عربي ودولي

أهل غزة وحدهم يريدون وقف الحرب… وهذا لا يكفي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

"درج":  حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني

ليست إسرائيل وحدها المصيبة التي ابتُليت بها فلسطين، فالمصائب تحاصر هذه القضية الأخلاقية من كل حدب وصوب. والمجاعة المفروضة إذ تزحف على غزة، لا تجد عائقاً يؤخّر زحفها على طول مساحة القضية وعرضها، بدءاً من دول الطوق، ووصولاً إلى الخليج وإيران.

 قاعدة العيديد الأميركية في قطر هي إحدى محطات الجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة الأميركية لمدّ الجيش الإسرائيلي بالسلاح والذخيرة خلال حربه على غزة (هآرتس رصدت عشرات طائرات النقل العسكرية الأميركية القادمة من العيديد إلى مطارات عسكرية إسرائيلية). في المقابل، تشكّل الدوحة العاصمة البديلة لحركة حماس، حيث تقيم قيادة الخارج فيها. والأهم، أن الدوحة هي المدينة التي بثّت كتائب القسام منها، عبر قناة “الجزيرة”، البيان رقم واحد لعملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر!.

ليس ما سبق تقديماً لشيطنة الدوحة وللارتياب من موقعها، إنما للسؤال عن أسباب انسداد الأفق التفاوضي في الحرب على غزة، بين إصرار إسرائيل على مواصلتها حتى القضاء على حماس، مع ما يعني ذلك من أثمان دموية وإبادية، وبين تمسّك حماس بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع. 

الدوحة هي إحدى عواصم إدارة لعبة الحرب بجانبيها السياسي والإعلامي، يضاف إليهما الجانب اللوجستي، كما أن للدوحة أياديَ بيضاء في مسألة بناء الأنفاق في غزة، وهي استثمار حماس الوحيد في القطاع، ذاك أن تمويل بنائها كان يتم عبر حقائب العملة الصعبة التي كانت ترسلها الدوحة إلى حكومة حماس في غزة عبر مطار بن غوريون، وبتسهيل من حكومة بنيامين نتانياهو، الذي كان يعتبر أن وجود حماس ضرورة لانسداد أي أفق سياسي للقضية الفلسطينية.

إذاً، وأمام هذا المشهد الشديد المراوغة، ينتظر المرء قدراً من البراغماتية التي من المفترض أن يستعين بها أهل الحل والربط في الدوحة لوقف نهر الدماء الفلسطينية المسالة في القطاع. لكن حتى الآن، لا يبدو أن ساعة الدوحة قد حانت!

موقع الإمارات والممالك الخليجية من المأساة الفلسطينية لا يقتصر على الدور الملتبس لدولة قطر، علينا أيضاً ملاحظة أن الجسر الجوي من العيديد إلى تل أبيب كان يوازيه جسر جوي آخر بين أبو ظبي وتل أبيب أيضاً، وهدفه مدّ إسرائيل بحاجيات مدنيّة واستهلاكية استعصت عليها بفعل انشغالها بالحرب!. وهنا أيضاً تحضر اتفاقات أبراهام، بوصفها نموذجاً لـ”سلام من دون شروط” دفع نتانياهو إلى القول قبل 7 تشرين الأول بأيام قليلة، إن القضية الفلسطينية لم تعد شرطاً للسلام مع العرب. 

وفي غمرة هذه الفوضى السياسية والأخلاقية، وفي ذروة المجزرة الإسرائيلية في القطاع، يستيقظ رجل أبو ظبي الفلسطيني محمد الدحلان، عارضاً قدراته الإغاثية، بالتنسيق مع حماس، وليس من خلف ظهر تل أبيب طبعاً، ذاك أن للرجل باعاً طويلة في العلاقة بين أجهزة الأمن الإسرائيلية المختلفة، ويبدو أنه وجد طريقاً موازياً يوصله إلى حماس، بعدما كان ضلّهُ خلال “سنوات الجمر” التي شهدت حرباً دموية بينه وبين الحركة الإسلامية في القطاع.

على رغم كل ما سبق، علينا نحن غير العارفين بوقائع الأمور أن نكف عن انتقاد حماس، طالما أن إسرائيل تقتل أهل غزة، وعلينا أيضاً أن نبارك لحزب الله ضمّنا إلى “وحدة الساحات” من دون أن يسأل أحداً منا رأيه. إسرائيل مجرمة، اذاً لا مكان لرأي يفترق عن حماس وعن حزب الله، أو يعتبر أن حل الدولتين الذي يلوح، وإن من بعيد، أفق لا يستقيم في ظل هذه النماذج المنشقّة عن القانون والدولة والسياسة، “ليس الوقت الآن وقت الافتراق عن حماس وعن حزب الله”، وأي قول لا يكتفي بشتيمة إسرائيل هو تواطؤ مع المعتدي!.

طبعاً هذه المعادلة تلزم الأصوات الضعيفة مثل أصواتنا، وأصوات أهل غزة، إلا أنها لا تشمل الدوحة التي بإمكان قناة “الجزيرة” أن تجنّبها احتمالات التخوين، ولا تشمل أبو ظبي التي ما أن تلوح لحظة تقارب بينها وبين طهران حتى تعاد سيوف التخوين إلى أغمادها!، وطبعاً هي لا تشمل طهران التي كفّت أيدي فصائلها العراقية، ما أن لوّحت لها واشنطن بأن الرد في المرة المقبلة سيكون عبر استهدافها مباشرة.

لكن الأمر لم يعد يقتصر على دوائر التخوين التقليدية، ذاك أن عملية 7 تشرين الأول وسّعت دائرة هذه الثقافة لتشمل بعض من كانت تستهدفهم. ويبدو أن ثمة من كان يعتقد أنه أقلع عن كونه “ممانعاً”، ليكتشف لاحقاً أن الإغراء الذي تمثّله الممانعة أقوى من أن يقاوم، فعاد أدراجه والتحق بركبها.

ليست إسرائيل وحدها المصيبة التي ابتُليت بها فلسطين، فالمصائب تحاصر هذه القضية الأخلاقية من كل حدب وصوب. والمجاعة المفروضة إذ تزحف على غزة، لا تجد عائقاً يؤخّر زحفها على طول مساحة القضية وعرضها، بدءاً من دول الطوق، ووصولاً إلى الخليج وإيران. ولكل هذه الدول أبواقها المحلية التي تصيح مخوِّنة كل من يخرج عن خطابها.

القتال وحده مخرج لتصريف الحاجات غير الفلسطينية، إسرائيل لا ترى أفقاً غيره لقتل أي أمل للفلسطينيين بدولة وبمستقبل، ومصر سينهي وقف القتال احتمالات أن تبادل الترانسفير بتصفير الديون، وإيران سيعني وقف القتال بالنسبة اليها بدء البحث بحل الدولتين، مع ما يعني ذلك من خسارات لخطاب الحرب الدائمة.

أهل غزة وحدهم يريدون وقف الحرب، وهذا لا يكفي لوقفها.  

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا