ماذا تَغيّر على جبهة القتال بين إسرائيل و«حزب الله»؟
بعد استهداف منطقة بعلبك والنبطية وقضاء صور، كَثُرَ الحديثُ عن تطوّر في قواعد الاشتباك أو تعدّي اسرائيل عليها بعدما كان «حزب الله» فَرَضَها منذ الثامن من أكتوبر الماضي، حين بادَر إلى فتْح جبهة مُسانَدة لغزة التي تتعرّض لأبشع وأعنف عمليات القتل والدمار على يديْ جيش وحكومة يضربان عرض الحائط باتفاقيات جنيف والقوانين الدولية في ما يتعلق بالمدنيين وحرمانهم أبسط مقومات الحياة التي يُحرّم حجبها في زمن الحرب.
إلا أن المشهدَ والاشتباكَ العسكري على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية فرض ردوداً بوسائل مختلفة ومبتكرة بسبب تغيير وتطور نوعية السلاح والاستهداف ما فرض أسلوب عمل متنوعاً من دون خرق قواعد الاشتباك.
وتقول مصادر عسكرية خبيرة ومطلعة على دينامية الحرب، إنها تطوّرت في شكلٍ تصاعدي حيث يَستخدم الطرفان أسلحةً وتكنولوجيا متطوّرة تسمح بتجربة أنواع عدة للمرة الأولى، وأسلحة مضادة تَختبر قدرة كل منهما على إيقاع أضرار قاتلة بالطرف الآخر وتتغلّب على التدابير المضادة.
وخلال أشهر المعركة، حصل تَدَرُّج في أنواع الأسلحة واختيار الأهداف وشدة وانخفاض في كثافة النيران على طول الجبهة الأساسية التي تمثّلت في المنطقة الحدودية ولغاية 8 كيلومترات داخل الأراضي التابعة للطرفين المتحاربيْن.
معادلة جديدة
إلا أن إسرائيل أوجدتْ معادلة جديدة يبدو أن الحزب تأقلم معها ما دامت لا تخرق قواعد الاشتباك المتمثّلة بنقاط ثلاث: تحييد المدنيين والمدن والبنى التحتية عند الطرفين، ما دام التركيز منصبّاً على الأهداف العسكرية بشكل عام. ومن الطبيعي أن تقع إصابات بين المدنيين في المقلبين - وإن كان الحزب يلتزم بقواعد الاشتباك بدقةٍ أكبر من إسرائيل - وهو ما يعتبره الطرفان «أضراراً جانبية»، بالتعبير العسكري، من دون السكوت عن سقوط الضحايا الأبرياء.
ومعادلة إسرائيل الجديدة - والتي لن تتخلى عنها في الوقت الراهن ما دامت الحرب «مضبوطة» - تتمثل في مهاجمة ومحاولة القضاء على فئات محدّدة من الأهداف، وهي:
- أفراد وقادة «حزب الله» الذين يقاتلون على الجبهة الحالية، من مسؤولي وأفراد الجغرافيا الحدودية (أهل المناطق) والوحدات الخاصة (الرضوان).
- أفراد وقادة الحزب الذين يعملون في وحدة فلسطين ويدعمون الفلسطينيين بالتدريب العسكري والتكنولوجيا والإمداد والاستخبارات وقيادة الأركان والتنسيق.
- أفراد وقيادة سلاح الدفاع الجوي في «حزب الله».
- أفراد وقادة تَعتبر إسرائيل، بحسب استخباراتها، أن مسؤولياتهم تتعلّق بوحدة فلسطين، بغض النظر عن صحة المعلومات.
- أهداف فلسطينية وسورية وعراقية وإيرانية أينما وُجدت ما دام لها ارتباط بدعم الفلسطينيين.
لا حدود جغرافية
وهذه المعادلة لا تحدّها الجغرافيا، بحيث تعمل أجهزة الاستخبارات وكذلك سلاح الجو الإسرائيلي في أي منطقة يتواجد فيها أحد هذه الأهداف، في الجنوب والعاصمة بيروت والبقاع، وفي سورية وإيران، أي أينما وُجدت هذه الأهداف إذا استطاع العدو الوصول إليها.
فسلاح الجو يَعتبر أن لا حدود جغرافية لعمله وسيستهدف هؤلاء في كل المناطق اللبنانية ما دامت أهدافاً عسكرية، من دون ضرب قادة «حزب الله» غير المعنيين مباشرة بالمعركة، في الوقت الراهن، لاستحالة تقديم أي ضمانة بعدم تطور الأمور وتَدَحْرُجها نحو الأسوأ.
وما دَفَعَ إسرائيل لتطوير «مبادئها» القتالية تمثّل في ما يأتي: عندما بدأ «حزب الله» باستخدام سلاح «الكورنيت» من الجيل الخامس، استطاع إحداثَ مفاجأةٍ لدقة إصاباته وغزارة النيران، ولامتلاكه كمية هائلة من الصواريخ الموجّهة الليزرية التي استخدم أكثر من ألف منها في أشهر قليلة.
من هنا أخذتْ تل أبيب، توجّه جهدَها في اتجاه استخدام تكنولوجيا إسرائيلية – أميركية لحرف الصواريخ الليزرية عن هدفها وهو ما نجحت به في أماكن عدة. فذهب «حزب الله» لاستخدام السلاح الليزري من الجيل الأول والثاني، الذي لا يتأثّر بالتكنولوجيا الحديثة. وقبلت إسرائيل بالواقع الجديد وبتطوّر عدوهّا الذكي لتحاول إخفاء الأهداف الكبيرة (الدبابات ومراكز القيادة والسيطرة) عن العيون. فتطوّر الحزب بضرب أجهزة التجسس الظاهرة وباستخدام المسيَّرات التلفزيونية الانتحارية لضرْب الأهداف غير الظاهرة مقدّماً بذلك نوعاً جديداً من الأسلحة. وفشلت إسرائيل في تقليل خسائرها واستبدلت المعادلة بتدميرٍ أكبر للقرى والمدن الحدودية التي تقع ضمن قواعد الاشتباك وباستخدامٍ مكثف لسلاح الطيران المتفوّق. وقد اتفق الطرفان (من دون التخاطب طبعاً) على إخلاء السكان في المناطق الحدودية الساخنة ما يسمح بتدمير منازلهم كجزءٍ من المعركة.
إلا أن تمادي إسرائيل في ضرب أهداف نقطية في العمق اللبناني كمحاولةٍ لفرض معادلة جديدة، دَفَعَ «حزب الله» لإظهار نوع من أنواع السلاح المضاد للطائرات الذي يدفع إسرائيل نحو رد الفعل الجنوني ولكن ضمن السقوف المقبولة.
اصطياد «هيرمس 450»
وطوّرت إسرائيل ردعَها، إذ استطاعت اصطياد الصواريخ المضادّة للطائرات إلكترونياً بحرْفها عن الهدف أو إعطائها أهدافاً وهمية. وهذا ما فَرَضَ على الحزب التطور والتدرّج لإخراج سلاح جديد في جعبته يناور ويمنع الأجهزة الإلكترونية من التقاطه وتحويل مساره. وهذه التكنولوجيا الجديدة كانت إيران طوّرتْها وقدّمتْها لـ «حزب الله» وهي تمسّ بتفوّق إسرائيل وسيطرتها الجوية، ما سمح باصطياد المسيَّرة «هيرمس 450» المتطوّرة والتي تعتبرها إسرائيل بمثابة طائرة عسكرية حربية صغيرة تحلّق على ارتفاع 20 ألف قدم وتحمل الأسلحة المناسبة.
الاصطياد أخرج إسرائيل عن طورها، ولكن ضمن السقوف المسموحة والمتحرّكة، لتضرب هدفاً لسلاح القوة الجوية التابع لـ «حزب الله» المسؤول عن الإطلاق، من دون ضرب عشرات الأهداف التابعة للوحدة ذاتها والمنتشرة في نقاط عدة والتي يُعتقد أنها ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية.
لقد فرضت المعركةُ دخولَ ومشاركة أذرع الدفاع الجوي للحزب ما تَسَبَّبَ بتوسع الجغرافيا بعلمِ وإدراكِ قادتها، لتردّ إسرائيل على التهديد المتطوّر برسائل وجّهتْها بأن السلاح المتطوّر المضاد للطائرات يقابله ضربٌ في الجغرافيا اللبنانية من دون استثناء.
إلا أن «حزب الله» أَظْهَرَ امتلاكَه لصواريخ كبيرة لم يستخدمها إلا نادراً (في صفد) لتدرك إسرائيل أن تهديدها سيقابله رد فعل يستطيع الحزب من خلاله إيقاع خسائر ضخمة في الجهة المقابلة للحدود وحتى في العمق الإسرائيلي إذا لزم الأمر.
حرب مضبوطة!
وإذا تغيّرتْ قواعد المعركة، فإن هذا سينطبق على الطرفيْن اللذين يملكان القدرةَ على ضرب أهداف أينما وُجدت وفي العمق، ولكن بشكل مدروس ودقيق لتبقى الحرب مضبوطة.
إذاً، لا علاقة للعمق الجغرافي بالحرب الشاملة التي تشمل المدن والمطارات والمرافئ والبنى التحتية ومنصات الغاز والنفط والأهداف المدنية. بل ان الاستهدافات ما زالت عسكريةً بحتة حتى من قبل إسرائيل ولو سقط بعض المدنيين كأمرٍ لا مفرّ منه في الحرب.
والرد الذي يقوم به «حزب الله» لا يقلّ أهمية عن الاستهدافات الإٍسرائيلية، خصوصاً عندما تُقصف صفد والجولان المحتل والمقرّ الإقليمي لـ «فرقة الجولان» ومراكز القيادة والسيطرة بأكثر من 100 صاروخ خلال 24 ساعة وإرسال مسيّرات مسلّحة واستخبارية تصل إلى العمق الإسرائيلي لمسافة أبعد من حيفا بلغت 90 كيلومتراً، مثل العفولة، من دون الإعلان عنها في بعض الأحيان لعدم إحراج إسرائيل ودفْعها للرد الإضافي.
تطور نوعي
وفي تطور نوعي، ارتقى «حزب الله» بوتيرة استهدافاته غداة القصف الإسرائيلي غير المسبوق الذي استهدف مدينة بعلبك، فأعلن عصر أمس قصف مقر قيادة الفرقة 146 في جعتون (قضاء عكا) بعشرات صواريخ الكاتيوشا وتحقيق إصابات مباشرة»، علماً أنها المرّة الأولى يستهدف فيها الحزب هذا الموقع.
وذكرت تقارير أن عشرات الصواريخ أطلقها الحزب وصلت إلى عمق مناطق الجليل وشرق عكا، وسط إعلان الإعلام الإسرائيلي أنها المرة الأولى تصل الصواريخ إلى عمق 16 كيلومتراً داخل الجليل.
ونُقل عن قناة «كان» الإسرائيلية «أن إصابة مباشرة (سُجلت) في منطقة يركا بالجليل الأعلى من جراء الرشقة الصاروخية الأخيرة من لبنان».
إنها حرب مضبوطة تُرسم قواعدها وتتطور كلما ارتقى طرفٌ بأسلحته أو بالألم الذي يُحْدِثُه للطرف الآخَر. إلا أن الطرفين يُبْديان رغبةً في منْع تدحرج الأمور وخروجها عن السيطرة التامة. ولكن المشكلة أكبر من ذلك: لقد اضطُر جيشٌ (إسرائيل) يدّعي بأنه الأقوى في الشرق الأوسط أن يقبل قواعد الردع وقواعد الاشتباك وتحديد بدء المعركة ونهايتها كما فرضتْها مجموعةٌ منظّمة غير نظامية كسرت هيبة إسرائيل ومكانتها في العالم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|