الغرق ثم الغرق
في الواقع، ليس هناك بصيص أمل في آفاق لبنان، وإن كنا كلبنانيين رواداً في صناعة الآمال الوهمية الجميلة، التي تبقى ضرورة حتمية تجعلنا نخوض في غمار المشاغل اليومية، ونستنسخها دائماً، فتكسبنا قوة الاستمرار في طريق الحياة بحلوها ومرّها.
أي وطن هذا الذي يراه كلّ طرف من زاوية طموحاته الدفينة، كلام على الملأ وكلام في الباطن يناقضه، لكن الأخير هو الأقوى عندما تدق ساعة الحقيقة، فتختلط الأمور مرة أخرى وتتصادم.
في المشهد العام، ملايين النازحين على امتداد هذا الوطن الصغير، وبلادهم على مرمى حجر من هنا، لكن لا توافق على عودتهم لأسباب نخجل من ذكرها.
ديموغرافيا متوحّشة تكشر عن أنيابها من كلّ حدب وصوب في وطن "المرقد عنزة" . تفتك بالأخضر واليابس، بالهواء والماء والبيئة، وبالأبيض الناعم المسالم فوق قمم الجبال.
شباب وشابات بعمر الورود يهجرون الوطن كما تهجر الطيور مواطنها بحثاً عن الرزق والدفء، حين تموت السنابل ويلف الصقيع أوكارها.
دولة تنهب أبناءها باسم الشعبوية، وشعب يلتهم بعضه بعضاً ويدوس على دولته لأنه لا يؤمن بها أصلاً.
ساحة معارك مفتوحة وقودها أيديولوجيات عمرها من عمر نزول الله إلى هذا الشرق، وأحلام الانسان تبقى هزيلة أمام ما كتبته له الاقدار السماوية.
صراع قبائل طائفية ومذهبية حتى العظم، يهشم فكرة الدولة والنظام، وعلمانيون حديثو النعمة يستبطنون التعصّب الفئوي خلف ستار من الأطروحات البراقة المخادعة.
الانسانية في هذا الوطن يتيمة تائهة، والوطنية كسل وتزوير، وفي العقول يأس يتناسل صمتاً ولا مبالاة.
إنها التجربة الفريدة، والأصح التجربة الجلجلة، إنها الغرق ثم الغرق... العميد المتقاعد دانيال الحداد
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|