الفراغ الرئاسيّ… في انتظار الانقلاب على الطائف
من تغيير طبيعة الطائفة الشيعيّة وقيام “الثنائي الشيعي” بشكله الحالي… وصولاً إلى تغيير طبيعة لبنان ودستوره، أي دستور الطائف. تلك يمكن أن تكون إحدى نتائج التغييرات الإقليمية التي ستسفر عنها حرب غزّة التي لا وجود لأفق سياسي لها، أقلّه إلى الآن.
ضاع لبنان في ظلّ كلّ التعقيدات الإقليمية التي لا سابق لها والتي تضاعفت مع استمرار حرب غزّة التي بدأت في السابع من تشرين الأوّل الماضي. أي منذ ما يزيد على مئة وخمسين يوماً.
يعود ضياع لبنان إلى أنّ قراره مصادَر إيرانيّاً. فيما لا يوجد من يستطيع الوقوف في وجه هذا الواقع المتمثّل في أنّه دخل حرباً من دون أن يكون على علم بتبعاتها. لا علم للبنان بتبعات هذه الحرب ومجرياتها. في حين لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” حساباتها الدقيقة القائمة على تغيير طبيعة لبنان على نحو نهائي. لا يدلّ على ذلك أكثر من استمرار الفراغ الرئاسي المرشّح لأن يدوم طويلاً في انتظار اليوم الذي يحصل فيه الانقلاب الرسمي على اتفاق الطائف ودستوره الذي توقّف العمل به منذ فترة طويلة.
تبدو حرب غزّة التي تشهد مشاركة مباشرة للحزب فيها، عن طريق فتح جبهة الجنوب، منعطفاً على الصعيد اللبناني. تطرح هذه الحرب مصير لبنان ودور مؤسّساته، أو ما بقي منها. لا وجود لرئيس للجمهوريّة ولا دور للجيش اللبناني على الأرض. بما في ذلك أرض الجنوب. على الرغم من الوضوح في نصّ القرار الرقم 1701 في هذا الشأن وتحديده لدور الجيش بالتنسيق مع القوة الدولية.
خطوة خطوة، استطاعت إيران تدمير مؤسّسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى. شمل ذلك النظام المصرفي الذي أرادت أن تكون جزءاً منه. لمّا وجدت أنّ ذلك مستحيل، شنّت حربها على المصارف اللبنانية وصولاً إلى ما وصلت إليه الآن هذه المصارف من جهة. وإقامة نظام مصرفي بديل، تحت تسمية “القرض الحسن”.
تغيير طبيعة الطائفة الشيعية
ثمّة محطّات عدّة يمكن التوقّف عندها بدءاً بالعمل الدؤوب على تغيير طبيعة الطائفة الشيعية ودورها. خصوصاً عبر الطائف. انتصار الحزب على الحركة في حرب إقليم التفاح أواخر ثمانينيات القرن الماضي وبداية تسعينياته واحدة من هذه المحطّات. ليس في استطاعة أيّ لبناني تعداد المحطّات التي مرّ فيها البلد.
منذ وصول الدفعة الأولى من “الحرس الثوري” الإيراني إلى ثكنة الشيخ عبدالله التابعة للجيش اللبناني صيف عام 1982. وذلك عبر الأراضي السورية بحجّة المشاركة في التصدّي لإسرائيل التي اجتاحت وقتذاك الأراضي اللبنانيّة.
منذ صيف 1982، إلى يومنا هذا، لم يتغيّر شيء في السلوك الإيراني. تؤكّد ذلك المطالب الإيرانيّة الثلاثة التي طُرحت أمام الرئيس سعد الحريري لدى زيارته طهران في تشرين الثاني من عام 2010. وكان آنذاك في موقع رئيس مجلس الوزراء. طلب الإيرانيون على هامش الزيارة ثلاثة أمور هي: السماح بدخول المواطنين الإيرانيين إلى البلد من دون تأشيرة. والدخول في النظام المصرفي اللبناني، عبر وديعة في مصرف لبنان. وتوقيع معاهدة للدفاع المشترك على نسق تلك المعاهدة التي تربط بين سوريا و”الجمهوريّة الإسلاميّة”.
القضاء على اتفاق الطائف
مع مرور الوقت استمرت مسيرة القضاء على اتفاق الطائف حقّق الإيرانيون مطالبهم التي رفضها لبنان في حينه. تبدو كلّ أبواب الدخول إلى لبنان مشرّعة أمام الإيرانيين. وفي غياب القدرة على دخول النظام المصرفي اللبناني، أُلغي هذا النظام من أساسه. أمّا بالنسبة إلى معاهدة للدفاع المشترك، فإنّ قرار السلم والحرب في لبنان صار قراراً إيرانياً لا أكثر!
ما الخطوة التالية لإيران؟ وما الذي يدعوها إلى الإصرار على الفراغ الرئاسي؟
من الواضح أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” تتطلّع إلى اليوم الذي تصبح فيه جزءاً من الجيش اللبناني عبر وجود الحزب في هذا الجيش. ليس صدفة طرح أفكار في شأن تشكيل “وحدة الصواريخ” وانشاء “قيادة أركان” بدل وجود قائد للجيش.
يظلّ العراق حيث قام “الحشد الشعبي” ليكون بديلاً من الجيش مثلاً يحتذى به يفسّر كيفية جعل المؤسّسات القائمة في دولة عربيّة معيّنة تدار من طهران. لا دخان بلا نار، لم يأتِ طرح هذه الأفكار المتعلّقة بالجيش اللبناني من فراغ. ذلك أنّ كلّ ما يحصل في جنوب لبنان وما هو أبعد من الجنوب يجب أن تكون له انعكاسات على الصعيد اللبناني كلّه كي تحسم نهائياً مسألة اتفاق الطائف ومن يحكم لبنان… ما لا بدّ من تذكّره في كلّ وقت أنّ الضوء الأخضر الذي أعطته طهران وسمح بترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل. وهو ترسيم في مصلحة إسرائيل. لم يأت من فراغ. هناك احترام إيراني واضح لاتفاق الترسيم، الذي وافق عليه رئيس الجمهورية ميشال عون قبل مغادرته قصر بعبدا في آخر تشرين الأوّل 2022.
تحترم إيران الاتفاق على الرغم من خرق إسرائيل، يوميّاً، قواعد الاشتباك المتّفق عليها بينها وبين الحزب. هل قدّمت إيران أوراق اعتمادها إلى كلّ من يعنيه الأمر. خصوصاً الولايات المتحدة. مستبقة حرب غزّة ونتائجها وما ستسفر عنه. بتأكيدها أنّ حماية إسرائيل في متناولها متى حصلت على ما تريده في لبنان؟
تغيّر لبنان في العمق وسيتغيّر أكثر بعد حرب غزّة التي استخدمتها “الجمهوريّة الإسلاميّة” عن طريق الحروب التي شنّتها في موازاة تلك الحرب، بما في ذلك الحرب التي دخلها لبنان…
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|