليمي ما لم تتمكن من تأمين وقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء الاحتلال، وأخيراً إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. وفي غياب مثل هذه الخطوات الملموسة وذات الصدقية، فإن القوى الإقليمية سوف تستمر في استخدام القضية الفلسطينية لتحقيق مكاسبها الخاصة".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|