إرتفاع الأسعار يهدّد الأسر في لبنان
مثل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية في لبنان، بالتزامن مع تصاعد نسبة البطالة، وحالات الفقر، أزمة شاملة للأسر اللبنانية، بسبب عدم قدرتها على تأمين متطلبات الحياة الأساسية من غذاء وطبابة وتعليم ودواء. وسجلت البيانات الإحصائية والتقارير المتداولة في الوزارات المعنية والمؤسسات الرسمية اللبنانية والمؤسسات الرقابية، ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، ما فاقم أزمات المواطنين والمقيمين على امتداد الأراضي اللبنانية.
وتشير التقارير الصادرة عن مرجعيات اقتصادية محلية إلى ارتفاع كلفة معيشة الأسرة اللبنانية بشكل غير مسبوق، حيث تعجز الأكثرية الساحقة من هذه الأسر عن تحمّلها، خاصة مع انهيار الليرة وما نتج عنها من ارتفاع في الأسعار، ومع تسجيل ارتفاع إضافي بسبب الأزمات العالمية من حرب أوكرانيا إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتحويل طرق النقل البحرية، وجاءت الزيادات التي شهدتها الأجور أقلّ وأدنى بكثير من ارتفاع الأسعار.
كلفة معيشة الأسرة اللبنانية
واستنادا إلى تقارير المرجعيات الاقتصادية حول كلفة معيشة الأسرة اللبنانية المؤلّفة من أربعة أفراد على الحدّ الأدنى، فقد وصلت إلى 52 مليون ليرة شهريًا (582 دولارًا) في القرية، وإلى 71 مليون ليرة (794 دولارًا) في المدينة، موزعة على عدد من البنود من دون احتساب الكلفة الصحية.
ومن الممكن أنّ تكون هذه الكلفة هي أدنى بكثير من الكلفة الفعليّة والحقيقيّة، غير أن احتساب كلفة الحد الأدنى، تم بناء على الأسس التالية:
– السّكن: الحدّ الأدنى لإيجار المنزل في القرية هو نحو 150 دولارًا شهريًا، ويصل في المدينة إلى 300 دولار شهري وربّما أكثر، تبعًا للمنطقة ووضعيّة المسكن ومساحته، علمًا بأنّ الأسعار أصبحت تحدّد الآن بالدولار النّقدي.
– الكهرباء: تمّ اعتماد كلفة المولّدات الخاصة بما أنّ ساعات التغذية من كهرباء لبنان غير محدّدة وقليلة جدًا، والكلفة الأدنى للمولّدات شهريًّا هي 40 دولارًا وقد تصل إلى 100 دولار. هذا وقد لجأ العديد من المواطنين إلى خفض الاشتراك في المولّدات إلى 2 أمبير، لتوفير الإنارة وتشغيل التلفزيون معتمدين على كهرباء الدولة لتشغيل الأدوات الكهربائيّة المنزليّة.
– التّعليم والنقل: احتسب على أساس كلفته في المدرسة الرسميّة، التي تكون قريبة من مكان السّكن، أي من دون احتساب كلفة النّقل، واعتبار أنّ التنقّل يتمّ سيرًا على الأقدام عندما يمكن ذلك.
– السلّة الغذائيّة: احتساب الحدّ الأدنى من كلفة الطّعام والمواد الاستهلاكية من منظفات وغاز وغيرها.
– المواصلات: في الوقت الراهن، تبلغ كلفة الكيلومتر الواحد لسيّارة تستهلك 20 ليترًا/ 170 كيلومترًا، نحو 11.000 ألف ليرة، فاحتسب الحدّ الأدنى للكلفة على أساس مسافة 300 كيلومتر تقطعها السيّارة شهريًّا.
– الصحّة: فإذا لم يدخل الشّخص إلى المستشفى لا تترتّب على الأسرة أيّة كلفة، أمّا في حال دخل إلى المستشفى أو لجأ إلى الطبيب فإن الكلفة تكون باهظة، وتصبح بعشرات ملايين الليرات.
– الكساء: احتساب شراء الملابس والأحذية من المحلّات الشعبيّة الرخيصة، أو من محلّات بيع الألبسة المستعملة التي تكاثر انتشارها في الفترة الماضية.
– التدفئة: مع ارتفاع أسعار المازوت والحطب وعدم جدوى الاعتماد على الغاز والكهرباء للتدفئة، خاصة في الأماكن الباردة، اعتمدت الكلفة الأدنى للتدفئة خلال 3-4 أشهر هي 120 دولارًا أي ثمن نصف طن من الحطب أو ثمن 7 صفائح من المازوت، ووُزّعت الكلفة على 12 شهرًا.
وعلى الرغم من استقرار سعر صرف الدولار الأمريكي منذ أشهر في محيط 89500 ليرة، تستمر أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية بتسجيل ارتفاعات متتالية من دون أي تبرير.
وما زاد الأزمة الاقتصادية تعقيدا، حالة التوتر والترقب التي يعيشها اللبنانيون بسبب التصعيد العسكري في جنوب لبنان والحديث عن احتمالات اندلاع حرب مدمرة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، لكن الاستحقاق الداخلي الأشد الحاحا من كل الأولويات برز أخيرا، مع ارتفاع نسبة البطالة في لبنان إلى أكثر من 60 في المئة.
ارتفاع معدلات البطالة
وأظهرت دراسة نشرتها أخيرا إحدى منظمات الأمم المتحدة حول الفقر في لبنان، تحت عنوان «الحاجات الأوليّة» أنّ «عدد اللبنانيين الذين هم تحت خط الفقر 1.5 مليون، وعدد اللبنانيين فوق خط الفقر 2.5 مليون نسمة، إضافة إلى 178200 لاجئ فلسطيني في لبنان تحت خط الفقر و91800 لاجئ فلسطيني فوق خط الفقر، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى الأمم المتحدة بصفتهم لاجئين تحت خط الفقر 720 ألفاً، واللاجئين السوريين المسجلين فوق خط الفقر 780 ألفاً.
وأدى ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، والارتفاع الهائل في معدلات التضخم، ورفع الدعم عن الأدوية والوقود والخبز إلى زيادة الصعوبة التي يواجهها الكثير من الناس لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
ما بين ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب، إلى جانب تدني مستوى رواتب الموظفين وعدم حصول موظفي القطاع العام على رواتبهم، تتفاقم معاناة اللبنانيين، وتصبح حياتهم أمام مخاطر اجتماعية وبيئية وصحية عالية المستوى.
الدكتور صافي النعيم، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية، أكد لـ«القدس العربي» أن الوضع المعيشي للمواطن اللبناني خطير جدا، ويهدد حياته برمتها وليس مستوى معيشته فحسب.\
وحذر الدكتور النعيم من آثار ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الرواتب، وانهيار الوضع المعيشي لدى المواطن اللبناني ولدى أكثر من مليوني لاجئ على الأراضي اللبنانية، لافتا إلى أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية والأقساط المدرسية سيقود حتما إلى انهيار أمني وفوضى أمنية ربما تتدحرج، لكنها بالنهاية ستشهد تفجيرا واسعا في الشارع في حال استمرت الدولة اللبنانية في إهمالها لهذا الملف وعدم تقديم الحلول والمعالجات للأزمة بل للانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي في لبنان.
وأوضح الدكتور النعيم، يجب على الجهات المعنية بالدولة اللبنانية أن تعترف أن لبنان بحالة انهيار مالي واقتصادي ومعيشي، وأن من يدفع ثمن هذا الانهيار هم الفقراء من هذا الشعب وهم اليوم الأكثرية الساحقة، مضيفا، الدولة اللبنانية لم يعد أمامها إلا نهب جيوب الفقراء من خلال ارتفاع الأسعار وارتفاع الضرائب وتكاليف المعاملات الرسمية في إدارة الدولة، وهذا سيؤدي إلى فوضى عارمة وقاتمة.
وحول انعكاسات كل ذلك على حياة اللبنانيين، يؤكد الدكتور النعيم أن استمرار وتصاعد الأزمات المعيشية في لبنان، ستؤدي إلى انتشار الجريمة وعمليات السرقة والهجرة غير الشرعية.
وتعيش الأسرة اللبنانية اليوم تحت وطأة الانهيار المالي والاقتصادي، والتهديد المتصاعد عن احتمالات اندلاع حرب من بوابة الجنوب، وضعف الدولة وتراجع دور المؤسسات الحكومية في معالجة الأزمات وإيجاد الحلول والمعالجات.
عبد معروف- القدس العربي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|